سمية درويش من غزة: قال د. حسن ميّ النوراني مؤسس حركة العدل والحرية في فلسطين، ان استقالة حكومة عمر كرامي اللبنانية، يكشف عن أنها وجدت نفسها أمام باب موصد، بعد ما تسبب لها اغتيال رفيق الحريري من تحدي هو في الواقع أكبر من طاقتها على مواجهته، خاصة وأن أصابع الاتهام، اتجهت لحليف النظام اللبناني، أعني النظام السوري، وإن كان هذا الاتجاه غير مدعوم بالأدلة، لكنه مدعوم بإرادة دولية تتحرك نحو هدف توجيه ضربة للنظام السوري الحاكم.
وأضاف النوراني في لقاء خاص لـ"إيلاف" ،لقد علمتنا تجربة العراق أن التدخل الأجنبي يبحث عن مناسبة يبرر فيها توجيه ضرباته القاتلة، ودون أن تكون المبررات دقيقة، والجميع لم ينس بعد، أن الدعوى التي سوقتها الولايات المتحدة ومعها بريطانيا الخاصة بامتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، كانت المناسبة التي خلقتها إرادة التدمير الحقيقية في العالم، وهي إرادة العدوانية الأميركية، التي انكشفت الحقائق عن بطلانها، ولم تكتشف أسلحة العراق المزعومة،مشيرا الى ان الإدارة الأميركية تريد أن توجه ضربة للنظام السوري في سياق مخطط فرض الإرادة الإسرائيلية على المنطقة.
اغتيال الحريري
وأوضح بان حادثة اغتيال الحريري وفرت مناخا للتدخل الأميركي السافر ضد النظام السوري، ومن بوابة لبنان، وتلفيق تهمة للنظام السوري بأنه المسؤول عن اغتيال الحريري، وبالتالي، فإنه "يرعى الإرهاب الدولي"، وهكذا يتم حشر النظام السوري في الزاوية، فماذا يمكن أن تصنع حكومة في لبنان تستمد قوتها من نظام يواجه التهمة التي لا يستطيع أحد من الأنظمة الرسمية في العالم كله أن يتعاطف مع من يؤيد الإرهاب..
حق الاحتجاج
وتابع مؤسس حركة العدل والحرية ،نأخذ في الاعتبار التقارب الملحوظ بين النظام الأميركي والأنظمة العالمية الكبرى التي تملك "حق الاحتجاج" على السياسة الأميركية، مثل فرنسا، هذا التقارب سيدفع الضعفاء ثمنه، ستدفع سورية ثمنه، وبالتالي كان على النظام اللبناني الموالي للنظام السوري أن يدفع ثمنه.
وأضاف بان التحرك الشعبي اللبناني المدفوع من المعارضة اللبنانية، استغل المناخ الدولي المناهض للنظام السوري وارتدى قميص "رفيق الحريري" ليناهض بدوره الوجود السوري في لبنان، وبالتالي النظام السوري.
مؤكدا انه لا يستطيع حكيم أو نصف حكيم أو غير حكيم، أن يواجه الطوفان الذي واجه حكومة كرامي، التي لم يكن أمامها غير أن تستقيل، بكرامة، وقبل أن تغرق في طوفان يبدو أنه لا محالة قادم.
المعارضة اللبنانية ضحية
وفي معرض رده على سؤال ،ان كانت المعارضة اللبنانية هي من أطاحت بالحكومة؟ ذكر النوراني ،المعارضة اللبنانية وقعت ضحية استغلالها لتكون الواجهة التي تحركت تحت مسماهما إرادة هزيمة النظام السوري في ساحة لبنان، إرادة أميركا وحلفائها وإرادة إسرائيل أيضا،ولا يجب أن نغفل عن الأخطاء التي ترتكبها الأنظمة العربية ضد شعوبها مما يخلق إرادة رفض جماهيري لها ويفسح المجال أمام القوى الخارجية للتدخل في شؤوننا الداخلية، كما حدث هنا عندنا في مناطق السلطة، عندما أفسحنا المجال للتدخلات الخارجية في شؤوننا بالفساد المالي والإداري، وكما حدث في العراق، عندما كان نظام دكتاتوري يحكم الناس ويمارس العنف ضد شعبه..
