نصر المجالي من لندن: ظهرت في اليومين الأخيرين تساؤلات على مستوى الشارع الأردني الشعبي هذه المرة وليس على مستوى الصالونات السياسية المعتادة، وهي تختص الوفد الذي تشكل لحسم قضية جنائية تتعلق بقتل أحد شيوخ قبيلة الشعلان لزوجته ابنة رئيس مجلس النواب اليمني الشيخ عبد الله الأحمر في العام الماضي، وما وصل إلى خزنة "إيلاف" من معلومات من الشارع الأردني شعبيا وسياسيا، فإن هنالك انقسما في الرأي حول التعاطي مع تلك القضية التي حسب القوانين المرعية في الأردن ممكن أن تقود الفاعل إلى حبل المشنقة مهما كانت صفته أو مركزه في المجتمع حسب قوانين محكمة الجنايات التي أقيمت في السبعينيات لترث القانون العشائري الذي ظل معمولا به لعقود في المملكة الهاشمية من قبل الاستقلال وبعده، وقبل الإصلاحات الديمقراطية.

وانقسم الرأي العام الأردني في اليومين الأخيرين بين مؤيد ورافض لقيام وفد برلماني وشعبي بزيارة إلى اليمن في محاولة لاستجداء الصفح من الشعب اليمين وقيادته السياسية باسم الشعب الأردني عن جريمة ارتكبها مواطن يحمل الجنسية الأردنية تمثلت بقتل زوجته بدم بارد.

وفي التفاصيل، فإن ممدوح الشعلان الذي يحمل الجنسية الأردنية، وهو ينتمي إلى قبيلة كبيرة ذات نفوذ في بادية الشام وجزيرة العرب، قتل في العام الماضي زوجته رابعة التي تخرجت لتوها من الجامعة الأردنية، وهي ابنة أكبر شيوخ وزعماء اليمن وهو الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، رئيس البرلمان اليمني والرجل المعروف سياسيا وقبائليا.

وإذ اتخذت السلطات الأردنية الأمنية والقضائية دورها في الحادث واعتقلت الشيخ ممدوح، ولم تقدمه إلى محكمة الجنايات بعد، حيث مصيره الوحيد هو تنفيذ حكم الإعدام بحقه، إن لم يعف أهل الضحية عنه علانية وأمام الجميع، فغن وفدا أردنيا كبيرا توجه إلى صنعاء في الأسبوع الماضي، في محاولة قبائلية على النمط العشائري المعتاد بين القبائل لاستصدار عفو عن القاتل. فإن التساؤلات ظلت قائمة عن مصير ممدوح الشعلان جنائيا.

وبعض الآراء على الساحة الأردنية، حين رحبت بموقف الرئيس اليمني علي عبد الله صالح والشيخ عبد الله الأحمر بالصفح، فإنها استنكرت ما قيل "أنه صفح عن الشعب الأردني، في قضية لم يرتكبها ضد الشعب اليمني الشقيق، وإنما هي جريمة خاصة يعاقب عليها قانون الجنايات الأردني". وقالت تلك المصادر "الشعب الأردني لم يرتكب الجريمة المنفردة التي استاء لها كل الشعب الأردني، حيث الضحية ابنة رجل كبير يقدره الجميع لتاريخه النضالي ليس في اليمن وحسب بل في الأردن أيضا".

وفي إطار حملة الاستنكار، نفي عدد من أعضاء مجلس النواب الأردني أن يكونوا قد وافقوا أو خولوا آخرين نيابة عنهم بالمشاركة في الوفد الأردني الذي طار إلى صنعاء للاعتذار للشيخ عبد الله الأحمر اثر مقتل ابنته على يد زوجها ممدوح الشعلان، معتبرين أن مقتل الزوجة على يد زوجها قضية قانونية وقضائية كان يجب أن تحل أمام المحاكم الأردنية وليس بـ "الأسلوب المهين والمذل الذي تم من خلال وفد الروابدة الذي لا تعرف الجهة التي أمرت بتشكيله".

