الباحث العراقي عبد الحسين شعبان يتحدث حول عراق اللحظة
النظام السابق ألغى الثقافة الانتخابية

الباحث العراقي شعبان يتحدث الى ريم خليفة
حول الانتخابات العراقية وما قبلها وما بعدها
ريم خليفة من المنامة(البحرين): الحديث عن العراق هو حديث ذو شجون، فما يحدث في عراق اليوم ليس كالذي حدث في عراق الأمس. وما قد ينتج من الانتخابات المنتظرة قد يفرز أوضاع جديدة ترسم شكل السياسة المستقبلية للمنطقة العربية عامة والخليجية خاصة. لن يكون هدف الوجود الأميركي في العراق من أجل إرساء ديمقراطية عادلة ولا من أجل أن ينعم العراقيون بحكومة منصفة لا تقمع حريتهم بل من أجل تنفيذ برنامجها السياسي والاقتصادي لمشروع الشرق الأوسط الكبير بدءًا من محطتها الأولى العراق ومن ثم الى باقي دول المنطقة وذلك بصورة يتلاءم مع اجندتها السياسية ومطامعها المبطنة بستار إرساء الديمقراطية. اليوم هو موعد إجراء الانتخابات العراقية، وهو موعد مع تقرير المصير لشكل العراق الجديد ورغم التهديدات والمحاذير التي أطلقت من جماعات إرهابية وعزوف البعض من التيارات السياسية والدينية بداخل العراق الى مقاطعتها في ظل وجود المحتل الأميركي وتردي الوضع الأمني، فإن الإصرار الأميركي وأنصار الانتخابات من العراقيين في إجرائها يشكل منعطفًا هامًا إذ أن البعض يرى أنها ستشكل حكومة موالية للاحتلال رغم أن الواقع الإقليمي والعربي يعبر نفس هذا التوجه للأنظمة الحالية التي توالي بصورة مختلفة وبعيدة عن الهلاك اليومي الذي يستنزف العراق.

في هذا الحوار الذي ننشره مع يومية "الوسط" البحرينية مع الباحث والحقوقي عبد الحسين شعبان على هامش زيارته الى المنامة في الورشة التي نظمتها الجمعية البحرينية لحقوق الانسان بالتعاون مع المعهد العربي لحقوق الانسان رؤية تميل متشائمة إلى حد ما حول عراق الانتخابات وما بعدها.

وفي ما يلي نص الحوار:

ما هي توقعاتكم بالنسبة للانتخابات في العراق؟
في الواقع ان حدث الانتخابات ذات دلالات وابعاد مهمة...ليس على صعيد اوضاع الحاضر وانما على صعيد اوضاع المستقبل والانتخابات ظلت مطلبًا شعبيًا غائبًا لسنوات طويلة بفعل وجود النظام الاستبدادي الشمولي الذي ابتلع الدولة والمجتمع في آن واحد.

ولهذا فان الحديث عن الانتخابات هو حديث ذو شجون والانتخابات بلا شك خطوة مهمة نحو الديمقراطية ولا يمكن الحديث عن الديمقراطية بدون الحديث عن انتخابات ولكن الانتخابات لوحدها لا تعني الديمقراطية...الديمقراطية مجموعة من الآليات ينبغي ان نأخذوها...الديمقراطية تقوم على مبدأ المساواة وعلى الشفافية والمحاسبة وعلى الحرية والاستقلال اضافة الى فصل السلطات واستقلال القضاة ماتزال متصدع بفعل وجود الاحتلال وبفعل خضوع الدولة العراقية للقوات المتعددة الجنسيات بالادارة الأميركية.

ان هذا الحدث كان يؤمل منه مثل ما تحدث آية الله العظمى السيد علي السيستاني في البدايات عندما حدد اربعة مطالب رئيسية للعراقيين وهي مطالب مهمة ماتزال ذات انعكاسات وتاثيرات خطيرة ليس على صعيد اوضاع الحاضر ولكن على صعيد اوضاع المستقبل.

فعندما طارت اشاعة تردد بأن اليهودي الأميركي نوح فلدمان المعروف موالاته "لاسرائيل" قد كتب نص الدستور فقد اكد السيستاني بان الدستور يكتب من قبل العراقيين اما الانتخابات مطلب واجب ولابد من انهاء الاحتلال...ليكن هناك موعد زمني لتقرير مصيرهم وحدد ان العراق مكون من فئات وتيارات واتجاهات متنوعة ومختلفة فينبغي اخذ مصالحها بعين الاعتبار.

