الآلاف يطوقون وسط بيروت وتحضير للتالي
سلسلة بشرية تطالب بخروج سورية

فداء عيتاني من بيروت: بكامل اناقتهم، مع اجهزة الخليوي (المحمول) شكل عشرات الالاف من اللبنانيين سلسلة بشرية طوقت وسط المدينة بعدة سلاسل وعبر عدة طرق رئيسة، حيث وقف المنظمون يسألون انفسهم "من أي اتى كل هؤلاء المواطنين؟". والكل يطالب سورية بالانسحاب من لبنان وكشف قتلة رفيق الحريري (في الرابع عشر من شباط (فبراير) الحالي)

وقبل ساعة من توقيت انطلاق السلسلة المفترض عند الساعة السادسة بتوقيت بيروت (الرابعة بتوقيت غرينتش) كانت هناك قلة من المنظمين الذين يتابعون اخر التفاصيل اللوجستية مع القوى الامنية، خط سير السلسلة من ضريح رفيق الحريري إلى مكان الانفجار مرورا على مبعدة بضعة شوارع من ساحة البرلمان، ويسأل احد كبار ضباط القوى الامنية "كم العدد الذي ستجمعونه" يتردد ممثل القوى المعارضة للحظة قبل ان يجيب "بحدود ثلاثة الالاف شخص، وان زاد العدد فسنلتف دائريا لنعود ونصل من مكان الجريمة إلى قرب الضريح". ولكن ما حصل كان مختلفا.

دقة في المواعيد

عند 5:45 دقيقة كان الحشد المتجمع قرب ضريح الحريري ليس أكثر من الف وخمسمئة شخص، وقرب الضريح كان هناك بضعة مئات من المواطنين يتلون الصلوات على ضريح الرجل الذي تحول مزارا للبنانيين، وحين بدأ تنظيم السلسلة البشرية عند السادسة كانت الشوارع المحيطة بساحة الشهداء تغص بعشرات القادمين من كل المناطق، ساحة الشهداء التي تتوسط جانبي بيروت (تلك التي تضم اغلبية مسلمة والاخرى المسيحية)، وبدأت التجمعات بالتكاثر مع الدقائق، مما اثار استغراب المنظمين الذين كانوا يتابعون بنظرهم البشر الذين يركنون سياراتهم في المواقف على اطراف الساحة ويترجلون منها ليشاركوا في السلسلة البشرية، وزوجة النائب المعارض رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي تتابع من وسط المنظمين الاتصالات وتحاول تنظيم حشد يكبر باستمرار.

كانت قوى المعارضة قد حضرت لمتابعة الحشد بضعة عشرات من الشبان والشابات، بعضهم مزود بدراجات هوائية واجهزة اتصال للهواة، واكتشفت ان حجم التجمع البشري يفوق تصورها، كان ثمة خمسة الاف شخص مع السادسة وبضع دقائق، واجهزة الاتصال البسيطة لم تسعفهم في تجنب خلل اجهزة الخليوي التي صارت ملازمة للتحركات الحاشدة، والدراجات الهوائية ليست كافية لسرعة التنقل، ولكن وعلى الرغم من ذلك كان الحشد يلتزم بما يطلب منه.

دقة النزول إلى موعد السلسلة ترافقت مع مظاهر اخرى، كان يمكن تخيل ان هذا الحشد يجلس في صالون سياسي كبير، هدوء وتنظيم وترديد للنشيد الوطني، والتجمعات تكبر، ويسير مئات في كتل بشرية تطلب منهم شابة الالتزام بالسير في سلسلة فيتراكمون في سلسلة متشابكة الايدي ولكن تضم مئات من المشاركين، ومع الدقائق يبلغ الحشد رقم عشرة آلاف مشارك، ثم يتجاوز 25 الفا، وبعدها يكبر الحشد ويصبح حشودا ومن سلسلة إلى سلاسل بشرية وتظاهرات صامتة ومنشدة.

الانطلاق من ضريح الحريري

بدأ شبان وشابات، رجال ونساء، بأناقتهم وبعطورهم وزينتهم، يرتدون فوق رقابهم الوان العلم اللبناني (التي اصبحت تشكل الوان المعارضة في لبنان) والعجائز والاطفال الذين لم يبلغ بعضهم العام من العمر، الكل كان هناك يتوافد، ويمسك بايدي الاخرين، يصرخ شاب "امسكي يدي يا مدام"، وتجيب السيدة الخمسينية التي يبدو واضحا من لباسها انتماؤها إلى الطبقة الثرية "تكرم عينك يا مواطن" وتكتمل السلسلة، الاطفال يسألون اهاليهم بالانكليزية "ماذا نفعل هنا؟" ويجيب رجل بالانكليزية طفلته الصغيرة "نريد ان تخرج سورية من لبنان"، تسأله "كيف نقولها بالعربية؟" ويضحك الرجل.

