هيمنت الانتخابات العراقية التي جرت الاحد على عناوين الصحف البريطانية الرئيسية الصادرة الاثنين الحادي والثلاثين من كانون الثاني/يناير، وحفلت تلك الصحف بتغطيات موسعة يندر ان يوجد لها مثيل في التقاليد الصحافية البريطانية.

ففي الغارديان، التي خصصت صفحتها الاولى بكاملها للشأن العراقي، نطالع عنوانا يقول: الناخبون العراقيون يتحدون المفجرين، وفي صدر الصفحة صورة لعراقي وهو يختم احد صناديق التصويت بقيود بلاستيكية.

وتقول الصحيفة في ابرز ما ورد في تغطيتها إن نسبة المشاركين في تلك الانتخابات يقدر بنحو 57 في المئة من العراقيين المؤهلين لها، وان عددا من مراكز الاقتراع لم تفتح ابوابها في بعض المناطق السنية، كما اوردت سقوط اكثر من اربعين شخصًا ضحية يوم الانتخابات.
اختبار الديموقراطية
أما في مقاله الرئيسي فيقول محرر الغارديان إن ثمار الديموقراطية في انتظار ان يختبر في العراق، لكن هذا لا يعني ان ثمة نتيجة طيبة قد خرجت من هذه الانتخابات، إلا ان ما يجب ان يقال هو انه من غير الواضح ما هي النتيجة النهائية لهذه الممارسة.

ومن العناوين الداخلية في التغطية المفصلة تورد الغارديان عنوانا يقول: لما بعد الانتخابات يبقى الدستور الجديد القضية الحاسمة بالنسبة لهذه الديموقراطية.

وفي التحليل تقول الصحيفة إن القضية الاكبر بالنسبة لجميع المعتدلين تتمثل في ما اذا تم تبني القيم العلمانية او تلك الدينية في الدستور الجديد، وترى انه حتى وإن حصد الشيعة النسبة الاكبر من المقاعد فانهم ربما يعمدون إلى ابقاء علاوي في موقعه رئيسًا للوزراء كنوع من الترضية للأميركيين.

وتقول الصحيفة إن الجماعات الشيعية ليست في مزاج المواجهة مع الأميركيين، ويبقى الموضوع الاهم بالنسبة لهم هو، وهو امر يشتركون فيه مع السنة المعتدلين، ما إذا تمكن السياسيون الدينيون او العلمانيون من تمرير قيمهم وتثبيتها في الدستور العراقي الجديد.

وفي تقرير آخر يكتب مايكل هاورد مراسل الصحيفة من مدينة كويسنجق الكردية تقريرا تحت عنوان: الاكراد يسعون إلى تولي منصب الرئاسة العراقية ضمن صفقة سياسية.

ويقول المراسل إن العراق ربما كان مقبلا على تنصيب اول رئيس جمهورية كردي في تاريخه، في اطار محادثات تجري خلف الكواليس بين قيادات شيعية واخرى حكومية من جهة ومسؤولين اكراد من جهة اخرى.

ويشير المراسل إلى أنه على الرغم من تشديد الاكراد على ان أي تسوية حول هذا الامر لا يمكن ان تتم إلا بعد ظهور نتائج الانتخابات.

ومع اصرارهم على تولي منصب الرئيس او نائب الرئيس، يبدو ان المؤشرات تفيد بأن جلال الطالباني زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني، احد الحزبيين الكرديين الرئيسيين، هو المرشح الاقوى لتولي منصب الرئيس العراقي المقبل، وهو منصب اقل قوة ونفوذا من منصب رئيس الوزراء في التركيبة الجديدة لهرم السلطة في العراق.

وفي الصفحات الاخرى نقرأ عناوين متنوعة منها: رسائل مرتبكة مع خروج السنة لمراكز الاقتراع.. و : الشيعة الصبورون يستعدون لوضع نهاية لقرون من الاقصاء.. و : المصوتون فعلوا ما يقدرون لهزيمة العنف.. و : بوش يحذر الأميركيين بأن الطريق ما زال طويلا لنهاية العنف.. و : قنوات الاخبار العالمية تلعب لعبة الانحياز في الانتخابات العراقية.

