نصر المجالي من لندن: علق الكاتب والصحافي السعودي الخبير في الشأن الأفغاني، جمال خاشقجي في حديث لـ "إيلاف" على وقف بث مسلسل (الطريق إلى كابول) الذي أثار جدلا كبيرا على الساحة السياسية والإعلامية والثقافية العربية، من جانب فضائيات ومحطات تلفزة عربية، بأن المسلسل كان جيدا من حيث الحبكة الدرامية، لكنه احتوى على أغلاط في المعلومات التاريخية، ونصح خاشقجي منتجي المسلسل الاستفادة مما حصل وإعادة العمل من جديد مع تصحيح بعض ما انزلقوا فيه من أخطاء ساهمت إلى حد ما في وقف عرض المسلسل في شهر رمضان الحالي.

وكانت فضائيات ومحطات تلفزة أرضية عربية أوقفت عرض المسلسل ومن بينها تلفزيون قطر وهو المنتج للمسلسل وتلفزيون وفضائية الأردن وتلفزيون المغرب واليمن والبحرين، وفي الأخير أوقف مركز تلفزيون الشرق الأوسط (قناة الأفلام) ـ إم بي سي ـ بثه بعد الحلقة الثامنة.

وقال خاشقجي الذي يعمل حاليا مستشارا إعلاميا لسفير المملكة العربية السعودية في لندن الأمير تركي الفيصل "في رأيي أنه يفترض على أي كاتب أو مؤلف أن يحرص على الحقائق ولا يتجاوزها، فمسلسل (الطريق على كابول) كان فيه مغالطات تاريخية ممكن أن لا يلمسها المشاهد العادي ولكن هناك بعض الحقائق التي لا يمكن القفز عليها، مثل وضع مدن مكان أخرى أو ذكر مناطق توجد فيها غابات وهي ارض جرداء في الأساس".

وأشار خاشقجي الذي كلفته (أم بي سي) بمراجعة نصوص المسلسل وقضى ساعات في هذه المهمة، بأنه نصح الجهة المنفذة بإجراء التصحيح اللازم "ولكن على ما يبدو سبق السيف العذل، حيث كانت هذه الجهة مستعجلة في عملها قبل أن تستكمله من جميع جوانبه حتى يعرض في رمضان، سيما وان هناك عقودًا مالية ضخمة مرتبطة بضرورة إنجازه في زمن قياسي".

ومن المغالطات التي وردت في نصوص المسلسل، وتحدث عنها الكاتب الصحافي جمال خاشقجي ل "إيلاف" على سبيل المثال "لا الحصر بالطبع، ذلك الخلط في أسماء قادة المجاهدين الأفغان ، فمثلا هنالك لقطة تشير إلى أن أحد المجاهدين يتحدث لزميل له قائلا "لا نتسلم أسلحة مثل ما يتسلم قادة الميليشيات من أمثال قلب الدين حكمتيار، وأحمد شاه مسعود وعبد الرشيد دوستم"، وقال خاشقجي أن المغالطة هنا هي أن دوستم كان طوال حرب المجاهدين ضد الاحتلال السوفياتي يعمل جنرالا مع القوات الغازية، ولم يعد إلى أفغانستان إلا في العام 1992 ، حين تحررت من الجيش السوفياتي.

أما المغالطة الأخرى التي تحدث عنها خاشقجي هي وضع مدن مكان أخرى ومكان بدل آخر وقال "على سبيل المثال هناك لقطة تتحدث عن أن المجاهدين نقلوا أسلحتهم الى مدينة قندهار لتخبئة أسلحتهم في الغابات والجبال هناك، والحقيقة هي أن قندهار مدينة صحراوية منبسطة ولا جبال فيها ولا غابات"، وأضاف أن هناك العشرات من نوع هذه الأخطاء والمغالطات في المعلومات.

وقال المستشار الإعلامي الذي كان أحد المراسلين الصحافيين القلائل الذين نقلوا تغطيات صحافية مثيرة من أرض أفغانستان للعالم ما بين عامي 1987 و1992 "في الحقيقة كنت أتمنى على المركز العربي للخدمات الإعلامية ممثلا بالأستاذ عدنان عوامله ونجله طلال كمنتج منفذ للمسلسل، وكذلك على الأستاذ الروائي والكاتب جمال أبو حمدان وهو كاتب نص المسلسل أن يغتنموا الفرصة والتفكير في إعادة كتابة المسلسل وتصحيح بعض المغالطات، حتى ولو كلفهم الأمر المال والجهد".

وأشار خاشقجي إلى أنه راجع النص بطلب من الجهة المنفذة "لكنني لم أوافق على وضع اسمي كمراجع للنصوص، على أن شبكات انترنتية ذكرت ذلك، وفي الحقيقة فإن رفضي يعود إلى أنني لم أكن مطمئنا، حيث لم يكن لدى جهة تنفيذ الإنتاج الوقت الكافي لإعادة وتصحيح وتنقيح بعض الحلقات بل أن بعض المشاهدة تحتاج إلى إعادة كتابة في شكل كامل".