وكان الرئيس اليمني علي عبد الله صالح أعلن بوضوح أمام الوفد الزائر (الجاهة الأردنية) إلى مقصد آل الأحمر ، رفضه الصفح عن ممدوح الشعلان قاتل ابنة الشيخ عبدالله الاحمر "ولكنه صفح عن الأردن"، وقال الرئيس اليمني بصراحة "أن ما فعله الشعلان يخصه وحده ولا علاقة للشعب الأردني بهذا الفعل".

وكان رئيس وفد الوساطة، عبد الرؤوف الروابدة، النائب في البرلمان ورئيس الوزراء السابق قدم خلال لقاء في القصر الجمهوري اليمني طلبا بالعفو والصفح تضمن عبارات ثناء باليمن وأهل اليمن والمغدورة واهلها.، ووكان من بين حضور طلب المغفرة باسم الشعب الأردني كل من الشريف شاكر بن زيد ابن عم الملك و مستشار الديوان الملكي والمهندس سعد هايل سرور رئيس مجلس النواب الأردني السابق، فيما ضم الوفد عشرات من رجالات العشائر والوجهاء الأردنيين.

وتحدث الروابدة في دار الرئاسة في صنعاء بحضور الشيخ عبد الله الأحمر زعيم قبائل حاشد ووالد المغدورة الشيخة رابعة ، التي قتلها زوجها بالرصاص وبحضور آل الأحمر والمئات من مشايخ ووجهاء القبائل اليمنية والشخصيات الاجتماعية والبرلمانية وعدد من المسؤولين في الحكومة ومجلسي الوزراء والشورى ومجلس القضاء الأعلى.

وطلب الروابدة "باسم الملك عبدالله والشعب الاردني " الصفح والصلح وقال: "لقد جاءتكم هذه النخبة من رجالات الأردن وشيوخ العشائر بتوجيه كريم من جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين في مسعى خير وإصلاح وانتم الرواد في هذا المجال... جئنا إلى أهل العزوة في اليمن السعيد، منبت العرب الأقحاح ومعدن الأصالة ومنبع الرجولة... جئنا ونحن على ملء يقين من ان مسعانا سيقابل بما هو خير منه وأوسع مدى، فالكرامة من معدنها لا تستغرب... والكرم من أهله لا يستبعد... جئناكم أيها الكرام وهدفنا أن ننهي الخوف الذي نشأ بين آل الأحمر وآل الشعلان نتيجة مقتل صاحبة الصون والعفاف وسيدة الحرائر رابعة ابنة الشيخ عبد الله الأحمر رجل التقوى والإصلاح".

وأضاف الروابدة قوله "لقد كانت المصالحة بين الفريقين عنواناً على الود والمحبة ورباطاً مقدساً، ولكن إرادة الله الغالبة شاءت أن تنتهي هذه العلاقة نهاية مأسوية حزت في نفوسنا جميعاً وفي نفوس كل الشرفاء... فلا حول ولا قوة إلا بالله".

وتابع القول "قدمت هذه الجاهة لديوانكم وهي الأولى من نوعها في بلدنا فهي تمثل كل الأهل بقيادتهم وشيوخهم لأنها قادمة إلى أهل كبار في المبنى والمعنى, قادمة لأهل اليمن عامة وهم الأصل والمنبع, بهم بدأ تاريخ العرب وبهم ابتدأت قيمهم وتقاليدهم... قادمة إلى قبيلة حاشد وهي عنوان الرجولة والأمجاد ماضياً وحاضرا، قادمة إلى آل الأحمر مثال الشهامة ومكارم الأخلاق". "إن الاعتذار لا يجبر كسركم ولا يفيكم حقكم ولا يرفع عتبكم, ولكنه واجب نؤديه ونحن على يقين أن الكبار والعظام في العزوة يفتحون الأبواب الموصدة ويتجاوزون عظائم الأمور ويكبرون على الجراح فيحتسبون عند المولى عز وجل عزيزاً فقدوا وشريفاً افتقدوا... وأملنا وطيد بأن تقبلوا رجاءنا بالصلح وتجاوز الحادث الأليم وكل ما أحاط به من ملابسات".

