أسامة مهدي من لندن : قال مطران الطائفة الكلدانية في العراق ان مسيحيي البلاد يتوقعون اعمالا اصعب واخطر من تفجير الكنائس الذي شهدته بغداد اليوم في وقت بدا نزوح مسيحيي الموصل الى مدن اخرى قد بدأ نتيجة التهديدات التي يتلقاها مسيحيو المدينة في قت استنكرت الحوزة العلمية في النجف التفجيرات وقالت انها من فعل زمر تكفيرية وافدة من الخارج .

وابلغ المطران ابونا اندراوس " إيلاف " في إتصال هاتفي من بغداد عقب تفجير خمس كنائس في مناطفق متفرقة من العاصمة العراقية فجر اليوم ان مسيحيي العراق يتوقعون ظروفا أصعب نتيجة الاحتقان السياسي الذي يعيشه البلد وعبر عن استغرابه واستهجانه لاستهداف كنائس مسالمة وممارسة اعمال ضد المسيحيين المسالمين وقال ان تفجير الكنائس العراقية عمل لم يشهد له العراق مثيلا منذ 1400 عاما حيث عاش المسيحيون والمسلمون جنبا الى جنب بسلام وامان .

واشار الى ان المتفجرات زرعت حول الكنائس وهي من صنع محلي ادى تفجيرها الى تدمير كامل لكنائس اثرية موضحا ان التفجيرات استهدفت : كنيسة الكلدان في حي اسيا بمنطقة الدورة غرب العاصمة وكنيسة الارمن في منطقة باب المعظم وسطها وهي كنيسة اثرية قديمة وكنيسة الروم الارثدوكس في منطقة الكرادة التي دمرت تدميرا كاملا زكنيسة الاشوريين في حي الاشوريين ثم كنيسة السريان في منطقة المنصور موضا اني اي اصابات في الارواح لم تقع . وهذه هي المرة الثانية التي تتعرض فيها كنائس بغداد للتفجير بعد التفجيرات التي شهدتها في اب " اغسطس " الماضي وادت الى مقتل واصابة العشرات .

وقالت مصادر عراقية ان عددا كبيرا من العوائل المسيحية التي تسكن الموصل بشمال البلاد التي تضم معظم مسيحيي العراق بدات تهجرها خوفا من تهديدات تصلها بالانتقام حيث يتهمون بمساعدة الاحتلال والعمل في مؤسساته .

ومن جهة اخرى استنكرت الحوزة العلمية في النجف تفجير الكنائس الخمس في بغداد وقالت في بيان ارسل الى " ايلاف " تستنكر ما أقدمت عليه " بعض الزمر المتطرفة الوافدة بأفكارها التكفيرية من خارج العراق من استهداف بعض الكنائس في بغداد صباح هذا اليوم السبت محاولة بذلك شق صف العراق والعراقيين وإثارة الخلاف والشقاق بين أبناء البلد الواحد وتقديم صورة مشوهة عن الإسلام والمسلمين في العالم أجمع .

واضافت ان الحوزة العلمية إذ تشجب هذه العمليات غير المسؤولة وغير المبررة للكنائس في هذا الشهر الكريم، تذكِّر بما سبق أن أصدره مكتب المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني من شجب واستنكار لعمليات استهداف سابقة
للكنائس .

وبثت وكالة الانباء الفرنسية تقريرا حول التفجيرات جاء فيه: " اثارت الهجمات التي استهدفت خمس كنائس في بغداد اليوم مع بداية شهر رمضان الصدمة وعدم تصديق ما يحدث كما انها سلطت الاضواء على الاقلية المسيحية في العراق ووجودها.

