تمارا الجلبي تتحدث الى الصحافيين
اسامة مهدي من لندن : كشفت مصادر عراقية مطلعة عن نجاح سياسيين ورجال أعمال أردنيين وعرب في إقناع الحكومة الاردنية والسياسي العراقي الدكتور أحمد الجلبي رئيس المؤتمر الوطني بتشكيل لجنة مشتركة تضم محامين وخبراء ماليين يمثلون الطرفين لانهاء النزاع المالي والقضائي بينهما حول بنك البتراء في عمان والمستمر منذ 13 عامًا .

وأضافت المصادر التي كانت تتحدث ل" إيلاف " اليوم أن سياسيين ورجال أعمال على علاقة جيدة بالطرفين على اتصال مستمر معهما حاليًّا من أجل اختيارأعضاء لجنة المحامين والخبراء الماليين في أقرب وقت والبدء بعملها بشكل مباشر لاسقاط الحكم الصادر عام 1992 ضد الجلبي بالسجن 22 عامًا من قبل محكمة أمن الدولة الاردنية بتهمة سرقة بنك البتراء الاردني وإلحاق أضرار بالاقتصاد الاردني مقابل إسقاط الدعوى التي أقامتها الدكتورة تمارا الجلبي إبنة السياسي العراقي في المحاكم الاميركية، ضد الحكومة الاردنية في اب (اغسطس) الماضي مطالبة بملايين الدولارات تعويضًا عن تآمرالحكومة الأردنية مع الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين لقتله وتحطيم أعمال أسرته كما تقول .

وقالت عريضة الدعوى التي اقامتها تمارا الجلبي ضد الاردن والمؤلفة من 53 صفحة والتي قُدمت الى محكمة في واشنطن أنه بدءًا من عام 1989 حاولت الحكومة الأردنية تحطيم بنك بترا كي تردع الجلبي عن فضح تعاملات الأردن غير المشروعة في بيع الأسلحة مع العراق .. كما اتهمت الدعوى البنك المركزي الأردني والمملكة الأردنية بعرقلة العدالة والاحتيال وتدبير مؤامرة لخطف الجلبي وقتله بواسطة المخابرات العراقية.

وقالت تمارا في مؤتمر صحافي في واشنطن لدى إعلان الدعوى "اننا نعتزم إظهار أن صدام وحكومة الأردن كانا يخشيان نجاحنا لدرجة أنهما انقضا على البنك وحطماه ثم ألقيا زورًا باللوم على أبي، بزعم أنه سرق ملايين الدولارات منه." وتطالب عريضة الدعوى بتعويض مالي غير محدد.

وقد تضمنت رسالة تمارا الجلبي النقاط الرئيسية التي سيستخدمها محامو الجلبي ليس فقط للطعن بحكم المحكمة العسكرية الاردنية وانما لادانة الحكومة الاردنية وتغريمها ملايين الدولارات التي يمكن للجلبي بسهولة ان يحصل عليها من خلال تجميد الحسابات الاردنية في البنوك الاميركية ومن المساعدات الاميركية المخصصة للاردن .

واهم ما في دعوى تمارا هو الاشارة الى ان البنك المركزي الاردني راجع التقرير السنوي للبنك واقره قبل ان تقوم دبابات الجيش بمداهمة البنك .. وان البنك المركزي اعتمد بعد ذلك شركة اندرسون الاميركية لتدقيق الحسابات لوضع تقرير حول اعمال البنك وهذه الشركة كانت بطلة فضيحة مالية مدوية في اميركا وبالتالي يسهل الطعن بمصداقيتها .. والاهم من هذا ان مدير البنك المركزي اعترف في لقاء تلفزيوني ان اموالا لصدام دخلت البنك فعلا رغم الحظر الدولي .. اضافة الى ان الحكم على الجلبي صدر غيابيا بعد ان عقدت المحكمة العسكرية الاردنية جلسة واحدة وخلال 24 ساعة فقط .

وقبل اعلان الدعوى بايام نشرت تمارا الجلبي في جريدة " وول ستريت جورنال " الاميركية رسالة مفتوحة الى الرئيس جورج بوش اتهمت فيها الحكومة الاردنية بالتسبب في انهيار بنك البتراء وتمويل مشتريات السلاح لصدام حسين سرًّا من خلال البنك المركزي الاردني ومحاولة تقديم احمد الجلبي ككبش فداء لصدام حسين الامر الذي حعله يهرب الى سورية .. وقالت ان مسؤولا كبيرا في الحكومة الاردنية كان متعاطفًا مع والدها نصحه بالهرب من الاردن لان النية تتجه نحو تسليمه لصدام حسين ..كما ان جهات اميركية نصحت الجلبي ايضًا بالهرب من الاردن .
كما تكشف تمارا الجلبي التي تحمل درجة دكتوراه في التاريخ من جامعة هارفرد وتعمل مع ابيها في بغداد عن ان والدها هرب الى سورية وهذا يتطابق مع ما ورد في كتاب الاميرة بديعة ابنة الملك علي المقيمة في لندن والتي ذكرت ان الجلبي هرب الى دمشق بسيارة تمارا الداغستاني شقيقة تيمور الداغستاني سفير الاردن في بريطانيا والزوج السابق للاميرة بسمة اخت الملك حسين، وان الملك حسين كان يعرف ذلك . والجديد في هذا الامر ان ادعاء احمد الجلبي بأنه هرب من الاردن، ليس لانه سرق البنك وانما لان الحكومة الاردنية كانت بصدد تسليمه لصدام بموجب صفقة مثبت بوثائق .

