عبد الرحمن الماجدي موفد " إيلاف" الى دمشق : أصبحت مدينة الزرقاء محجًا لمئات الاردنيين واللاجئين الفلسطينيين في الاردن بحثًا عن أخبار أحمد الخلايلة أو أبي مصعب الزرقاوي الذي سرق الاضواء من أسامة بن لادن بعد أن لبى رغبات بعض العرب والمسلمين في قتل الاخر الذي يصوره الاعلام العربي كمسؤول عن كل المآسي. وتعتبر دمشق وعمان العاصمتين الاكثر تتبعًا وتأثرًا بما يجري في العراق من عمليات عسكرية تحصد المئات.

زارت "إيلاف" مدينة دمشق الاسبوع الماضي وجالت على محلات بيع الاقراص المدمجة التي لايزيد سعر القرص فيها عن دولار واحد فقط ، ولا احد يعرف من صور هذه الاقراص التي تصاحبها أهازيج عراقية .

وتلقي هذه الاقراص رواجًا بسبب انزواء الاقلية الواعية والصامتة خشية على حياتها في حين " يعشق " الشارع الصراخ والعنتريات والمباهات بالانتصارات وان كانت وهمية فقد وجد بائعو الاقراص في شوارع العواصم العربية تجارتهم المربحة في الترويج لاخبار (الجهاد) في العراق .

لا إرهاب

فاجأني مضيفي الفلسطيني وهو باحث في التاريخ ساعة خروجي من المطار بأنه سيسمعني اغنية عراقية رائعة. فلمس باصبعه زر تشغيل آلة الصوت في سيارته الحديثة ليخرج صوت راقص على لحن (الجوبي) يحث العرب للجهاد في بغداد التي نادت فحي على الشهادة وحي على الجهاد! اخجلتني طيبة الرجل عن التعليق على اختياره، فلزمت الصمت لاتحدث عن الاحوال الجوية والفرق بين برد أوربا واسيا. واظنه انتبه فأوقف الاغنية الجهادية.
ذات الاغنية سمعتها في سيارة أجرة فسالت السائق عن رأيه بها فقال انه يعتريه شعور بارتداء احزمة المتفجرات والتوجه للعراق كلما سمعها. ويعد الزرقاوي إما "بطل عربي مسلم قهر الاعداء" حسب مثقفين التقيتهم، او "صناعة اميركية يلبي مايشاء الاميركان" . أما أن يكون ارهابيا ويقتل ويذبح أبرياء بدافع الكره فذاك لامجال لذكره . اما تدمير المنشآت النفطية فتلك "اعمال مباركة من المقاومة العراقية لتقطع على الاعداء سرقة أموال العرب".

صدام مات!

في الميكرو باص جلس بجانبي شاب وجهه مشوه من جانبه الايسر تماما بما في ذلك عينه اخبرني فيما بعد انه جرح في عملية قتالية في فلسطين. سالني عن الوقت في محاولة منه لمعرفة جنسيتي من لهجتي وزاد للتأكد، من أي بلد حضرتك؟ عراقي. نهض مكورا ظهره ليصافحني قائلا اهلا بالابطال! ثم واصل "الرئيس صدام الله يرحمه ويكسبنا برحمته رجل".. قلت له: هو في السجن لم يمت بعد. ابتسم وقال ياسيدي الرئيس صدام الله يرحمه ويكسبنا برحمته مصاب بيده اليسرى وفيها بلاتين والذي ظهر في التلفزيون رفع يديه.. ثم ان زوجته لم تتعرف على الذي شاهدته في التلفزيون.. وهو بطل قاتل بشجاعة واستشهد. قلت له: اذا مات كما تقول فالله لايرحمه. قال: اعرف انه ذبحكم اثناء حكمه لكنه كان "زلمه"(رجل). ثم راح يشتم اميركا والغرب والعرب لانهم لم ينصروه متوقعا النصر قريبا وهزيمة اميركا.

دمعة الفلوجة!