الهجمات الخمسة التي بدت منسقة لم تسفر عن ضحايا لكنها على ما يبدو ضربت الاقلية المسيحية في الصميم ما يركز الاضواء وللمرة الثانية على حقيقة وجودها الهش وسط مجتمع مسلم في غالبيته بعد سلسلة هجمات مشابهه في بغداد والموصل في آب(اغسطس) خلفت عشرة قتلى. خمسة من رجال الدين تفقدوا اكواما من الانقاض في كنيسة القديس جورج الاكثر تضررا بين الكنائس الاخرى، وقد احيل داخلها الى رماد عكسه النور المتسلل الى الداخل من فتحتين كبيرتين على جانبي الكنيسة الكاثوليكية.

وغطى السواد الجدران باستثناء عبارة من الكلام الجوهري في القداس كتبت على المذبح باللغة العربية بينما انهارت امراة مغرورقة العينين في مكان كان موقعا لصليب خشبي كبير قبل التفجير. وتساءل رجل اشيب الشعر بمرارة "ماذا حل بكتب الصلاة؟" فاتاه الجواب من نبيل جميل راعي الكنيسة ان "النيران التهمتها جميعا".

وقال جميل الذي كان في غرفته الصغيرة في الجهة الخلفية للكنيسة حين وقوع الانفجار المروع الذي هز الكنيسة الواقعة في الكرادة، وسط بغداد على الضفة الشرقية لنهر دجلة، "سمعت صوتا في الجهة الامامية للكنيسة فنهضت لاتبين الامر". واضاف "ابلغني الحراس الذين كانوا امام الكنيسة ان لا شيء يذكر فعدت للنوم وما هي الا برهة حتى وقع الانفجار".

وقال احد الجيران، وهو مسلم لم يرغب في ذكر اسمه، انه شاهد رجلا يضع عبوة في بوابة الكنيسة قبل ان يهرع بسرعة الى سياره كانت بانتظاره على بعد امتار. واوضح الرجل "نهضت للصلاة وتناول بعض الطعام قبل موعد الامساك (...) اشعر بالخزي لان ذلك يحصل خلال شهر رمضان". وعبر المسلمون في الجانب الغربي من بغداد عن صدمتهم جراء تفجير اخر استهدف كنيسة القديس توما للسريان الاورثوذكس ذات الطابع الثري في منطقة المنصور.

وقال احمد ناظم وزوجته ما تزال بلباس النوم "لا اعتقد ان من فعل ذلك هو عراقي" مضيفا "في حال كونه عراقيا فلا بد ان يكون مغسول الدماغ بالكامل لانني لا ارى اي سبب او غرض لمثل هذا العمل الشنيع". وتهدمت واجهة كنيسة القديس توما بالكامل فيما بدا وكانه هجوم خاطف مشابه للهجوم الذي استهدف الكنائس الاربع الاخرى. وقال رجل طاعن في السن "انها مجرد حجارة وسنبنيها مرة اخرى" بينما كا بضعة اشخاص ينظفون المكان ورفع الانقاض وتوضيب السجاد داخل الكنيسة في الوقت الذي تجمعت فيه الرعية في ساحة الكنيسة. ورددت دينا زوجة الكاهن "انا بخير انا بخير" التي كانت نائمة اثناء وقوع الانفجار، في حين سارعت امراة نحوها تهنئها بالسلامة والدموع في عينيها. وقالت دينا انها شعرت باهتزاز المنزل من شدة الانفجار الذي حطم جميع النوافذ.
وعلى مسافة قريبة، كانت كنيسة القديس يوسف التي هوجمت الاخرى بقنبلة محلية الصنع خلفت اضرارا طفيفة في مقدمتها.

وقال القس جبرائيل شمامي "اعتاد المسيحيون والمسلمون على العيش سوية هنا بوئام لمئات السنين" وتابع "لا اعتقد ان العراقيين هم من فعلوا ذلك خصوصا ونحن في شهر رمضان". كما تعرضت كنيستان اخريان في منطقة الدورة، جنوب بغداد، لاعتداءات بقنابل خلفت اضرارا طفيفة وفقا لما قاله الاب فارس توما في كنيسة القديسين بطرس وبولس في المنطقة ذاتها. ويشكل المسيحيون في العراق 3% من السكان البالغ عددهم حوالى 24 مليون نسمة اي اكثر من 700 الف نسمة وسط غالبية من الشيعة والسنة.

