تفكيك معدات عسكرية ثقيلة في منطقة شتورة (تصوير وائل اللادقي)
فداء عيتاني من بيروت: الثلج يغطي طريق ضهر البيدر المنطقة الجبلية القاسية على تخوم البقاع وفي أعلى جبل لبنان، وقبلها على مفارق مدينة عاليه في الجبال الموالية للنائب المعارض وليد جنبلاط، وفي مفارق الطرق كانت المواقع السورية على حالها، جنود بثياب عسكرية مرقطة يحملون بنادقهم ويقفون أمام مراكزهم للحراسة، وبعضهم في داخل هذه المواقع يتنزهون، ويتحدثون، بانتظار شيء ما، وحالة الانتظار هي ما دفعهم، اضافة إلى حالة تأهب، إلى خارج خيمهم الرطبة ومواقعهم المبنية عشوائيا، او التي كانت في ما مضى وقبل الحرب منازل للمدنيين اللبنانيين.

يركض جندي سوري محاولا منعنا من التصوير، الا ان حركته البطيئة تمنعه من الوصول بالوقت المناسب، الصحافة ممنوعة مرة اخرى، واوامر هؤلاء الجنود القابعين في البرد الجبلي القاسي تقضي بعدم الظهور في الصور، ويبدو الضابط مرتبكا يقف قرب جنوده في محيط مدينة عاليه، بعض الجنود يفككون اسلاك الهاتف السوفياتي الصنع الذي يصل المراكز المترامية ببعضها والذي يعمل على الشحن اليدوي.

جندي سوري يركض باتجاه مصور ايلاف
حالة الانتظار المترافقة مع الاستنفار، او التأهب للدقة هي أيضًا ما يسود وسط الجنود الذين يفترض ان قيادتهم السياسية في دمشق قد اتخذت قرارها بسحبهم، وهم ينتظرون وصول الاوامر بالانسحاب . في منطقة شتورا هناك حيثما زالت تنتشر شبكة من المدفعية المضادة للطائرات من رشاشات عيار 14.5 على مقربة من الطريق الدولية، كان الضباط يجرون تدريبات لياقة بدنية لجنودهم، ركضًا للبعض وحركات سويدية لاخرين، ومن خلف الاشجار يباغتنا جندي يستطلع ما الذي نفعله هناك، مرة اخرى الحظ من نصيب الاسرع.

حالة التأهب منتشرة بين الجنود، تمتد على طول الطريق من مدينة عاليه التي تشكل منتصف الطريق بين بيروت ودمشق، مرورا بحمانا المنطقة الجبلية التي كساها الثلج باكملها، صعودا إلى منطقة ضهر البيدر، المشرفة على البقاع اللبناني، والتي ما زالت المواقع السورية فيها على حالها، ونزولا إلى مدينة شتورا، التي وقف إلى جانب الحواجز السورية جنود من الجيش اللبناني بملابسهم المرقطة والمميزة عن تلك السورية، والذين راحوا يراقبون الحواجز من على بعد امتار منها وهم يحملون بنادقهم الاميركية الصنع، وعلى

شاحنات سورية في احد المواقع في عاليه
مفارق الطرق بين شتورة وبدلة عنجر، حيث مقر قوات الامن والاستطلاع السورية (المخابرات العسكرية) المركزي، وحيث مقر رئيس هذه القوات في لبنان رستم غزالي الذي طالما هاجمه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، كان يمكن رؤية ناقلات جند للجيش اللبناني على مفارق الطرق، ومجموعات من الجنود اللبنانيين يقفون بتسليحهم الكامل.

ومن مفترق الطرق المؤدي إلى عنجر وصولا إلى منطقة المصنع الحدودية اللبنانية السورية كان يمكن للسيارات ان تعبر بسرعة تفوق مئة كيلومتر بالساعة، الطرق شبه خالية، بعض الجنود السوريين يسيرون باحثين عن وسيلة نقل ليقطعوا بها المسافة الطويلة المؤدية إلى الحاجز الحدودي، ينتظرون وقوف اية سيارة، عربات عسكرية سورية نادرة متفرقة هنا وهناك، تنقل احيانا ثلاثة جنود واحيانا جندي واحد هو السائق.

حاجز امام موقع سوري على مدخل منطقة البقاع اللبنانية
لا انسحاب سوري الليلة، لا انسحاب تم اليوم، فالمواقع على حالها، والاليات العسكرية من مصفحة وشاحنات ما زالت متوقفة داخل المواقع، يمكن بسهولة الشك بان هذه الشاحنات قادرة على الحراك من مكانها، الجنود على حالهم، الفرق الوحيد هو خروجهم من مواقعهم وانتشارهم في الشوارع الفرعية التي تصل المواقع ببعضها، ينظرون بملل إلى المحيط بهم.

هي ذكرى محبطة اخرى لنا كصحافيين، الانسحاب الأخير لم يتم يوم الإعلان الرسمي عنه، حينها كانت المواقع السورية مازالت على حالها في محيط بيروت، وكتبنا عن "لا انسحاب سوري" وفي الليلة التالية انسحبت القوات السورية، ولم نحصل على الصور والخبر الا بالصدفة والمتابعة المضنية.

حاجز للمخابرات السورية قرب منطقة عنجر
يكرر الجيش السوري هذه اللعبة معنا اليوم، الاعلان السياسي عن انسحاب القوات يسبق حركة القوات الفعلية، وللمرة الثانية يتحرك الصحافيون والزملاء المصورون فيحصلوا على صور مليئة بالجنود في مواقعهم بدل صور الشاحنات التي تقل هؤلاء الجنود إلى بلادهم.

لم يبق من معنى للسؤال اليوم حول حجم الانسحاب، ولا عن الطرق التي ستسلكها الشاحنات السورية، فقد اصبحت الطرق معروفة، وحجم الانسحاب سيخضع لروايات الشهود العيان وعدسات الكاميرا التي ستكون محظوظة بتسجيل اللحظة، ومن بعدها سيأتي البيان العسكري الرسمي، الا ان انسحابا لم يجر هذه الليلة من لبنان، اضف إلى ان الضباب لم يحجب القوات السورية وهي تمارس رياضتها صباحًا ومساءً استعدادًا وتأهبًا للرحيل.

جنود سوريون يجرون تدريبات في موقع بالبقاع اللبناني

وجنود يتدربون ايضا في موقع اخر

حركة سير خفيفة قرب النقطة الحدودية الفاصلة بين لبنان وسورية على المصنع

رشاشات سورية مضادة للطائرات في موقع بمنطقة البقاع اللبناني هذا المساء

اليات وناقلة جند في منطقة الجبل

حاجز للشرطة العسكرية السورية في البقاع اللبناني