وتابع الروابدة رجاء الصلح بالقول "فأنتم القدوة في التسامح والقادة في الإصلاح، فنعود إلى أهلنا مكرمين وألسنتنا تلهج بالثناء على كرم الوفاء والإعادة" ان "الشيخ عبد الله الاحمر ومواقفه الشريفة واياديه البيضاء شهادة حق له... لقد كبرت أيها الشيخ على الألم وصبرت على الأذى وسموت على صغائر الأمور وكبارها، وكنت بحق عنواناً للأصالة والكرم, فلك كل ما أنت أهل له من الإعزاز والإكبار ولأهلك وعزوتك ولأهل اليمن كافة منا عرفان موصول... ولكم منا العزاء والاعتذار".

وإليه، لاحظت التقارير أن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، قاطع التحدث باسم الجتهة الأردنية بالقول في شكل حازم "الشعب الأردني لا علاقة له بالأمر من قريب أو من بعيد وان الذي ارتكب فعلته هو ممدوح الشعلان وهو أمر يخصه".

وكلام الرئيس اليمني فسرته المصادر على أنه رفض من قبل اليمن العفو عن القاتل وإعلان جازم بان "الشعب الأردني بريء من هذه الجريمة ولا ناقة له ولا بعير"، وقال الرئيس اليمني الرئيس "مرحباً بكم وهذه ابنتنا هدية للملك عبد الله ولقبائل وعشائر الأردن"، مشيرا إلى أن "ذلك الحادث المؤلم يخص الشعلان وسلوكه ولا يخص عشائر وقبائل الأردن، فمجيئكم خفف من ذلك الألم والروعة اللتين لحقتا بالشيخ عبد الله الأحمر وكل أحبائه وأصدقائه".

وكان لكلمة رئيس الوزراء الأسبق عبد الرؤوف الروابدة، في القصر الجمهوري اليمني وأمام والد الزوجة وبحضور عشرات من شيوخ العشائر في اليمن والتي تسرب مضمونها إلى الصحف ردات فعل سلبية في الأردن لناحية "تذلل الروابدة واستعطافه وتمسحه بوالد الزوجة القتيلة باسم الشعب الأردني وكأن الشعب الأردني هو القاتل وليس ممدوح الشعلان، زوج السيدة القتيلة".

وختاما، عبر عن ذلك صحافي أردني بقوله أن "خطبة الروابدة في مستواها المذل والمهين لو ألقى مثلها صدام حسين أمام حكام الكويت لا عفوا عنه وربما أغدقوا عليه المليارات"، وأضاف : أن الأردن لم يحتل اليمن ولم يغزو صنعاء وبالتالي لا معنى لان يتوجه وفد أردني رسمي على هذا المستوى إلى صنعاء "للتمسح بحذاء الشيخ الأحمر وبالأسلوب المذل الذي تم"، وأضاف الصحافي الأردني القول "أن الأمير شاكر الذي رافق الوفد كان الأولى به أن يتوجه إلى مضارب عشيرة العواملة للاعتذار عن مشاركته في الهجوم على منزل محمود العواملة وقتله لمجرد انه بعث بفاكس إلى رئيس الوزراء الذي كان آنذاك والد الأمير زيد بن شاكر، ويضيف الصحافي القول "أن آل كريشان في محافظة معان الجنوبية والذين انتهكت بيوتهم واعتقل أولادهم وقصفوا بالطائرات كان الأولى أن يكونوا الجهة التي يتجه إليها مثل هذا الوفد للاعتذار".