وعدم الاخذ بحكمة السيستاني ورؤيته المتقدمة قد يكون دفع البلاد الى اتجاه ضيق وربما لم يرغب المحتل ان تسير البلاد وفقًا للمسارات التي ارادها ليس السيستاني وحده وانما تيارات عراقية عريضة واسعة. لهذا فانني اقول ان هذه الانتخابات تاتي في وقت ملتبس ومبهم وغير واضح المعالم خصوصًا وان البلاد واقعة فعليًا تحت الاحتلال.

ما رأيك في القانون الانتخابي؟
القانون الانتخابي الحالي حول العراق كله الى منطقة انتخابية واحدة بمعنى انه ضمن الاتجاهات السائدة في القوائم المختلفة سلفا.

ايضًا لم يحدد القانون الانتخابي ممثلين عن المحافظات أي انه لا توجد نسب او كوتا مخصصة لكل محافظة الى جانب ان هناك تعينات لصالح الحكومة الحالية المؤقتة التي عينها المحتل...فالحكومة معينة والمحافظون معينون ومجالس البلدية معينة وحتى اللجنة التي سميت بالمفوضية العليا للانتخابات هي الاخرى معينة. وبالتالي لا يوجد تكافوء بين حزب الحكومة واحزاب الحكومة وبين القوى التي يراد منها ان تخوض العملية الانتخابية ليس الا لتأكيد ان النتائج هي التي ستكون.

وماذا عن مقاطعة بعض التيارات السياسية المختلفة ؟
مقاطعة مجموعة كبيرة من اوساط مختلفة ومتنوعة سيضعف من قيمة الانتخابات والخوف ان تتصدع الرؤية لدى المواطن ازاء الانتخابات المقبلة ايضًا وليس فقط هذه الانتخابات.

النظام الاستبدادي الطويل الامد لم يدع مجال لثقافة انتخابية او لثقافة المجتمع المدني او ثقافة ديمقراطية...ولذلك فان المواطن العراقي حاليًا بحاجة الى مزيد من الحريات ومزيد من الاستقرار ومزيد من الامن اذ كيف يمكن اجراء انتخابات في ظل فوضى امنية وفرقاء متحاربين...فهناك ارهابين من جهة ومتطرفي ومتعصبين ومنغلقين ومقاومة ايضًا وبين حكومة ومن ورائها قوات احتلال.
هذه العملية ادت الى ان يكون العراق غابة من الفوضى والعمليات الارهابية...في ظل هذه الاوضاع دخول العملية الانتخابية قد يكون محفوف بالكثير من المخاطر خصوصًا في مقاطعة اوساط واسعة من الشعب العراقي.

ستاتي هذه الانتخابات جزئية ناقصة مشكوك فيها سلفًا من اطراف غير قليلة اعلنت عنها مثل الحزب الاسلامي في العراق الذي لم يعلن فقط مقاطعته بل مقاطعته للنتائج التي ستتمخض عنها هذه الانتخابات.

والأحزاب اليسارية...ماذا عنها؟
بشكل عام هناك فريقان واحد يؤيد تحت باب ومبررات معتمد على مقولة " لا نشذ بالاجماع " واخر لا يؤيد يمتنع عن المشاركة السياسية تحت مبررات وجود الاحتلال واساليبه في احتياج المدن وانتهاكات حقوق المدنيين كالذي شاهدناه في سجن ابو غريب و وغيرها من المدن والبلدات مثل الفلوجة السامراء الموصل كركوك الرمادي الانبار بعقوبة مناطق الاعظمية مدينة الصدر ومناطق اخرى من العراق كلها دفعت اعداد بالمواطنيين التي استبشرت في البداية بالعهد الجديد دفعتهم الى الياس.

وهذه الانتخابات عندما تجري في ظروف غير سلمية و غيرطبيعية في ظل وجود الاحتلال وفي ظل انفلات امني ستكون نتائجها ربما محسومة سلفًا عند المواطن العادي.

باعتقادك هل ممكن ان تؤدي المقاطعة للانتخابات فرصة للارهابيين وعملياتهم؟
قد يكون جزء منه قريب الى الصواب ولكن دعيني اخذ من بعض المصادر الأميركية التي تقول " كلما اقتربنا من موعد الانتخابات وما بعدها فقد نكون قد اقتربنا من الحرب الاهلية " هذا ما صرح به رئيس هيئة الاركان العسكرية ريتشارد مايرز في وقت سابق للصحافيين الى ما قاله الرئيس الأميركي جورج بوش ورئيس الحكومة العراقية المؤقتة اياد علاوي...كل هذه المعطيات تجعلنا نقول ان دورة العنف والفوضى والخطف الى غير ذلك ستزداد وان الوضع سيتفاقم اكثر مما نحن عليه الان!

