المناطق معزولة عن بيروت والوسط جزيرة أمنية
الجيش اللبناني يتواطأ مع المعتصمين

بهية الحريري تقرأ القرآن على رأس رفيق الحريري (تصوير وائل اللادقي)
فداء عيتاني من بيروت: كان الاتفاق عند ساعات الصباح قد أنجز، وان كان غير معلن، وان كان ربما غير منطوق او مقال او حتى معترف به بين الطرفين، الجيش اللبناني والقوى الامنية من ناحية والمعارضة اللبنانية بشخص الحاضرين والراغبين في الحضور إلى الاعتصام في ساحة الشهداء حيث مرقد رفيق الحريري الذي اغتيل يوم 14 من شباط/ فبراير الحالي. ملخص الاتفاق: السماح بمرور آلاف المعتصمين مقابل عدم التظاهر او التحرك خارج المربع الذي اصبح يعرف باسم ساحة الحرية.

الساعة السادسة صباحا، كان الخيط الأول من الضوء يشق طريقه إلى وسط ساحة الشهداء، المعتصمون لم يناموا طوال الليل، وعلى وقع صراخهم الذي يطالب بانسحاب القوات السورية فورا من لبنان وبجلاء الحقيقة حول عملية اغتيال رفيق الحريري، كانت النائب بهية الحريري تجلس على رأس مثوى أخيها تقرأ في نسخة من القرآن، ولأكثر من ثلث ساعة، وعلى وجه المرأة، التي شاهدها كل اللبنانيين تبكي منذ ايام، كانت علامات الخشوع رغم علو اصوات المحتشدين الذين كانوا يصرخون مطالبين بخروج القوات السورية من لبنان.

ام واطفالها بانتظار بدء الجلسة النيابية
المعتصمون استبقوا الإجراءات الأمنية التي أعلنتها وزراة الداخلية على لسان الوزير سلميان فرنجية مساء امس، والتي كلف بموجبها الجيش بالتنفيذ، قيادة الجيش كانت إلى هذا الحد او ذاك جدية في منع وصول المتظاهرين طوال الليل إلى الوسط التجاري، المنطقة تحولت جزيرة امنية، ساحة البرلمان يستحيل الدخول اليها او الخروج منها، ساحة الشهداء القريبة تضم حوالي خمسة آلاف شاب وشابة ورجل وامرأة، بعضهم اتى في اول الليل مع اطفاله، وقادت زوجة النائب الدرزي المعارض وليد جنبلاط نورا عمليات تنظيم توزيع البطانيات والطعام الذي يتمكنون من ايصاله إلى المنطقة بسيارات النواب، والماء وغيرها، وتدور المرأة مع مرافق يسير خلفها على مسافة امتار عدة، وهاتفها لا يفارق اذنها.

طوال الليل كان المواطنون يتمكنون بهذه الطريقة او تلك من عبور الحواجز

تدافع وتبادل ابتسامات مع الجيش
الامنية، حينا يسمح ضباط الجيش بمرورهم بحجة انهم صحافيون، وحينا يرشدهم ضمنا إلى نقاط ضعف في الطوق حول الساحة المحاصرة، وحينا يترك عشرات منهم يخترقون حاجزه الامني، كانت المسألة تتوضح مع بدايات الصباح: القيادة العسكرية قررت عدم التعرض باي شكل عنفي للمعتصمين والمواطنين القادمين من كل المناطق للمشاركة بالاعتصام ، الهم الا دفاعا عن النفس او بحال حوصرت القوى الأمنية في مناطق حرجة.

مع اشراقة الشمس الأولى كانت الساحة تضم أكثر من سبعة آلاف متظاهر، هو يوم اثنين اخر تحشد فيه المعارضة الآلاف وتعطل الحياة في لبنان وهذه المرة بفضل الهيئات الاقتصادية التي أعلنت الإضراب العام، وبحجة متابعة جلسة المجلس النيابي المخصصة لمناقشة عملية اغتيال رفيق الحريري.

يمنع الجيش اللبناني المواطنين من الوصول إلى العاصمة، ومن كل المناطق

ولحظة صدام نادرة مع الجيش
كانت قد وصلت ليلا وفود شابة، ومع الصباح كانت السيارات توقفت لساعات على الحواجز العسكرية، في الشمال والجنوب والبقاع والجبل وعلى مداخل بيروت من الجنوب، ومن الشرق والشمال، من المناطق المسيحية والإسلامية، كان قرار قيادة الجيش منع اكبر عدد ممكن من الوصول إلى بيروت، او وبالحد الأدنى تأخير وصول المشاركين إلى حد اصابتهم باليأس على الحواجز في الطرق العامة.

