الانتخابات العراقية.. انتصار للسيستاني غير المرشح فيها

خالد فرحان من النجف (العراق): الشخصية الأكثر تأثيرا على الانتخابات العراقية هي رجل دين زاهد يبدو عليه الوهن ولا يظهر في أماكن عامة وليس حتى مرشحا في الانتخابات. ويظهر وجهه ذو اللحية البيضاء على العديد من ملصقات الدعاية الانتخابية لكن اسمه لا يظهر في اوراق الاقتراع ولن يتولى أي منصب سياسي. ويتنصل اية الله العظمى علي السيستاني المرجع الشيعي الاعلى في العراق من أي دور سياسي مباشر لكن ليس هناك عراقي اخر له نفوذ سياسي يقترب من نفوذه منذ أن أطاح الغزو الذي قادته الولايات المتحدة بصدام حسين.
فعالم الدين ذو العمامة السوداء هو الصوت الاساسي للمعتدلين في العراق بعد الحرب حيث يتطلع الشيعة الى فتاواه التي يصدرها من مقره شبه المعزول في النجف. وتمكن السيستاني الذي ينتمي للمدرسة الشيعية التقليدية التي تتجنب أن تكون لرجال الدين سلطة سياسية من إجبار واشنطن على تغيير خططها بشأن التحول السياسي في العراق مرارا وتكرارا. فقد أصر على اجراء انتخابات مبكرة وهو ما تعتبره الاغلبية الشيعية التي تمثل 60 بالمئة من سكان العراق أفضل سبيل لتغيير الاضطهاد والعزلة عن السلطة اللذين استمرا لعقود. وظل السيستاني بعيدا عن السياسة في عهد صدام لكن بعد سقوط النظام في أبريل نيسان عام 2003 أصبح رجل الدين ايراني المولد شخصية محورية رغم بقائه في مقره في النجف.
والى جانب اصراره على أن تفي ادارة الرئيس الامريكي بوش بتعهداتها بشأن الديمقراطية بإجراء انتخابات مباشرة كان على السيستاني التصدي لتحد داخلي من جانب الزعيم الشيعي مقتدى الصدر الذي كان عازما على مواجهة الامريكيين. واستند الصدر الى مكانة والده الراحل اية الله محمد صادق الصدر خصم صدام الذي اغتيل في استثارة حماس اتباعه من الشبان والفقراء. وأثارت انتفاضتان قامت بهما ميليشيا جيش المهدي التابعة للصدر ضد الامريكيين العام الماضي كبار زعماء الشيعة الذين استشعروا الخطر في رجل الدين الشاب. لكن السيستاني حرص على عدم شجب الصدر بل استغل مكانته وقدرته على الاقناع في نزع فتيل أعمال عنف شهدتها النجف ومزاراتها المقدسة في أغسطس اب الماضي. ودفع القتال بين ميليشيا الصدر من ناحية والقوات الامريكية والقوات العراقية من ناحية أخرى السيستاني للإسراع بالعودة من رحلة علاج أجريت له جراحة خلالها في مستشفى في لندن للتوسط في اتفاق سلام.
وألقى تدخله الحاسم في هذه الازمة التي بدت مستعصية على الحل الضوء على قوة تأثيره. ورحلة السيستاني (73 عاما) للندن كانت الاولى التي يغادر فيها النجف منذ سنوات. ورغم معارضته لأي مواجهة عنيفة مع قوات الاحتلال التي تقودها الولايات المتحدة رفض السيستاني لقاء بول بريمر الحاكم الامريكي السابق للعراق الذي أخطأ في تقدير الحجم الحقيقي لنفوذ السيستاني. واضطر بريمر لتعديل خطط التحول السياسي في العراق بعد أن خرج عشرات الالوف من العراقيين الى الشوارع في أواخر عام 2003 لتأييد دعوة السيستاني لإجراء انتخابات مبكرة.ولجأ بريمر بعد ذلك الى الامم المتحدة التي كان قد أبعدها من قبل لمساعدته في اقناع السيستاني بأن الانتخابات غير ممكنة قبل اعادة السيادة الى العراقيين رسميا في يونيو حزيران عام 2004. وأعطى السيستاني موافقة مشروطة على تعيين الحكومة المؤقتة في يونيو حزيران قائلا انها تفتقر للشرعية الانتخابية لكنها خطوة في الاتجاه الصحيح.