أما مراسل الصحيفة في كركوك فيكتب تقريرا تحت عنوان: أم تدلي بصوتها بعد ان دفنت ابنها، حيث يتابع تحركات صبرية شريف محمود التي فقدت ابنها يوسف في انفجار قذيفة هاون قبل ان تذهب للادلاء بصوتها.

لكن الشأن الفلسطيني لم يكن غائبا عن تغطية الغارديان التي خصصت تقريرا مفصلا جاء تحت عنوان: الاسرائيليون يستخدمون الحاجز الامني وقانون عمره 55 عاما لمصادري اراض فلسطينية بهدوء ودون ضجة.

قانون قديم
وتقول الصحيفة إن الحكومة الاسرائيلية قامت، وعلى نحو هادئ، بمصادرة عشرات آلاف الامتار من اراض تعود لفلسطينيين داخل القدس الشرقية وحولها عقب قرار سري اتخذه مجلس الوزراء الاسرائيلي يقضي بتفعيل قانون يعود إلى خمس وخمسين عاما مضت ضد الفلسطينيين تم فصلهم عن حقول بسبب الجدار العازل.

ولم ينس رسام الكاريكاتير في الصحيفة ان يسهم في الموضوع العراقي، فقد خطت ريشته رسما يظهر اصبعا عراقيا مصبوغا بحبر الانتخابات مرفوعا في شكل علامة انتصار وإلى جانبه بوش وبلير وهما يفكران وتظهر فكرتهما في شكل غمامة بيضاء في داخلها يد يمتد منها اصبع مصبوغ يشير بعلامة الخروج وتحتها كلمة: اخرج.

ومن الجارديان إلى الانديبندنت التي خصصت صفحتها الاولى بالكامل لتقرير كاتبها روبرت فيسك تحت عنوان: من وسط المأساة يخرج التحدي، مشفوعا بصورة كبيرة لعين عراقية منقبة والدمعة تترقرق من عينها واصبعها مصبوغ وبيدها علم العراق وفي وسطه جملة: انتخب العراق.

ويقول فيسك إنه على الرغم من هدير الانفجارات المتوالية في بغداد كان الناس يخرجون بالمئات، ثم بالآلاف، عائلات بكاملها، شيوخ معاقون يقودهم ابناؤهم، اطفال في احضان امهاتهم او شقيقاتهم او خالاتهم او عماتهم.

هذا هو مشهد الشيعة في بغداد، يقول فيسك، وهم يتجهون نحو مراكز الاقتراع، وفي منطقة الجادرية اتجهوا نحو مدرسة الشهيد محمد باقر الحكيم، ودون حديث وعبر الشوارع الخالية من السيارات على الرغم من تغير ضغط الجو عليهم بفعل انفجار انتحاري فجر نفسه وسط طابور من المصوتين الشيعة على بعد كيلومترات قليلة، وبفعل القذائف التي كانت تنهمر على مجمع المنطقة الخضراء الذي يضم السفارتين البريطانية والأميركية.

"صداديم" صغيرة
ولم تختلف الانديبندنت عن زميلتها الجارديان في التغطية الشاملة للانتخابات العراقية، حيث نطالع في الصفحات الداخلية تقارير منوعة جاء احدها معنونا بتصريح من عراقي يقول: لا نريد من هذه الانتخابات ان تعطينا "صداديم" صغيرة.
اما التقارير الاخرى منها من جاء بعنوان: المقترعون يصفقون ويرحبون وسط حضور سني اعلى من المتوقع.. و : الشيعة يصطّفون لاقتناص فرصتهم في السلطة لاول مرة منذ مئة عام.. و : الشكوك تمتزج بالفرح مع خروج الاكراد للادلاء باصواتهم.