وقال "وللأسف فلقد صدق حدسي، فالذي رايته من الحلقات الثماني التي بثتها فضائية إم بي سي ثم توقفت بعدها، تضمنت أخطاء كنت نبهت إليها، ومن ضمنها أخطاء سياسية، ولو أنني لا ألوم الكاتب المعروف جمال أبو حمدان، ومن ضمن الأخطاء، التركيز على بعض نظريات المؤامرة مثل مقولة إن المجاهدين كانوا يمولون عملياتهم الجهادية ضد السوفيات من تجارة المخدرات، وفي الحقيقة هذا أمر لا دليل عليه، رغم أن هذه التجارة كانت منتشرة في أفغانستان".

وأشار خاشقجي إلى حقيقة أن"المجاهدين لم يكونوا يحكمون أفغانستان كما انهم لك يكونوا مستعدين لخوض معركة مع شيوخ وزعماء القبائل (الخانات) الذين كانوا هم المستفيدين من زراعة المخدرات والاتجار بها"، وهنا قال الكاتب الصحافي خاشقجي الذي كان رئيسًا لتحرير صحيفة (الوطن) السعودية "فلو عطل المجاهدون الأفغان مصالح شيوخ القبائل لتعطل الجهاد ضد السوفيات كله، خصوصًا وأن القبائل كانت تسيطر على خطوط الإمداد من الحدود الباكستانية، ولكن هذا لا ينفي أن يكون بعض قادة المجاهدين وهم قلة متورطين بزراعة الأفيون". وقال "في الحقيقة إن حشر موضوع المخدرات والاتجار بها يسيء إلى الجهاد الأفغاني".

أما الخطأ الثاني الذي وقع فيه المسلسل، وهو خطأ كبير كما بينه جمال خاشقجي، هو أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) كانت لها اتصالات مع المجاهدين العرب في أفغانستان، وهذا كلام غير صحيح، بل كان هنالك تنافر بين هؤلاء المجاهدين العرب والأميركيين، ويؤكد أن علاقات سي آي إيه كانت مع الأفغان أنفسهم، وأحيانا من عبر باكستان. وكانت هنالك لجنة سعودية أميركية باكستانية مهمتها دعم الجهاد الأفغاني.

وحين سئل خاشقجي، عن رأيه كإعلامي وخبير في الشأن الأفغاني، ما إذا كان التهديد الذي أطلقته جماعة موالية لشبكة القاعدة والطالبان تطلق على نفسها اسم (كتائب المجاهدين في العراق وسورية) لمنتجي المسلسل وممثليه وكل من دعمه وساهم فيه والجهات التي تعرضه، هو السبب في وراء وقف عرضه، قال "في الحقيقة لا أعرف الأسباب الحقيقية، ولكنني أتمنى على الجهات التي تقف وراء المسلسل أن تغتنم الفرصة وإعادة كتابته وإنتاجه في شكل لا يغاير الحقائق ولا يحمل مغالطات.

وأشار إلى إن الحلقات الثماني التي بثت منه ركزت على جماعة دون غيرها من فصائل المجاهدين، وهنا أعني جماعة الطالبان، حيث رؤية المسلسل لم تكن صائبة في هذا الاتجاه، فقادة الطالبان في تلك الأثناء كانوا ممثلين في تنظيمين للمجاهدين هما مجموعة "حزبي إسلامي" بقيادة يونس خالص، وحركة "انقلابي إسلامي"، وكلاهما تمثلان تيار المولوية في صفوف المجاهدين، وكان هؤلاء نواة حركة طالبان التي حكمت أفغانستان في وقت لاحق إلى أن أطيح بها خلال الحرب الأميركية ضد الإرهاب في العام 2001 . ولكن هذا لا يمنع من القول إن التهديدات كانت صحيحة من جانب المتطرفين الموالين لحركة الطالبان وهناك "البعض لا زالوا يرون أفراد الحركة المتطرفة ملائكة".

وفي الأخير، سالت الإعلامي جمال خاشقجي ما إذا كان على استعداد مرة ثانية للتعاون مع جهة الانتاج التنفيذية لمسلسل (الطريق الى كابول لو طلب منه ذلك)، فأجاب "نعم، فعمل كبير مثل هذا مهم للمشاهد العربي الذي يتوق إلى مشاهدة هذا النوع من الأعمال الدرامية التاريخية المهمة.

وكانت تلك المجموعة الإسلامية غير المعروفة حذرت كل من ساهم بإنتاج هذا المسلسل من ممثل او مخرج او مصور" في حال تضمن "غير حقيقة طالبان المشرفة وما طبقوه من الشرع الحنيف ومن دولة الخلافة"، وقالت المجموعة في (البيان رقم 7 ) "سنضرب إن قدر الله لنا ذلك مراكز القنوات الفضائية ومراسليها في العراق وسوريا العارضة لذلك المسلسل"، وتوعدت "بالا يفلت من ايدينا اي واحد منهم ان لم يكن اليوم فبالغد وان لم يكن بالغد فبعد شهر أو بعد سنة".