نداء الجهاد في بغداد ظل يلاحقني في اكثر من شارع دمشقي. لاجد جمهرة من المارة حول بائع اقراص قبالةجسر فكتورياوسط موسيقى تصدح باسم الفلوجة والموت والجهاد تنبعث من جهاز تلفزيون مشدودة له الاعناق وعبارة (معركة الفلوجة 28/10/2004) مثبته على الشاشة.

انحشرت بين الجمع لارى معركة شوارع تنتقل فيها الكاميرا من وجوه الجنود الاميركان واحدا واحدا مركزة على جندية بينهم. ثم يعطي قائدهم الاشارة بالمضي وسط مناظر بائسة لابنية مهدمة ووجوه لاتبدو من ملابسها انها عراقية ثم تقفز الكاميرا من عربة الجيب الاميركية بعد ان لمحت شابا وسيما في سيارة صالون يتصل بهاتفه المحمول بطريقة مثيرة لتنضم بعد ذلك الكاميرا ذاتها لملثمين يدفعون باصا معطلا بكامل اسلحتهم يبدو ان ذاك الشاب اتصل بهم يعلمهم بوجود دورية اميركية مكونة من عربة جيب وشاحنة كبيرة خلفها. منذ بداية الفيلم كان المطرب يصدح بموال عروبي وموسيقى باكية (دلي اللول ياضمير العرب دلي اللول.. ظل نايم ياضمير العرب...) مع شتائم لمعظم الرؤوساء العرب والرئيس الاميركي. ثم تعلو الموسيقى راقصة ( .. ربينا بالفلوجة سيف العدل بايدينا نعدل العوجة) مع اعتراض الملثمين للدورية الاميركية التي تتنقل الكاميرا قارئة الخوف في وجوده جنودها. وتبدأ، متناغمة مع الاغنية، معركة كر وفر بين الجنود والملثمين. فساعة تعتلي الكاميرا فوهة الرشاشة وتعود اخرى لسيارة الجيب لترافق زخات الرصاص الاميركي الذي يقتل احد المهاجمين. لتواكب بحركة بطيئة مسيرة صاروخ ار بي جي يستهدف الشاحنة الاميركية. وهكذا يمضي الفيلم الراقص ( أحنا رجال الفلوجة لانكل ولانضوج بدنا زلم تقاتلنا مابدنا علوج) وسط انشداد المارة المتوقفين لينتهي باستسلام الجنود للمجاهدين الذي يغنمون اسلحتهم ويأسرونهم.
اشتريت قرصا لاشاهده بهدوء لاحقا؛ فكان ذلك بداية لهجوم المشاهدين على البائع لشراء ذات النسخة بمبلغ 25 ليرة سورية أي مايعادل نصف دولار!

ثم تبدأ بعد ذلك (معركة الخالدية 18/10/2004) كما مثبت مع الصور. مع نفس الفيديو كليب لاغنية اخرى لنفس المطرب يبدأها بـ( هيج العراقي يصير تأكله الجلاب.. شبيكم ياعرب شبيكم؟ هل صدقتم كلام بوش عن الديمقراطية؟) بموسيقى باكية ايضا ومحرضة لاجل القتال في الفلوجة. بعد انتهاء المعركتين يخرج علينا رجل بشاربين اشقرين يرتدي بدلة مرقطة تقول العبارة التي تظهر معه انه الفنان اسكندر عبيد وان اسم اغنيته او ألبومه (دمعة الفلوجة) أما مكان التسجيل والاستوديو المعد للفيلم فهو تسجيلات صوت 2000 في دير الزور مع ذكر اسم صاحبي الاستوديو. ويواصل المطرب اغنيته التي يجمع كلماتها لاجل ان تغدو القافية متشابهة (الدمعة نزلت من عيني على الفلوجة وقلبي احترق بالقائم صارت لوجة.. وياأهل الموصل انخاكم هيجوا هيجة بوش النذل ماعندو ذرة وجدان...) وقبيل نهاية الاغنية تظهر صور الرئيس السابق صدام حسين محمولة على الاكتاف ومنقولة من تلفزيون النظام السابق.