القرضاوي يتراجع عن فتوى قتل المدنيين
نبيل شرف الدين من القاهرة: نفى مصدر دبلوماسي في السفارة الأميركية بالقاهرة أنباء تحدثت عن اعتزام السفارة مقاضاة الشيخ القطري، من أصل مصري، يوسف القرضاوي، بسبب ما نسب للقرضاوي من تصريحات أدلى بها في نقابة الصحافيين المصريين أفتى فيها باستباحة قتل المدنيين الأميركيين في العراق، وقال المصدر إن تصريحات القرضاوي ليست أمرًا جديدًا، فقد سبق له أن حرض على قتل المدنيين مرارًا، وأن السفارة لا تنوي مقاضاته، ملمحًا إلى أن هذه الخطوة حال اتخاذها ربما تستغل في صالحه، وأن التعامل مع هذا التحريض بإهمال سيكون أوقع. في غضون ذلك وفي تصريحات جديدة بدت كأنها تراجع عما أدلى به في ندوة نقابة الصحافيين، قال القرضاوي الذي اختتم زيارة إلى السودان، إنه لم يستخدم تعبير (قتل) في ما يتعلق بالمدنيين، بل هو لا يستخدم هذا اللفظ أبدًا، وأنه سئل عن مشروعية المقاومة في العراق، فأجاب بأنها مشروعة وواجبة، وحين سئل عن استهداف المدنيين تساءل هو وهل هناك أميركيون مدنيون في العراق، نافيًا أن يكون قد أفتى أو حرض على استهداف وقتل المدنيين سواء في العراق أو غيرها.
وفي أوساط الصحافيين المصريين ساد غضب بين قطاع كبير منهم، بسبب إصرار أحد أعضاء مجلس النقابة المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين المحظورة، على إقحام النقابة طرفًا في قضايا ليست من صميم اهتمامها ولا تعبر عن رؤية الغالبية الكبرى من أعضائها، كما حدث في استضافة مؤتمر صحافي لمرشد الجماعة المحظورة، أو في استضافة رموز الجماعة ومنهم القرضاوي ليتخذ من مقر النقابة درعًا لإطلاق أدبيات الجماعة، محذرين من أن النقابة ليست "ملاذًا آمنًا" للتنظيمات المحظورة.

دعوة النابلسي
وعلى صعيد متصل لقيت دعوة شاكر النابلسي التي أعلنها في "فقهاء سفك الدماء" (إيلاف 3/8/2004) والذي ترك صدى واسعًا في العالم العربي وفي الغرب والذي طالب فيه أميركا بالقاء القبض على الشيخ القرضاوي ومحاكمته أمام "محكمة الارهاب" الدولية، على الفتوى التي أصدرها قبل أيام وأيده فيها مجموعة من شيوخ الأزهر، والتي تقضي بقتال الأميركيين من جنود ومدنيين ونساء وأطفال وأطباء ومهندسين وخبراء وعاملين جاءوا لمساعدة الشعب العراقي في بناء العراق الجديد.
وعلمت ايلاف أن شاكر النابلسي ومجموعة من المفكرين العرب يعكفون الآن على اعداد البيان (العريضة) لرفعها للأمين العام للأمم المتحدة ومتابعتها في كافة الأوساط العالمية لتقديم يوسف القرضاوي وبعض شيوخ الأزهر الذين آزروه في فتواه وزادوا على هذه الفتوى، لمحكمة دولية عادلة نتيجة للفتاوى التي يصدرونها لتشجيع الارهاب والدعوة اليه. وتعتبر مثل هذه الفتاوى المبرر الشرعي الديني لكل ما يجري في فلسطين والعراق وروسيا ونواحٍ أخرى من العالم من أعمال ارهابية لا علاقة لها بدين الإسلام ولا بمبادئه السمحة.

وكان شاكر النابلسي قد ناشد مجموعات من المفكرين الليبراليين في الوطن العربي وخارجه للاتفاق على كتابة بيان يدين الارهاب والارهابيين في كافة أنحاء العالم، ويرفع للأمم المتحدة ويطالب بتشكيل محكمة لفقهاء الارهاب تحت اشراف الأمم المتحدة وتقديم كل داعية سياسي أو ديني يدعو إلى قتال المدنيين وقتلهم. وقد تلقى شاكر النابلسي مئات الرسائل من قراء مختلف الأطياف السياسية يدعونه للمضي في دعوته وتبني البيان الذي اقترحه.

واقترح الكاتب العراقي د. عبد الخالق حسين في رسالة للنابلسي " كتابة البيان الذي اقترحته وشن حملة في إيلاف والمواقع والصحف الأخرى لجمع توقيعات المثقفين العرب عليه . أو يمكن إيصاله إلى عدد محدد من المثقفين، ومن ثم نرفعه إلى الأمم المتحدة وننشره في كل وسائل الإعلام".

وقال الدكتور رجائي زيدان إن فكرة رفع بيان إلى الأمم المتحدة بشأن موضوع الارهاب واقامة محكمة للارهابيين تحت مظلة الأمم المتحدة وتقديم الشيخ القرضاوي للمحاكمة بتهمة الدعوة الدينية الصريحة لنشر الارهاب وقتال الأبرياء فكرة جديدة بالاحترام والتقدير والدعم.

