نصر المجالي من لندن وعامر الحنتولي من عمان: وجد الأردن المنهمك في قضايا التنمية الاقتصادية والسياسية سواء بسواء، نفسه أمام قضية جديدة وهي مطالبة الحكومة العراقية بتسليم الدكتور أحمد الجلبي زعيم المؤتمر الوطني العراقي إليها حيث هو محكوم بالسجن لاثنين وعشرين عاما في بدايات التسعينيات بتهمة اختلاس أموال من بنك البتراء المنهار، وهي تهمة يدحضها الجلبي، ورفعت ابنته تمارا ذات الجنسية الأميركية شكوى قضائية ضد الحكومة الأردنية قبل يومين.

وفي الوقت الذي امتلأت فيه الصحف الأردنية خلال اليومين الماضيين بقصص ومقالات عن الحضور اللامع للفنانة اللبنانية نانسي عجرم لمهرجان جرش، فإن تمارا الجلبي كان لها قسط كبير من تعليقات الكتاب الأردنيين على خلفية الشكوى القضائية ضد حكومة عمان التي يحتمل أن تطالب الحكومة العراقية بتسليمها الدكتور الجلبي لتنفيذ حكم السجن الصادر بحقه من محكمة أمن الدولة الأردنية لاتهامه بسرقة بنك البتراء، وهي تطالبه باسترداد ما لا يقل عن ثلاثمائة مليون دولار تقول السلطات الأردنية أن الجلبي اختلسها من أموال مودعين، لكن الجلبي قال في تصريحات كثيرة أنه بريء من الاتهام الأردني.

إذ الشارع السياسي والإعلامي الأردني منهمك في الكلام عن الفنانة اللبنانية المثيرة نانسي عجرم وإبداعاتها، في مهرجان جرش، حيث شنت الحركة الإسلامية حملة ضدها وضد مستضيفيها من إدارة المهرجان الذي يقام سنويا برعاية ملكية، فإنه أيضا يشهد تعليقات كثيرة من كتاب أردنيين عن تمارا الجلبي وهي بنت الزعيم العراقي احمد الجلبي الذي ساهم كثيرا في إسقاط حكم صدام حسين.

وبالمقابل، فإن كاتبا وسياسيا أردنيا مخضرما، هو فهد الفانك فتح النار على حكومة إياد علاوي الانتقالية، لأنها أغلقت مكتب فضائية (الجزيرة) في بغداد، يذكر أن إياد علاوي حليف استراتيجي للحكومة الهاشمية في عمان، وهي احتضنته سنوات وجوده في المعارضة في الخارج.

وفي المقال التي نشرته صحيفة (الرأي) شبه الرسمية، قال الفانك، الذي يعتبر في كل المعايير واحدا من رجالات الحكم الهاشمي وهو محسوب عليه الآتي: "أثبت النظام القائم في العراق انه لا يختلف عن اسوأ الانظمة العربية في مجال التعامل مع الحريات العامة بالقمع، والبعد عن الديمقراطية بالحكم الشمولي، ومع انه لم تمر اكثر من ستة اسابيع على تشكيل حكومة مؤقتة ذات سيادة منقوصة، حتى اتخذت عدة قرارات لا ديمقراطية.

لقد اعاد النظام عقوبة الاعدام وهي في غياب النظام القضائي المستقل عبارة عن عملية قتل بقرار اداري، واصدر قانون الطوارئ ليمنع التجول ويسمح لنفسه باعتقال المواطنين كما يشاء وبدون ضمانات، وهو يشرف على انهيار متسارع للدولة والامن، وانتشار واسع لشريعة الغاب.

في ظل هذه الاوضاع الشاذة تسيل الدماء، وتهدم المنازل، ويخطف العرب والاجانب، وتتم تصفية المسؤولين والمتعاونين واحدا بعد الاخر، دون ان تستطيع الحكومة المؤقتة واجهزتها ان تفعل شيئا سوى اغلاق مكاتب قناة «الجزيرة» بقصد التعتيم الاعلامي وحجب ما يجري في العراق من جرائم عن انظار العالم.

يأخذون على «الجزيرة» انحيازها ضد الاحتلال الاميركي ولكنهم يقولون بالسنتهم انهم ضد الاحتلال، ويصفون بث صور المخطوفين بانه تحريض، ونشر عدد القتلى على اساس يومي على انه اساءة، فهل سيؤدي اغلاق المحطة الى جعل الاحتلال محببا وايقاف عمليات الخطف والقتل والتفجير؟ اذا صح ان «الجزيرة» منحازة ضد الاحتلال فهذا امر طبيعي، فكل عربي منحاز ضد الاحتلال، ولكنها تحاول جهدها ان تكون متوازنة لدرجة الحرص على بث المؤتمرات الصحفية الاميركية على الهواء مباشرة في حين تهملها شبكة «سي.ان.ان» الاميركية كما تبث «الجزيرة» مؤتمرات وزراء الحكومة المؤقتة، وتنقل جميع وجهات النظر.

