240 ألفًا ينتظرون العودة ويذرفون الدموع
عراقيون لـ"إيلاف": نحب أميركا

عبدالله المغلوث من فلوريدا: استقبلني العراقي علاء مرتضى(36 عامًا) بحرارة. جمله الترحيبية المرتجلة جعلتني أشعر أن لسانه المبلل بالتقدير والأدب ، حملنا انا وزبائن عدة إلى داخل محل الذهب الذي يملكه ويقف أمامه في فورت لودر ديل (شرق فلوريدا) حيث يزدحم بالمجوهرات والوجوه العراقية المبتسمة التي تتوزع في ارجاء المحل كسلسلة ذهبية عيار(24) قيراطا.
عراقيون يعيشون في أميركا، نقلوا بغداد وضواحيها إلى الولايات المتحدة عبر عاداتهم وكرمهم وسلوكياتهم وحتى الكوفيات التي تستريح على رؤوسهم.
علي يعقوب (48عامًا) الذي يضع عقال عراقيا ضخما على رأسه التقيته قبل أمس في الشارع، ودعاني إلى شقته في ميامي بعد أن شاهدني في محل ملابس مجاور لمنزله، اصر أن يستعرض أمامي صوره في العراق قبل سنوات، اتذكر جيدًا عندما شهقت زوجته بجواري عندما رأت صورة زوجها ثم قالت: "شنبك كان كثيفا إلى هذه الى الدرجة، كيف تزوجتك ياعلي؟!"، ابتسمنا على مائدة الطعام التي ذكرتني بزمني الخاص عندما كنت أجلس القرفصاء أمام وجبة عظيمة من تحضير والدتي وحضور اخوتي!

رحلة إلى بابل

عندما استدرجني علاء إلى محل (بابل) الذي يملكه ويديره في شرق فلوريدا، حاصرته بأسئلتي التي تصدى لها وهو يعيد الخواتم والأساور إلى اماكنها وأدراجها الخاصة، مرتضى القادم من العامرية في بغداد منذ 10 سنوات يعيش حياة كريمة في أميركا، متزوج من بورتريكية( جنوب أميركا)، له ولدان: آدم(5)سنوات، أمين(سنتان). يتصل علاء بأسرته في العراق أسبوعيًا، يقول عن بقيته الذين يصلهم عبر الأسلاك الطويلة: "لايمكن ان تتنبأ بحالهم، أحيانًا أمسك فرحهم، وأحيان أخرى أشعر بحزنهم ، الأوضاع متذبذبة، ولكن ستتحسن الأمور، جهنم أميركا ولاجنة صدام". جملته الأخيرة سمعتها 3 مرات، ضربت الجدار وعادت لي ثلاثاً.
علاء الشيعي يصارع حزنا دائما وبكاء اكثر بسبب محاولات اشعال قتنة طائفية في بلده: "أخي متزوج سنية، منذ 1400 سنة والعراق لم يعش أزمة طائفية، نحب بعضنا بعيدا عن ما نعتنقه، أنا متزوج من مسيحية، متفائل بتجاوز الأزمة الحالية والحساسيات التي يشعلها أهل الفتن والأراجيف حتى لوطال الزمن".
يستبعد مرتضى انسحاب اميركيًا وشيكًا من العراق بسبب الوضع الأمني المضطرب: "ربما سيبقى التحالف طويلا، لكن سيتمتع العراق بسيادتها وسنعود من كل اصقاع العالم إلى وطننا، كنا نتوقع ان نرجع في القريب العاجل بيد أن الظروف الراهنة تحول وقرارنا".
لاينكر علاء الذي درس الهندسة الميكانيكية فرحته بزوال نظام صدام، سعادة يعتقد أنها ستتوسع وتكبر مستقبلا...
في زوايا المحل يلمع الذهب و 3 من اقارب مرتضى، يعملون بإخلاص يرتدون اجمل الملابس ويضعون أزكى العطور. علي الذي ينظف زجاج المحل اتى من دبي بعد ان تخرج من الجامعة الأميركية في تخصص يتعلق بالكمبيوتر، (علاوي) كما يحلو للمقربين مناداته، يتمتع بكياسة هائلة، وتقنيات تسويقية مدهشة، تجعل من يدخل (بابل) لايخرج خالي اليدين!

قميص وكوفية

خلال بحثي عن قميص في أحد اسواق ميامي التجارية، التقيت يعقوب، بكوفيته وعقاله العراقي المألوف،اتجهت إليه بسرعة، رحب بي وسرعان ماوجدتني في منزله. عاش علي يعقوب 14 شهراً في مخيمات رفحا للاجئين العراقيين بالسعودية قبل الانتقال إلى أميركا، يحك علي رأسه: "أتذكر الأيام التي امضيتها في رفحا في مخيمات يسكنها مايقارب10954 معارضًا لنظام صدام ، تعلمت من هذه التجربة الكثير، وتعرفت على أصدقاء جدد، ما أتمناه وغيري من العراقيين أن يجف اللجوء في الفترة المقبلة ويضمنا وطننا كما نرجو ونحلم".
لايضع يعقوب سقفا زمنيا لعودته: "لايمكن ان أحدد وقتا لعودتي، لكن سأعود حتما، أحب أميركا، لأنها خلعت نظام صدام الظالم،واستضافتنا، وساعدتنا في تأسيس ديموقراطية ستنعكس على الأجيال المقبلة".
لم يستطع ان يكمل يعقوب حديثه، ارتفع صوت بكاء زوجته التي تذكرت وطنها ووفاة شقيقها قبل شهور اثر انفجار في بغداد.
240 ألف عراقي يعيشون في أميركا، ينتشرون في عدة ولايات من ابرزها تكساس، وكاليفورنيا، ومانيسوتا، وواشنطن، وفلوريدا.
عدد القوات الأميركية في العراق يبلغ نحو 150 ألفًا حاليًا ومن المتوقع ان ينخفض الشهر المقبل إلى 138 ألفًا.
وشهدت العراق في 30 كانون الثاني (يناير)الماضي اول انتخابات منذ 80 عامًا، وكانت المرة الأولى التي جرت فيها انتخابات عام 1924. يقول الدكتور محمد كامل الأمين العام المساعد لاتحاد المؤرخين العرب "في يناير عام 1924 انتخب العراقيون أعضاء المجلس التأسيسي"، الذي وضع أول دستور لدولة العراق الحديثة التي أنشئت عام 1921 بعد الاحتلال البريطاني للعراق وانتهاء الحكم التركي - العثماني فيه. وكانت انتخابات عام 1924 أول انتخابات في تاريخ العراق الذي أصبح نظام الحكم فيه ملكيًا دستوريًا. وكانت تلك الانتخابات تعددية شاركت فيها ثلاثة أحزاب، كما يشير كامل هي "الحزب الحر العراقي برئاسة نجل عبد الرحمن النقيب أول رئيس للحكومة (المؤقتة) في الدولة العراقية، وحزب النهضة العراقية والحزب الوطني العراقي".