وفي صفحة اخرى يكتب باتريك كوكبورن مقالا تحت عنوان: نصر الاغلبية الشيعية قد لا يعني نقلا حقيقيا للسلطة لهم، حيث يتساءل قائلا: هل انتخابات الاحد ستعني نقلا حقيقيا للسلطة إلى الشيعة ؟.

وفي هذا يضرب الكاتب مثلا هو تحويل السيادة المفترض في يونيو حزيران الماضي من الأميركيين إلى حكومة عراقية معينة أميركيا برئاسة اياد علاوي، لكن التغيير كان سرابا ووهما وليس حقيقيا، فهذه الحكومة ظلت معتمدة في وجودها على وجود نحو 150 ألف جندي أميركي.

ويشير إلى أن التغطية الاعلامية الواسعة لتلك الانتخابات ربما اسهمت في اغفال حقائق الحياة السياسية في العراقية، فالمجلس الوطني المنتخب سيكون بصلاحيات قليلة، وهو مصمم على نحو لا يسمح لاي جهة او جماعة ان تسيطر على الاخرين.

ويرى الكاتب ان الولايات المتحدة باتت لن تتمكن من تحقيق مشروعها المخطط له مسبقا في العراق عبر اقصاء السنة، والأميركيون اصبحوا غير مرغوب بهم في العراق باستثناء المناطق الكردية، وعدم الترحيب المتزايد هذا ينطبق على الشيعة مثلما ينطبق على السنة.

ويستهدي الكاتب من استطلاع للرأي اظهر ان نحو 82 في المئة من العرب السنة يريدون خروج الأميركيين من بلادهم قريبا جدا، مقابل رغبة مشابهة بين ما يقرب من 69 في المئة من الشيعة، حيث حاول القادة الدينيون الشيعة اقناع جمهورهم بأن اقصر الطرق لاخراج المحتل هو عبر الانتخابات.

ويخلص الكاتب إلى القول إن الحماسة التي طغت على الشيعة في الانتخابات ربما كانت سيفا بحدين، فقد ذهبوا إلى مراكز الاقتراع معتقدين انها السبيل إلى تحول السلطة اليهم، لكن الانتخابات لن تغير شيئا في العراق في المدى القصير.

ويقول إن في العالم كثير من البرلمانات المنتخبة انتخابا صحيحا وبحرية، لكن القوة والسلطة في مكان وموقع آخر، إنها محصورة في الجيش او في قوات الامن، وفي حالة العراق حاليا، تنحصر في ايدي قوات الاحتلال الاجنبية.

وفي صحيفة الديلي تلغراف، التي تشترك مع زميلتها الانديبندنت في نشر صورة المنقبة، نطالع عنوانا رئيسيا في الصفحة الاولى يقول: مقتل جنود كوماندو بريطانيون في سقوط طائرة مع تحد ملايين المقترعين تهديدات الارهابيين.

وخصصت الصحيفة مساحات واسعة في صفحتين داخليتين لتغطية الانتخابات العراقية حملت تقارير ميدانية وصور لنساء ورجال واطفال وخرائط توضيحية، ومنها صورة طريفة لرجل امن عراقي يمرر جهاز الكشف على بدن حمار يجر عربة أتت بشخص معوق ادخل إلى مركز انتخابي.

ويقول المحرر الدبلوماسي في الصحيفة إن الزرقاوي قد يتخلى عن نشاطه في العراق، حيث يرى أن الديموقراطية قد لا تترك عذرا يبرر التمرد، وينقل مقتطفات من رسالة بعثها الزرقاوي إلى قادة القاعدة وتم رصدها قبل نحو عام قال فيها إن المقاتلين قد يجدون انفسهم مضطرين إلى الرحيل بسبب ما وصفه الزرقاوي بـ "الفجوة بيننا وبين اصحاب الارض.. وان البديل هو حزم حقائبنا والرحيل والبحث عن ارض اخرى".