قناة «الجزيرة» أحدثت ثورة إعلامية في العالم العربي، ونالت -في الماضي- اعجاب وامتداح اميركا باعتبار انها هزت المياه الراكدة وعممت المعلومة وحررت المشاهد العربي من وسائل الإعلام الحكومية التي لا شغل لها سوى حرق البخور امام شخص واحد وتأليهه.
اميركا انقلبت على «الجزيرة» ليس لأنها منحازة، بل لانها تعرّف الامة العربية بما تفعله امريكا وصنائعها في العراق، ولانها تقدم صورة واقعية لما يحدث في العراق تحت الاحتلال، ولانها تغطي اخبار المقاومة التي لا تستطيع ان تتجاهلها حتى قناة «الحرة» نفسها. (انتهى مقال الفانك).

على صعيد متصل، فإنه يبدو حسب تقرير الزميل عامر الحنتولي من العاصمة الأردنية أن رئيس المؤتمر الوطني العراقي الدكتور أحمد الجلبي في طريقه لأن يفقد كل مكاسبه السياسية والإقتصادية التي جناها بشكل غير مشروع مستغلا طيلة السنوات الماضية معارضته لنظام الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين ، فمذكرة التوقيف الأخيرة التي أصدرها قاض عراقي لإعتقال أحمد الجلبي على خلفية جرائم مالية جاءت لتؤكد وبتوقيت حساس وحاسم للغاية صحة الأحكام والدعاوى القضائية التي أقيمت وأثيرت ضد الجلبي في أكثر من بلد عربي وأوروبي حول تجاوزه وفساده المالي.

فلا تزال مأساة بنك البتراء الأردني الذي أسسه وأداره الجلبي نفسه في عمان قبل نحو عقدين تلقي بظلال قاتمة على الإقتصاد الوطني في الأردن ، حيث أثبتت التحقيقات بأن الجلبي قد قام بتحويل نحو مائتا مليون دينار أردني من أموال المودعين في البنك الى حسابات بنكية في العاصمة السويسرية جنيف قبل هروبه من الأردن بشكل لايزال غامضا حتى اليوم.

الدعاوى القضائية التي يخطط أحمد الجلبي لرفعها ضد الحكومة الأردنية ومسؤولين أردنيين أمام محاكم أميركية يتهمهم فيها بالمسؤولية عن انهيار وإفلاس بنك البتراء جعلت مسؤولين أردنيين على قناعة بأن الجلبي يحاول في كل ورطة ترتيب أوراقه من خلال الزج بإسم الأردن في مشاكله السياسية حيث إنتقدت المتحدث الرسمي بإسم الحكومة الأردنية أسمى خضر بشدة اليوم الدعوى التي اقامها رئيس المؤتمر الوطني العراقي احمد الجلبي في واشنطن على الاردن معتبرة انها تستهدف اخراج الجلبي من المأزق السياسي الذي يتخبط فيه.وقالت المتحدثة في تصريحات نشرتها صحيفة "الرأي" ان الاجراءات القانونية التي باشرها الجلبي في واشنطن "اجراءات سياسية للخروج من مأزق سياسي وقع فيه". واضافت المتحدثة ان "من ينشد العدالة يجب ان تكون يده بيضاء".

"ايلاف" تحدثت الليلة الماضية الى أبرز الإعلاميين الأردنيين لإستجلاء آرائهم في التطورات المثيرة والمتسارعة على قضية أحمد الجلبي وسط معلومات تؤكد وجود إتصالات مكثفة مع الحكومان العراقية والإيرانية لتسهيل مهمتها في تسلم الجلبي وتنفيذ الأحكام القضائية الصادة بحقه من قبل محاكم أردنية.

الكاتب الصحافي سلطان الحطاب أكد لـ"إيلاف" أن الأمة لاتجمع على ضلال في إشارة الى تزايد القرائن التي تدمغ فساد الجلبي داخل العراق وخارجه ، وقال الحطاب الذي يكتب عمودا يوميا في صحيفة "الرأي" الأردنية أن مسألة اثبات التهم والفساد واللصوصية ضد الجلبي لم تعد بحاجة لقرائن وأدلة وشهود ولا لإعادة محاكمات لأن فساد الجلبي بات واضحا حتى لأشد المدافعين عنه.