ومنذ اسقاط نظام صدام حسين في نيسان(ابريل) من العام الماضي، تعرضت كنائسهم لموجتين من الاعتداءات اولها مطلع اب(اغسطس) الماضي حيث اوقعت هجمات على كنائس في الموصل وبغداد 10 قتلى على الاقل وحوالى 50 جريحا في حين تعرضت كنائس في العاصمة العراقية اليوم لتفجيرات دون وقوع ضحايا.ويضمن قانون ادارة الدولة خلال المرحلة الانتقالية والذي تم توقيعه في اذار(مارس) الماضي "الحرية لجميع الديانات" في حين تؤكد المادة السابعة ان "الاسلام هو دين الدولة الرسمي واحد مصادر التشريع" ونص ايضا ان "هذا القانون يحترم الهوية الاسلامية لغالببة الشعب العراقي مع ضمان الحرية الكاملة لابناء الديانات الاخرى وحرية ممارسة العبادة".

الا ان الدستور الذي اقر عام 1970 يضمن الحريات الدينية ويحظر اي تفرقة على اساس ديني. ويعترف من جهة اخرى بان الشعب العراقي مكون من "قوميتين رئيسيتين" عربية وكردية و"قوميات اخرى" اعتبر حقوقها امرا مشروعا. وفي كانون الاول(ديسمبر) 1972، اقرت قيادة البعث الحاكم حينها بواسطة مرسوم ان هذ القوميات هي الاشورية والسريانية والكلدانية.

ويشكل الكلدان غالبية المسيحيين (600 الف نسمة) ويتبعون روما لكن طقوسهم الكنسية ما زالت شرقية. وعقيدة الكنيسة الكلدانية كانت مستمدة من بطريرك القسطنطينية نسطور الذي انشق عن المجمع المسكوني ابان القرن الخامس ميلادي. وقد تخلت الكنيسة عن هذه العقيدة في القرن السادس عشر لكنها قررت الاحتفاظ بطقوسها. ومن ابرز شخصيات هذ الطائفة نائب رئيس الوزراء السابق طارق عزيز المعتقل حاليا. اما الاشوريون البالغ عددهم حوالى 50 الفا فهم من المسيحيين الذين حافظوا على العقيدة النسطورية.

وقد انشق اتباع البطريرك نسطور عن المجمع المسكوني المنعقد في افسس عام 431 ميلادية. واكد المجمع حينها ان للسيد المسيح طبيعتان، انسانية والهية، وليس طبيعة واحدة ذات وجهين انساني والهي كما تؤكد الكنيسة الكاثوليكية.
كما يوجد في العراق سريان كاثوليك واورثوذكس اضافة الى الارمن الارثوذكس والكاثوليك ايضا. وهناك انجيليون ولاتين منذ زمن الانتداب البريطاني تحديدا. ويتكلم كثيرون من المسيحيين العراقيين اللغة الارامية-السريانية التي كان يتكلمها المسيح.

وفي السبعينيات، صدرت مجلات ثقافية باللغتين السريانية والعربية كما بث التلفزيون والاذاعة برامج بالارامية.
وفي اقليم كردستان العراق، يعيش ما لايقل عن 150 الف مسيحي غالبيتهم من الكلدان. ويتمثل المسيحيون في حكومة رئيس الوزراء اياد علاوي بوزيرة المغتربين باسكال ايشو. واسفر الفقر والحروب منذ مطلع الثمانينات عن هجرة المسيحيين باعداد كبيرة وخصوصا باتجاه الولايات المتحدة. وقد غادر حوالى نصف مليون شخص خلال 15 سنة.