وتشكل تجربة حركة طالبان جزءا من هذه الرواية الدرامية التي تتناول حقبات من تاريخ افغانستان من الاحتلال السوفيتي إلى هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 في الولايات المتحدة والاجتياح الأميركي للبلاد. إلا أن الشركة المنتجة وكاتب السيناريو يؤكدان أن المسلسل يقدم صورة موضوعية لهذه التجربة.

وكان الكاتب الروائي الأردني جمال أبو حمدان قال إن المسلسل "يتناول الجانب السياسي التاريخي الموثق والجانب الإنساني أي الفاجعة الإنسانية الواقعة على هامش الحرب والاقتتال"، وأضاف الكاتب تعليقا على التهديد "أتناول الوضع الأفغاني بكامله من الاحتلال السوفياتي إلى حرب الفصائل وقيام دولة طالبان وانتهائها بشكل متوازن جدا وبالإيجابيات والسلبيات لكل هذه الفترة".

ويؤكد أبو حمدان، أن "المأساة الافغانية هي نتاج الحرب الباردة والصراع بين المعسكرين السوفيتي والاميركي وخاصة التدخل الاميركي والادانة في المسلسل هي اكثر للدور الاميركي والاصابع الصهيونية الخفية في الموضوع الافغاني".

ولا يتغاضى العمل عن احدى ابرز المظاهر السلبية لتجربة طالبان في ما يتعلق بوضع النساء وفرض ارتداء البرقع عليهن ومنعهن من مزاولة العمل، فالبطلة الرئيسية للقصة طالبة افغانية تدرس في بريطانيا وتقع في غرام شاب عربي الا انها تعود الى افغانستان لتساهم في بناء مجتمعها فتتعرض للضغوط التي تعرضت لها الافغانيات خلال حكم طالبان.

لكن الكاتب يؤكد أن "التركيز الأساسي في الإدانة هو لحرب الفصائل والاقتتال الأفغاني الداخلي الذي استنزف قدرات الشعب الأفغاني". ولا يدين كاتب السيناريو تجربة الأفغان العرب الذين قصدوا أفغانستان تحت عنوان الجهاد. ويقول أن "الصورة التي أقدمها هي أن هؤلاء مجاهدون. لكن بعد خروج السوفيات من أفغانستان اشتبكت الفصائل ولم يعد للمجاهدين العرب دور حقيقي فأحد المجاهدين من جنوب لبنان على سبيل المثال يتساءل عن جدوى وجوده في أفغانستان عوضًا عن مقاومة إسرائيل".

واستعان المسلسل الذي تم تصويره على مدى أربعة اشهر متواصلة في جامعة كامبريدج في بريطانيا حيث درست الشابة الأفغانية والتقت بالشاب العربي وجرت قصة الحب بينهما، إضافة إلى مناطق في الأردن ذات طبيعة مماثلة لأفغانستان، بالتوثيق إضافة إلى تجارب العديد من الأفغان العرب.

وقال أبو حمدان "قرأت يوميات الكثير من المجاهدين العرب وكتبا صدرت عنهم كما قرأت الكثير من الكتب التي صدرت عن الموضوع الأفغاني وكل المعلومات التاريخية موثقة".

ومن جهته، كان مدير الشركة المنتجة عدنان العواملة قال إن "المحطات التلفزيونية التي اشترت المسلسل ستعرضه"، منتقدا "الضبابية في مهاجمة مسلسل لم يبث بعد". ويضيف "ليتركوا الفرصة للناس ليشاهدوا المسلسل ثم يحكمون عليه"، وأوضح أن كلفة إنتاج هذا المسلسل الذي يعتبر من ابرز الإنتاجات التلفزيونية لشهر رمضان، بلغت مليوني دولار بتمويل من تلفزيون قطر.

وتتناول بعض مشاهد المسلسل تجربة النساء تحت حكم طالبان ومنها إعدام نساء أو تعرض بطلة المسلسل للضرب على يد شقيقها لأنها لا تضع الحجاب أو تدمير التماثيل الآثارية في باميان.

ووفي الختام، يؤكد أبو حمدان أن "هناك حالة فوضى أفكار في عالمنا العربي والإسلامي، والأخطر بالنسبة لي من هذا التهديد هو انتشار الظلامية في العالم العربي والإسلامي وحجب الحقائق، فهناك بعض المسلمين يحجبون المفهوم الحقيقي للإسلام بسبب فهمهم الخاطئ للإسلام، وأنا أردت أساسا إبعاد الشبهات عن الإسلام عبر المسلسل لأقول بصريح العبارة إن ما يجري في بلد إسلامي مثل أفغانستان هو مؤامرة دولية".