مسيحيون : الفتاتان أجبرتا على تغيير ديانتهما
أزمة جديدة في مصر بعد اعتناق قبطيتين للإسلام

نبيل شـرف الدين من القاهرة : في الوقت الذي تظاهر فيه الاثنين مئات من المسيحيين (الأقباط) المصريين في إحدى كنائس محافظة الفيوم (جنوب غربي القاهرة)، إثر تواتر أنباء عن اختطاف فتاتين مسيحيتين وإجبارهما على اعتناق الإسلام، نفى مصدر أمني في القاهرة نبأ بثته فضائية (الجزيرة) القطرية، بشأن رفض تسليم هاتين الفتاتين اللتين اعتنقتا الدين الإسلامي إلى أسرتيهما، والتحفظ عليهما في مكان آمن بالقاهرة، موضحاً أنه جرت محاولات جادة لإسداء النصح الديني للفتاتين بالتنسيق مع قيادات دينية كنسية بالفيوم، وفق الإجراءات التي يحددها القانون المصري في مثل هذه الحالات .
ولفت المصدر إلى أن النيابة العامة تتابع مسار كل الإجراءات والتحقيق في ملابسات موقف الفتاتين اللتين لم تكونا قد استوفتا إجراءات شهر إسلامهما، مضيفاً أن أسرتي الفتاتين اصطحبتهما اليوم لمواصلة إسداء النصح، وذلك من الفندق الذي انتقلتا للإقامة به بمدينة الفيوم التي تبعد حوالي 90 كيلومترا عن القاهرة .
وكشف مصدر كنسي عن معلومات مفادها أن الفتاتين ماريان مكرم عياد، وتريزة ابراهيم المتخرجتين في كلية الطب بجامعة القاهرة قد توجهتا بالفعل إلى منزلي أسرتيهما بعد قضاء الليل في حماية الشرطة في مدينة الفيوم، لكن مئات من المسيحيين رفعوا الصليب خلال المظاهرة في كنيسة مار جرجس في الفيوم ليلة الأحد وطالبوا بعودة الفتاتين إلى أسرتيهما قائلين انهما أُرغمتا على اعتناق الإسلام ، وسبق أن أدت أنباء سابقة عن اعتناق زوجة كاهن للإسلام في شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي بمحافظة البحيرة شمال غربي القاهرة، إلى موجة حادة من الاحتقانات والمظاهرات الغاضبة داخل بطريركية الأقباط الأرثوذكس، كما أعلن البابا شنودة الثالث، بطريرك الأقباط، اعتكافه في أحد أديرة وادي النطرون حتى أطلق معظم الموقوفين .

أحداث طائفية
وتأتي هذه الأحداث بعد أقل من ثلاثة شهور على أزمة مماثلة إثر أنباء عن إشهار السيدة وفاء قسطنطين، زوجة القس يوسف عوض إسلامها، وزواجها من زميل لها، حيث تعمل كمهندسة بمديرية الزراعة بالبحيرة، شمال غرب مصر، وهي في عقدها الخامس ولديها ابن مهندس وابنة تدرس بكلية العلوم، وهو الأمر الذي تفاعل على نحو سريع وحاد، إذ احتج عدد كبير من الشباب القبطي على ما وصفوه بتواطؤ الشرطة ضدهم، في واقعة زوجة القس، التي أصّر كثيرون من المعنيين بها، أنها أجبرت أو أغريت حتى تشهر إسلامها، غير أن هذه السيدة عادت وأكدت أنها ولدت وعاشت وستموت على ديانتها المسيحية .
وفي محافظة أسيوط جنوب مصر، قال مصدر في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية إن الأنبا ميخائيل مطران أسيوط، في جنوب مصر، رفض مقابلة محمد عبد المحسن صالح، أمين الحزب الوطني (الحاكم) في المحافظة الكبيرة التي تعد بمثابة عاصمة صعيد مصر، وذلك على خلفية ما أثير من اتهامات للمسؤول الحزبي الذي يشغل منصبه منذ نحو ربع قرن، من تورطه في وقائع غواية قبطيات للزواج من رجال مسلمين، والضلوع في إغراء بعض الأقباط على إشهار إسلامهم .
وهذه ليست هي المرة الأولى التي يتهم فيها الأقباط المسيحيون السلطات المصرية بالتواطؤ ضدهم، إذ سبق لهم أن وجهوا اتهامات مماثلة إبان أحداث قرية الكشح (بمحافظة سوهاج على بعد 500 كم جنوب القاهرة) والتي قتل فيها 20 قبطيا ومسلم واحد في مصادمات طائفية كانت هي الأسوأ من نوعها التي وقعت في العام 2000، وأثارت جدلاً واسعاً وتداعيات شتى داخل مصر وخارجها .
أما في مدينة سمالوط بمحافظة المنيا (250 كم جنوب القاهرة)، فيحاكم عدد من أهالي قرية منقطتين (التابعة لمدينة سمالوط) إثر اتهامهم بالتحريض وإتلاف ممتلكات عدد من الأقباط، على خلفية مصادمات جرت إثر قيام عدد من السكان المسلمين بمهاجمة مجموعة من الأقباط، والقوا عليهم حجارة كما أشعلوا النار في صيدليتين وسيارة مملوكة لأحد الأقباط، احتجاجا على البدء في بناء جمعية خيرية مسيحية، اعتقد بعض الأهالي من المسلمين أنها "ربما تتوسع مستقبلا لتتحول إلى كنيسة"، حسب ذات المصادر .

صمت إعلامي
وبينما تفاعلت هذه الموجة الحادة من الأحداث الطائفية في شمال البلاد وجنوبها في معالجات الصحف ووسائل الإعلام المصرية المختلفة، فقد تجاهلت محطات الإذاعة وقنوات التلفزيون الحكوميين هذه القضايا تماماً، وخلت كافة التغطيات الخبرية تماماً من أي إشارة إلى تلك الأحداث، وهو الموقف ذاته الذي تبنته كافة الصحف الحكومية المعروفة اصطلاحاً في مصر باسم "القومية"، إذ لم تشر أي منها إلى هذا الأنباء إلا عبر تغطيات مقتضبة، وإن علقّ عليها بعض الكتّاب المحسوبين على الحزب الوطني (الحاكم) بعبارات عامة في مقالاتهم، تدعو إلى "وأد الفتنة في مهدها"، والتشكيك بالروايات التي نسبت إلى مصادر قبطية في وسائل الإعلام غير المصرية، سواء الصحف العربية أو المحطات الفضائية أو وكالات الأنباء الأجنبية، وغيرها من وسائل الإعلام التي لا تخضع لهيمنة الحكومة
وتجدر الإشارة إلى أن بناء أماكن العبادة المسيحية مسالة بالغة الصعوبة في مصر، خلافاً للمساجد التي لا يتطلب إنشاؤها إجراءات مماثلة، إذ أن قانونا يعرف باسم "الخط الهمايوني" يرجع إلى عصر الدولة العثمانية يخضع بناء الكنائس لتصاريح خاصة من أرفع مستويات السلطة، ويفرض سلسلة معقدة وطويلة من الإجراءات يجري خلالها استطلاع آراء وتقديرات عدة أجهزة أمنية وحزبية ومحلية وغيرها .
وحسب الأرقام الحكومية فإن عدد الأقباط المسيحيين يبلغ أكثر قليلاً من ستة ملايين، فيما يؤكد الأقباط أنفسهم أن عددهم لا يقل عن عشرة ملايين من أصل 62 مليوناً تعيش أغلبية منهم في محافظات الصعيد مثل المنيا وسوهاج وأسيوط وبني سويف وغيرها .