سارت عشرة كيلومترات على قدميها ونجحت بعبور الحواجز فجرا
وعلى الرغم من ذلك، كان قرار الجيش عدم التصادم، عند الخامسة والنصف كان يجمع العشرات من المواطنين ويطردهم إلى موقع واحد: مدخل ساحة الشهداء من منطقة الصيفي، وهناك ينتظر الجنود مانعين الحشد من المرور، إلى ان يبادر شبان من داخل الساحة بـ"الهجوم البشري" على حاجز الجيش المكون من عشرات الجنود، فيتنحى الجنود ليسمحوا بمرور العشرات، واحيانا المئات، تحت شعار بسيط الا وهو "صعوبة منع الامواج البشرية من اختراق الحاجز".

هذه اللعبة، كانت تخفي التواطؤ، قيادة الجيش لا تمانع من مرور الحشود، وبذلك تجمع مع تقدم ساعات الصباح الأولى وقبيل بدء الجلسة النيابية حشد يصل إلى خمسين ألفا من المعتصمين، يحملون علما واحدا، الراية الوطنية اللبنانية، ويمر عليهم النواب، فيلقون كلمات سريعة أمام الحشد قبل ان يتوجهوا إلى المجلس النيابي لعقد الجلسة الرسمية. وهم يستمرون في مغازلة قوى الجيش التي تحاصرهم، والتي هي من الافضل تدريبا وتسليحا في الجيش والمنتمية إلى "مغاوير البحر" الحديثة الانشاء في الجيش.

غزل من المعتصمين لجنود مغاوير البحر اللبنانيين
"لا نريد جيشا في لبنان الا الجيش اللبناني" يصرخ الشبان أمام الجنود، الذين يبتسمون، ثم يدفعون الشبان إلى الخلف برفق، "لو سمحتم إلى الخلف"، يقول ضابط، ثم يرفع صوته صارخا "إلى الخلف لا اريد ان ارى احدا هنا" ويستدير وعلى وجهه ابتسامة، ويصرخ المعتصمون ببعضهم "إلى الخلف يا شباب، الجيش يطلب منا التراجع فلنعطيه دمنا"، ويعلو التصفيق، ومن الساحة القريبة من مثوى الحريري كان يمكن رؤية الحشد الذي يتضخم ليصل إلى مئة الف مع الكلمات الاولى للنواب، من اين يأتي هؤلاء ان كان الجيش يحاصر المنطقة وينفذ قرار وزير الداخلية؟

قوى الموالاة

ومن مراكز احزاب القوى الموالية لسورية ان الزميل نبيل جلول من الصباح الباكر يتحرك للحصول على صورة اخرى للتجمعات بعد ان لوحت هذه الاحزاب بـ"كنس" الذين يحتلون ضريح رفيق الحريري، حيث تبين ان هذه القوى دعت اولا إلى التجمع في المراكز عند الساعة الثامنة، ومع تقدم ساعات الصباح لم تجمع هذه القوى انصارها، وعمدت إلى تهدئة الموقف، ورفض التحرك خارج المراكز الحزبية، وفي حين سرت اشاعات عن تحركها، ولدى التدقيق في المعلومات ظهر ان هذه الاحزاب والقوى كانت في حالة من الاسترخاء وبعيدة عن الشارع، وظهرا عند بدء جلسة البرلمان كانت القوى الموالية للسلطة ومراكزها تتفرغ لمتابعة الجلسة البرلمانية فقط لا غير.

سلاح مجهول

ومن ناحية اخرى كان يفترض ان يلتقي نائب وزيرة الخارجية الاميركية دايفيد ساترفيلد مفتي الجمهورية اللبنانية رشيد قباني في مبنى دار الفتوى، الا ان ظهورا مسلحا مفاجئا في محيط الدار ادى إلى انسحاب القوى الامنية منعا لحصول الاسوأ، ونقل مكان الاجتماع إلى منزل المفتي في منطقة قريبة، في حين انتشرت دوريات لقوى من الجيش اللبناني في المنطقة التي ظهر فيها السلاح غير الشرعي.

معتصمتان ترفعان لافتة: ايتها الدمى انتهى العرض

يطلب من الجنود تفتيشه وتركه يمر الى الاعتصام