إذًا لماذا تجري هذه الانتخابات ان كانت هذه هي الظروف التي يحذر منها حتى الاميركان؟
لقد ذهب وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجرالى القول اذا كانت نتائج الانتخابات ستؤدي الى سيادة اغلبية على مجاميع سكانية اخرى في العراق فمن الافضل ان نقسم العراق...اي ان عملية التقسيم بدات تطرح بمعناه ليس تفكيك العراق بكيانه الموحد شكلًا المفكك ضمنًا ولكن هناك دعوات صريحة بتقسيم العراق ربما تناغمت هذه الدعوات مع بعض التصريحات التي تصدر من هذا الفريق السياسي او ذاك تحت باب الفيدراليات او غيرها حتى لو كان هذا النظام الفيدرالي متقدم فعلينا دراسته في ظل حكومة وانتخابات شرعية وبرلمان يشمل جميع العراقييين.

ولابد ان تك يد المحتل بعيدة عن ذلك ومن هنا تاتي المخاوف الجدية والحقيقة من دورة الارهاب قد تنقل الى الخليج اذ ستكون مستهدفة من بعد العراق وانا لا اتنبأ ذلك ولا عدوى اسرع من عدوى الارهاب.

يتردد كلام من تخوف ظهور حكومة شيعية في العراق ف منفردة في ظل وجود غالبية الانظمة السنية في المنطقة...ما تعلقيك على ذلك؟
اريد ان اقول ان هذه القضية قد اثيرت مع الحاكم المدني الأميركي السابق للعراق بول بريمر اذ مر الأميركان بثلاث مراحل وهي مرحلة الحكم المباشر لجي جارنر ومرحلة المشاركة بين بريمر والجانب العراقي أي اكل الثوم بفم الغير أي يجعل الواجهات عراقية لكنه هو الحاكم الفعلي ثم المرحلة الثالثة هي مرحلة القوات المتعددة الجنسيات لكن بادارة أميركية.

وبريمر عندما اوجد مجلس الحكم العراقي ابتدع قصة المخصصات الطائفية والاثنية فافترض افتراضات بان الشيعة يحق لهم اخذ 13 مقعدًا وان السنة 5 مقاعد والاكراد 5 مقاعد والتركمان والكلدانيين( الاشوريين) مقعدًا واحد...هذه بذرت بذرة الطائفية السياسية ليس فقط على صعيد مجلس الحكم بل بذرتها على صعيد مؤسسات الدولة والمجتمع اذا كانت الطائفية السياسية سابقًا قد عانى منها العراق بسبب قوانيين للجنسية بغاية التخلف الذي يرجع الى العام 1924 الذي يحدد درجتين للمواطنة (ا) و(ب) معتبرًا التابعية العثمانية هي من درجة ( ا) و( ب) غير من التابعية العثمانية مما احدث شرخًا داخل المجتمع العراقي تاثرت به الدولة لغرض السيادة والهيمنة مستخدمة هذه العصا تارة بصورة معلنة وتارة اخرى بصورة سرية انعكست على بعض مؤسسات الدولة مثل وزارة الخارجية ووزارة الوزراء والدفاع وبعض اجهزة الامن العليا.

لكن بريمر واسلوبه تدفع بعض الاطراف الى التمرس وقد زادت عمليات العنف بعد تاسيس مجلس الحكم اذ انطلقت انطلاقة كبرى قبل ذلك لم تشهد العمليات الكبرى وايضًا الاغتيالات والانفجارات... هناك اطياف واسعة بالعراق لا تريد ان تتحول الدولة العراقية الى دولة طائفية ولا تريد تغيير معادلة الدولة بحيث تهيمن فئة على حساب فئة اخرى ( وتتحول فئة من متسيدة الى مهمشة )....خصوصًا ان عملية التغيير تتم من قبل المحتل وبالاكراه ولو كان هناك انتخابات وهذه الفرق حازت على الاغلبية من نتائج الانتخابات فان الوضع سيختلف.

ثم من يمثل الشيعة...! لا يوجد احد! فلا مجلس الحكم ولا المرجعيات الدينية ولا الذين خارج المرجعيات فالشيعة نسيج اجتماعي متصل ومختلط بكل الاطياف السياسية والثقافية والفكرية العراقية الغالبية الساحقة من حزب البعث كانوا من الشيعة بينما الغالبية الساحقة من الحزب الشيوعي ايضًا من الشيعة وكذلك لباقي الحركات الاخرى.

كيف ترى مستقبل العراق؟
لابد لكافة الاطراف ان تقدم تنازلات سياسية من اجل المصلحة الوطنية لحل المشكلات القائمة بروح من التعاون والمشؤولية الوطنية لانه سيسهم في ايجاد حلول سلمية لجميع العراقيين.