وفي رسالة من الدكتور حافظ سيف فاضل قال فيها: " يمكنك القيام وإعداد ما اقترحت لحمل وثيقة موقعة الى الامم المتحدة او الادارة الأميركية لمحاكمة فتاوى الارهاب . إنها فكرة جديرة بالاهتمام وسوف تعمل على الحد بشكل كبير من اصدار الفتاوى التي تعج في البلاد العربية بسفك الدم وغيره من الاضطهاد والتمييز على أساس الجنس ضد المرأة تحديدًا. ابدأ بهذه المبادرة وأرسل بالمذكرة وأنا أول الموقعين" .

وهناك المئات من الرسائل ما زالت تنهال على شاكر النابلسي داعية إلى الاستمرار في هذه الحملة من أجل القضاء على الارهاب ولجم فقهاء الارهاب الذين يبيحون دماء الأبرياء من النساء والأطفال والعاملين في المنظمات الإنسانية الخيرية.

من ناحية أخرى فقد أدت فتاوى فقهاء الارهاب إلى تحويل الارهاب الذي شرّعه هؤلاء الفقهاء إلى تجارة رابحة تدر ملايين الدولارات بعد أن أعلن خاطفو الصحافيين الفرنسيين أنهم يطالبون بخمسة ملايين دولار، مقابل الافراج عن الرهينتين. كما طال الارهاب النساء البريئات بعد أعلن ارهابيو فقهاء الارهاب خطف فتاتين ايطاليتين تعملان في منظمة انسانية خيرية. وبعد أن تم قتل المئات من أطفال المدارس في روسيا بواسطة بعض العرب الارهابيين الذين اندفعوا إلى الارهاب بشرعية فقهاء الارهاب المزورة والكاذبة.

لقد تحولت فتاوى بعض شيوخ الدين الإسلامي من "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" إلى الدعوة إلى الارهاب مما يستدعي حملة دولية تقودها الامم المتحدة وتستعمل بها العصا الأميركية الغليظة، للجم شيوخ الدين الإسلامي عن اصدار المزيد من فتاوى الارهاب ونشر فقه الارهاب.


موقف الأزهر
وفي ما وصف شيخ الأزهر الدكتور سيد طنطاوي خطف المعاهد وتعمد قتله أو ذبحه بقطع رأسه، جريمة بشعة، مؤكداً أن الإسلام بريء منها ومن فاعلها وأنها تدل على خسة ونذالة من يقوم بها، فقد أيد عدد من علماء الأزهر العمليات الجارية في العراق ضد الأميركيين من عسكريين ومدنيين باعتبار أن الولايات المتحدة قوة احتلال. فالعميد الأسبق لكلية أصول الدين بجامعة الأزهر الدكتور عبد المعطي بيومي، أكد أن الحكم في الإسلام أنه لا يجوز قتل المدنيين البعيدين عن ميدان القتال والذين لا يشاركون في العمليات العسكرية ولا علاقة لهم باحتلال الأراضي. أما المدنيون الذين يشاركون في العمليات العسكرية سواء بالإمداد بالطعام والشراب أو بتقديم الإسعافات للمحاربين فهؤلاء حكمهم حكم المحارب الذي يعتدي على الأرض والعرض والمال، ومن ثم لا ينهى الإسلام عن قتلهم لأنهم محاربون، ويضيف بيومي أن من ظاهر المحاربين المعتدين على المسلمين حكمه حكم المقاتل المعتدي شريطة أن يتم التثبت تماما من هذه المساعدة بما لا يكون فيه شك، لأن المسلم لا يقتل بالشبهة.

أما الأستاذ بجامعة الأزهر الدكتور صالح زيدان فيؤكد أن من ساعد المحاربين وهو مدني فإنه يدخل في عداد المحاربين والمقاتلين، لأن العبرة ليست باللباس أو الزي أو الصفة وإنما بالفعل الذي يقوم به وهو مساعدة من يقاتل المسلمين.

ويضيف د. زيدان أن من يتعاون مع المحارب الذي يعتدي على أرض المسلمين -كما هو الحال في المدنيين الأميركيين الذين يساعدون العسكريين في العراق فإنه يصبح محاربا بحكم ما يفعل.

وفي ضوء ذلك فإن قتال هؤلاء وقتلهم هو شيء أجازه الإسلام للمسلمين للدفاع عن الأرض والمال والعرض، لأن الإسلام شرع الدفاع عن هذه الحقوق بكل الطرق ومقاومة المعتدي بكل السبل، ويستوي في هذا المدني الذي يقدم المساعدة للمحارب مع المحارب ذاته.

ويرى وكيل وزارة الأوقاف المصرية الأسبق الشيخ منصور الرفاعي عبيد أن المسلمين في العراق في حالة حرب شأنهم في ذلك شأن الفلسطينيين، ومن حقهم الدفاع عن أنفسهم بكل الطرق والوسائل ضد من يغتصب أرضهم وينتهك حرماتهم.

وأوضح أنه قد بدا جليا أن الاحتلال الأميركي يقتل الأبرياء ومعظمهم من النساء والأطفال والشيوخ ويهدم البيوت، وفي هذا إعلان صريح للحرب على المسلمين، ومن ثم وجب على المسلمين الدفاع عن أنفسهم بكل الأساليب. ويستوي في هذا -بحسب رأي الرفاعي- قتال العسكريين والمدنيين الذين يأتون للبلد المسلم المحتل بنية السياحة مثلا ثم تتضح نيتهم السيئة، كما في حالة التجسس على المنشآت والأفراد والبحث عن تعداد الجيش والمهمات حتى وإن كانوا مدنيين.