صدرت إشارات واضحة من سورية إلى الولايات المتحدة يوم أمس تحمل توجهات سياستها الجديدة في لبنان، حيث فضلت دمشق عدم التدخل في تظاهرات المعارضة اللبنانية كما تجنبت حكومة عمر كرامي الحليفة لسورية مواجهتها ، وهذا الموقف الجديد لسورية يأتي في إطار توجهاتها السياسية الجديدة تجاه لبنان.

وكانت نفّذت قوى المعارضة اللبنانية من التيار الوطني الحر و القوات اللبنانية والقاعدة الكتائبية وحزب الوطنيين الأحرار تظاهرة حاشدة انطلقت من مختلف الجامعات باتجاه المتحف نقطة التجمع الرئيسية حيث ألقيت كلمات طالبت باستقلال وسيادة لبنان وبتطبيق القرار 1559.

وهكذا تبدو دمشق ، التي رفضت الخضوع للقرار 1559 وتحمّلت النتائج السلبية الناجمة من هذا الرفض ، مستمرة في " سياستها البراغماتية " التي تظهرها وهي تواجه الضغط الأميركي والغربي وفي الوقت نفسه تتبع خطا سياسيا هادئا تكتيكيا يؤجّل تصعيد الخلافات وهذا ما دلت عليه رغبة دمشق في أن تستمر التظاهرات اللبنانية من دون مواجهات مع قوى الأمن قد تجد فيها واشنطن مبررا جديدا للتهجم على سورية واتهامها " بقمع التظاهرات " : سورية لا تزال تسير تحت المطر من دون أن تصيبها حبة مطر واحدة. ويبدو موقف دمشق هذا رسالة غير رسمية للإدارة الأميركية مفادها أن سورية قادرة بأي وقت على اتخاذ خطوات لتفعيل الحوار على الرغم التصريحات المتشددة القادمة يوميا من واشنطن.

وأما الجديد على صعيد التظاهرات اللبنانية فهو مشاركة قوى لبنانية معارضة جديدة في المطالبة بخروج القوات السورية ، وأبرز هذه القوى الجديدة المشاركة اليسار اللبناني الذي انشغل مؤخرا بموضوع الوجود السوري وأيّد الموقف الأميركي في هذا الشأن على الرغم من أن اليسار العربي والعالمي منشغلان بتوجيه النقد للولايات المتحدة في كل مكان.

ويرى مراقبون سوريون أنه بات أمرا عاديا جدا أن لا تصدر سورية موقفا رسميا تجاه ما يحدث داخل لبنان ، وأنها تسعى الىأن تنقل موقفها من خلال أداء و تصرفات الحكومة اللبنانية الحليفة لسورية ودعم هذه الحكومة لكي تبدو مستقلة بكل ممارساتها وقراراتها.

وعن رؤية الباحثين السوريين لما جرى مؤخرا في لبنان ، يقول المحلل السياسي السوري جمال باروت إن " الوضع اللبناني أصبح أكثر من أي وقت مضى بمثابة الخاصرة الأكثر ضعفا في سورية وفي الوقت الذي لا يمكن فيه عزل ما جرى عن تحريضات حزب القرار 1559 والتدخلات السافرة للسفير الأميركي وبعض السفراء الغربيين" ، لافتا إلى أنه " لا يمكن تجاهل العوامل الداخلية اللبنانية السياسية في هذه التظاهرات وهو ما يرتب رؤية واقعية لما يجري بعيدة عن رؤيا المؤامراتية والتخوينية لأن ما يجري اليوم في لبنان للأسف هو استحضار معجم الاستقطاب خلال فترة الحرب الأهلية وفي مقدمته التخوين " . ويرى باروت أن الفرضيات الاستراتيجية السورية وخطط تصورها حول الموضوع اللبناني "يجب ان يعاد النظر فيها في ضوء المصلحة العليا التي تتعلق بلبنان وسورية معا".

وكانت صدرت تصريحات اميركية في اليومين الماضيين تؤكد على تطبيق القرار الدولي 1559 وهذا ما أكد عليه الرئيس جورج بوش بلهجة تبدو أكثر ثقة وقوة بعد أن ضمن بقاءه في البيت الأبيض أربع سنوات أخرى، كما أطلق السفير الأميركي في بيروت والسفراء الغربيون إنذارات للحكومة اللبنانية . وعلى الرغم من ذلك فإن دمشق متمسكة برفضها للقرار 1559 وفي الوقت نفسهترسل رسائل مباشرة أو غير مباشرة من خلال الحكومة اللبنانية الحليفة لها إلى واشنطن بأنها تملك القدرة دائما على الحوار والشروع في خطوات التهدئة والانسجام وتجنب المواجهات في لبنان.