وقال الإعلامي الأردني أن المجتمع الدولي يتذرع عادة بعدم صلاحية محكمة أمن الدولة العسكرية الأردنية التي أصدرت الأحكام ضد الجلبي لتدعيم مطالبات جلب دولية بحقه، لكن الحطاب قال بأن قضاء بلاده اليوم يجدد له ذات التهم بالفساد والسرقة، ودعا الحطاب حكومته الى الدخول في مفاوضات مباشرة مع الحكومة العراقية المؤقتة صاحبة الولاية على الشأن العراقي حاليا لتقوم بتسليم الجلبي اليها حال عودته الى بلاده من العاصمة الإيرانية طهران، وقال الحطاب أن الحكومات الأردنية المتعاقبة تقوم بتجديد طلب تسلم الجلبي لدى الإنتربول الدولي سنويا.

من جهته قال الكاتب الصحافي المخضرم فهد الفانك الذي يقوم بكتابة مقال يومي في "الرأي" الأردنية منذ أكثر من ثلاثة عقود أن الجلبي (لص) بشهادة أكثر من جهاز مصرفي وقضائي حول العالم ، كاشفا النقاب بأن هناك دعاوى مدنية لدى محاكم أردنية يتولاها محامين أردنيين نيابة عن متضررين أردنيين استولى الجلبي على أموالهم في مشاريع تجارية، وأكد الفانك بأن الجلبي مارس هواية النصب والإحتيال في الأردن ولبنان والسودان وإسبانيا وسويسرا وأخيرا في بلده حيث ادعى أنه من الشرفاء اللذين جاؤوا لإزالة القمع والطغيان عن العراقيين، وأكد الفانك أنه لايتوقع أن تبادر الحكومة العراقية الى إعتقال الجلبي بأي وقت رغم مذكرة التوقيف الصادرة بحقه.

أما ناشر ورئيس تحرير جريدة "الحدث" الإسبوعية الأردنية نضال منصور فقد أكد لـ"إيلاف" بأن الجلبي لايمتلك أي وزن سياسي في الوقت الراهن وأن المطالبة الأردنية بتسلمه ليست واقعا جديدا داعيا الى إبرام صيغة تسوية سياسية مع الجلبي يدفع الأخير بموجبها الأموال التي إختلسها من البنك ، وقال الصحافي منصور أن المهم في الوقت الحالي استرداد الأموال اذا كان اعتقال وحبس الجلبي في سجون أردنية لايقدم ولا يؤخر ,اشار منصور الى مسألة هامة جدا وهي أن المطالبة الأردنية بتسلم الجلبي من خلال الحكومة العراقية هو أمر قد ينجم عنه حساسيات الأردن في غنى عنها تماما، وقال منصور الذي لا يجد حرجا في طرح آرائه مهما خالفت الإندفاع الشعبي أن " هناك أولويات أهم بكثير من المطالبة بالجلبي، وأشار الصحافي الأردني بأن الجلبي أعاق بالماضي علاقات أردنية عراقية صحيحة وأنه سعى لوضع عصاه في دواليبها الا أن الحال العراقي اليوم طبقا لمنصور قد تغير كثيرا مشيرا بأن الجلبي فقد وزنه السياسي وأن على الحكومة الأردنية أن تسعى بكل قوة لدعم حكومة علاوي والإستفادة من إبتعاد الجلبي عن الساحة السياسية العراقية.

رئيس تحرير جريدة "الإتجاه" الإسبوعية واسعة الإنتشار نشأت الحلبي الذي يستعد لأن يكون أصغر رئيس تحرير جريدة يومية في العالم العربي والشرق الأوسط قال لـ"إيلاف" بأن المطالبة بالجلبي حق شرعي للأردن الذي لم يتجنى عليه بعدما أثبتت الوقائع الأخيرة بأنه (محتال بنوك) بدرجة أولى وأنه يمتهن السياسة للتغطية على فساده.
وقال الحلبي أن الجلبي ينظر اليه على المستوى الشعبي أيضا بأنه سارق ومحتال فقد سرق أموال المودعين الأردنيين وزعزع استقرار الجهاز المصرفي في الأردن ، وقال الحلبي بأن الجلبي كان لديه مخططا مريضا لشل الإقتصاد الأردني، مشيرا بأن الجلبي سيكون قريبا في قبضة العدالة الأردنية ليحاسب ويعاقب على كل جرائمه.

وتعد قضية الجلبي الوحيدة في الشارع الأردني التي يتفق إزاءها مع حكومته وضرورة تسليمه للسلطات الأردنية لتنفيذ عقوابات قضائية صدرت بحقه قبل أكثر من عشر سنوات، وكذلك استرداد الأموال التي يقال إنه اختلسها من أموال المودعين الأردنيين في البنك.