وكانت محكمة أمن الدولة الأردنية اصدرت عام 1992 حكما غيابيًّا بسجن الجلبي 22 عامًا بتهمة التورط في انهيار بنك البتراء وهي تهمة دأب على نفيها في كل تصريحاته الصحافية والإعلامية متهمًا حكومة الأردن بالتواطؤ مع نظام الحكم السابق في العراق ضد الشعب العراقي ومصالحة الاقتصادية، مؤكدًا ان القضية مالية جنائية ليس لها أساس سياسي وأنها اكتشفت إبان الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالأردن عام 1989 وأن تداعياتها قائمة قبل ذلك بسنوات .

والجلبي الذي أسس المؤتمر الوطني العراقي كجماعة معارضة لصدام والتي جمعت في بادئ الأمر أعداء الرئيس المخلوع كان ذات يوم أبرز المرشحين لقيادة العراق بعد صدام حسين ولكن نفوذه تراجع بعد ان ساءت علاقاته مع واشنطن. مؤخرًا على خلفية اتهامه بعلاقات مخابراتية مع ايران .

وقد فوجئت الحكومة الاردنية برفع الجلبي دعوى قضائية ضدها امام المحكمة الفدرالية الاميركية بخصوص مسؤولية الحكومة وبعض رموزها عن انهيار بنك البتراء في الاردن وعلاقة ذلك بتجارة الاسلحة التي كان يقوم بها الاردن نيابة عن صدام وكان من الواضح ان الجلبي ومن خلال مكتب محاماة شهير وعدد من اهم المحققين المتخصصين في الولايات المتحدة قد اعدوا الاتهام ووثقوه بأشرطة تلفزيونية ومقابلات وصحف ووثائق حصل عليها الجلبي من مقر المخابرات العراقية وهذه الوثائق ستكون محور الدعوى التي اقامها والتي يتحتم على الحكومة الاردنية الرد عليها بعد ان يتم ابلاغ الحكومة عبر سفارتها بواشنطن بمضمون الدعوى عبر الوسائل القانونية خاصة وان بنك البتراء كان له فرع في واشنطن وبالتالي تكتسب الدعوى قانونيتها ولا يمكن الرد عليها اردنيًّا بالقول مثلا انها تتناول شأنًا اردنيًّا ماليًّا داخليا .

وعلى الفورتحركت الحكومة احترازيًّا لمواجهة الدعوى القضائية وقال مصدر مسؤول إن وزير المالية د. محمد ابو حمور ومحافظ البنك المركزي د. امية طوقان وضعا رئيس الوزراء والوزراء بالترتيبات التي ستتخذ استعداداً لمواجهة الدعوى بافتراض ان المحاكم الاميركية قبلت النظر فيها إسقاطاً لعنصر المفاجأة وتحسباً للمخاطر فيما لو لم تأخذ الاحتياطات اللازمة بجدية رغم الثقة بأنها ليست ذات موضوع .

واضاف المصدر ان الترتيبات التي تعتزم الحكومة اعدادها للمواجهة تتركز في جمع الوثائق المتعلقة بالتحقيق والاحكام وتقارير البنك المركزي آنذاك وتقارير بنك البتراء الداخلية ونتائج وخلاصات لجان التدقيق والتحري المالية والجنائية لافتاً الى أن كل هذه الوثائق ستبوب بعد ان تترجم قانونياً الى اللغة الانجليزية وهي خطوة اولى تمهد في المستقبل العاجل الى استشارة محامين متخصصين وتشكيل هيئة من بينهم تتولى القضية في حال لو أخذت مجراها.

واشار المصدر الى ان الحكومة الاردنية تعتبر هذه الدعوى المختلقة حشو من الأكاذيب والاتهامات التي اعلنتها إبنة أحمد الجلبي وحددت ملامح ومرتكزات الاتهامات في الدعوى التي طالت الحكومة الأردنية ممثلة بوزير المالية آنذاك باسل جردانة والبنك المركزي الأردني ومحافظه في ذلك الوقت الدكتور محمد سعيد النابلسي ورئيس الوزراء في حينها مضر بدران ووصفها بأنها سياسية لا تستند الى عناصر تمت بظروف بنك البتراء بصلة ذات مضمون وان الجلبي يريد منها تحقيق مكاسب اعلامية تخلصه من مآزق سياسية وجنائية متتالية.

وتشير مصادر الحكومة الاردنية الى ان قضية بنك البتراء التي تسببت بخسائر قدرها 400 مليون دينار على الاقتصاد الاردني تعود الى اوائل تسعينيات القرن الماضي عندما كشف البنك المركزي الاردني إبان معالجته لتداعيات الأزمة الاقتصادية عام 1989 سلوكيات مشبوهة في البنك من بنيها تسجيل اصول نقدية وهمية في حسابات خارجية مزعومة تبين لاحقاً انها خسائر تقترب من 200 مليون دولار إضافة لاقتراض غير مبرر من البنك المركزي آنذاك بقيمة 40 مليون دينار وهو ما اعتبر في حينه خطأ فنيًّا من جانب البنك المركزي وتهاونًا غير مفهوم على حد قولها .

وصدر قرار قضائي في 9/4/1992 في القضية التي مثل فيها 22 متهمًا عن محكمة أمن الدولة بالحكم على الدكتور احمد الجلبي بالسجن مع الاشغال الشاقة لمدة 22 سنة مع غرامة مالية تعادل قيمة "ما اختلس" والبالغة 266ر27 مليون دولار و 775 الف مارك الماني و 945ر9 ألف جنيه استرليني و 332ر1 مليون دينار بحسب ماجاء في الحكم .

وعبرت المصادر العراقية عن الامل في انجاز اللجنة المشتركة لمهمتها وانهاء النزاع المالي والسياسي بين الحكومة الاردنية والجلبي في اسرع وقت وطي صفحة منازعات فريدة من نوعها في ظروف سياسية واقتصادية معقدة شهدتها الفترة الماضية .