كان يفترض ان تكون السلسلة تشبه مسيرة صامتة تمسك بايدي بعضها وتستمر لدقائق في تطويق المنطقة الممتدة من ساحة الجريمة إلى ساحة الدفن، حيث يعتصم الشبان اللبنانيون كل ليلة، الا انه كان كافيا أيضا ان يصرخ شاب "حرية سيادة استقلال" حتى ينتشر الهتاف في الشوارع مكررا الشعار، ثم يركض احد المنظمين ويطلب الجمع بالتزام الصمت، "مسيرة صامتة" يقول لهم، وعلى جانب الطريق كانت ثمة شموع، حالت سرعة تحرك السلسلة البشرية دون امكان اشعالها كلها.

تأزم سياسي

يقف رجال قوى الامن الداخلي إلى جانبي الطريق، الاوامر واضحة بمساعدة الحشد بما امكن ليمر بسلام في تحركه، يخشى بعض قوى المعارضة من حصول اشكال امني مع القوى الامنية، الا ان هذه القوى كانت سباقة إلى اظهار نواياها، الاسلحة دون مخازن وذخائر، العناصر تقف متباعدة عن بعضها لمسافة عشرة امتار، لا حشود كبيرة للقوى الامنية (كما جرت العادة في التحركات التي تلت مقتل رفيق الحريري)، ما عدا تلك التي تحمي مبنى البرلمان التي شكلت طوقا حول المبنى واغلقت الشوارع المؤدية إليه.

وفي لحظة التأزم السياسي يخشى احد المنظمين من حصول أي خلل، ومع ارتفاع عدد المشاركين يركض بسرعة اكبر لضبط الحشد، ومنعه من اطلاق الشتائم، ثمة من يهدد بتظاهرة مقابلة لتظاهرة المعارضة المزمع تنظيمها يوم الاثنين، وتخشى المعارضة ان يتم منع التظاهرتين بحجة الحؤول دون تصادم بين المتظاهرين، القوى التي دعت لتظاهرة يوم الاثنين هي القوى المعروفة بولائها لسورية في لبنان، واي خلل في تحرك ليلة السبت قد يبرر منع تجمع وتحرك الاثنين، حيث ستقوم الحشود ومن قرب مدفن الحريري بمتابعة مجريات الجلسة النيابية المخصصة لمناقشة مقتل الحريري.

وفي حين هددت القوى المقربة من سورية بـ"كنس" المتظاهرين من قرب ضريح الحريري، فان قوى المعارضة بدأت تتحسب للاجراءات التي ستتخذها السلطة الرسمية في لبنان من اغلاق مداخل بيروت أمام الوافدين اليها من المناطق من صبيحة يوم الاثنين، وهي ستجمع الحشود انطلاقا من يوم الأحد، وستوفر لهم الطعام والشراب واماكن النوم قرب الضريح، امتدادا إلى ساحة الشهداء.

السلسلة البشرية: سلاسل

واجه المنظمون عدة مشكلات في ضبط السلسلة البشرية، كانت كتل بشرية كبيرة تفلت من هنا وهناك، تحول السلسلة إلى تظاهرة، وكان ابناء بيروت الذين لم يعتادوا خلال الاعوام الاخيرة التحرك في الشارع لا يلتزمون في السير بالسلسلة، وكانت الحشود تردد كل الوقت الشعارات السياسية، "هي ويلا سورية طلعي برا"، و"ما بدنا جيش بلبنان الا الجيش اللبناني"، و "حرية سيادة استقلال"، الذين وصلوا إلى ساحة الجريمة ضمن السلسلة، راحوا يتمددون في شوراع غير محمية من القوى الامنية،والتفوا مشكلين جزيرة حول القوى الامنية، ثم عادوا في تظاهرات عدة باتجاه ساحة الشهداء بعد حوالي الساعة من بدء السلسلة، والتفاف السلسلة على نفسها من منطقة اخرى قريبة من ساحة الجريمة وعودتها إلى نقطة انطلاقها.

الا ان الظاهرة اللافتة كانت ارتفاع الروح المعنوية لهؤلاء المتظاهرين، حيث كان الشبان والشابات قد تخلوا عن الخوف والقلق والغضب الذي كان يطبع وجوههم قبل ايام، ليصرخوا حين يمرون قرب عناصر الجيش "انتم جيشنا امسكوا بايدينا"، اضافة إلى تحول الحشد المنوع إلى ما يشبه الاطفال الذين يلعبون في ملاعب مدارسهم، وسط فرح المنظمين بنجاح التحرك.

فرح المنظمين كانت تقابله راحة معنوية لضباط قوى الامن التي شهدت نهاية المسيرة السلمية، يخاطب احد الضباط منظما للمسيرة "انتم رائعون وحضاريون، دعونا نلتزم بالاسلوب نفسه لنهار الاثنين حتى لا تقع مشكلات" ويتعهد المنظم ان يكون يوم الاثنين المقبل أكثر تنظيما مطالبا بحماية من أي تحرك مضاد، ومن أي محاولات لافتعال مشكلات امنية من طرف المؤيدين للسلطة وسورية.