الصخرة العنيدة
وحول الوضع على الساحة اللبنانية ،ذكر النوراني ،قد تبدو المعركة محسومة لصالح القوى المعارضة، والنظامان السوري واللبناني الرسميان لن يقامرا بضرب رؤوسهما في الصخرة العنيدة التي تدحرجها أميركا وإسرائيل في اتجاه دمشق، وإذا صح أن تسليم النظام السوري شقيق صدام حسن غير الشقيق للحكومة العراقية، فإن هذا مؤشر على أن حكومة دمشق لن تتعنت في موقفها ضد إرادة الطوفان الزاحف نحوها.
الساحة الفلسطينية
وفي ما يتعلق بتاثيرات الساحة اللبنانية وما تشهده من توترات حاليا على الوضع الفلسطيني، وتأثيره على الساحة السورية ، اكد مؤسس حركة الحرية والعدل ان ما يؤثر على أشقائنا يؤثر علينا بالتأكيد، الموقف السوري الذي لا يزال يقاوم الإرادة الإسرائيلية يشكل دعما لإرادة الرفض الفلسطينية في وجه الأطماع الإسرائيلية ومخططاتها الرامية إلى تركيع الشعب الفلسطيني وتركيع المنطقة العربية كلها لصالح أميركا والغرب وإسرائيل.
وأضاف قد تكون حكومة دمشق لا تقدم الكثير الملموس لإرادة المقاومة الفلسطينية، ولكن مجرد احتضان نظام سورية لقيادات تمثل فصائل المقاومة الفلسطينية، يمثل دعما معنويا للشعب الفلسطيني، وهو دعم معنوي مهم لأنه مستمد من مفهوم قومي لا زالت قيادة دمشق تردد شعاراته.
ننخلع عن أحلامنا
وأكد ان المطلوب أميركيا وإسرائيليا هو أن ننخلع تماما عن أحلامنا وعن شعاراتنا التي ترفض الهيمنة الأميركية والعدوانية الإسرائيلية، إذا انهزمت الفكرة العربية القومية في معقلها الأخير في دمشق، فإن الانفراد بإرادة الرفض الفلسطينية للعدوانية الإسرائيلية وبعدها الأميركية سيكون أسهل.
وأشار إلى ان التأثير سيقع على القضية الفلسطينية من باب اللاجئين المقيمين في لبنان، ولبنان بكل وضوح لا يريد بقاءهم فيه، وأي اتفاقية سلام بين لبنان وإسرائيل ستتضمن حلا لمشكلة اللاجئين، وهذه مشكلة ستضغط على القيادة الفلسطينية في اتجاه وجود حل لها، وقد تكون ورقة تستغلها إسرائيل لابتزاز القيادة الفلسطينية في مفاوضات تصر الأخيرة على الانخراط فيها.
لاجئو لبنان
وأضاف قد تقبل إسرائيل بعودة لاجئي لبنان إلى شريط يقع على حدود قطاع غزة الشرقية، مقابل تنازل المفاوض الفلسطيني عن أراض في الضفة الغربية، وتحت ضغوط مشكلة اللاجئين في لبنان، قد تجد القيادة الفلسطينية نفسها أمام خيار القبول بالابتزاز الإسرائيلي لها، خاصة وأن الموقف الفلسطيني مكشوف الظهر تماما مؤكدا ان القبول بهذا الحل سيؤثر على حق العودة للاجئين، فستكون عودة لاجئي لبنان لأراض تقع تحت سيطرة الكيان العدواني الإسرائيلي، بديلا لتطبيق حق العودة، خاصة وأن القيادة الفلسطينية الرسمية، حتى في عصر الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، أعلنت أنها لا تطالب بتطبيق حق العودة بكيفية تهدد الأمن الديموغرافي الإسرائيلي، هكذا فإن مثل هذا الحل المتوقع، لمشكلة لاجئي لبنان، سيدفع بنا في فلسطين، نحو خيار يلغي خيار العودة كما ينص عليه القرار الدولي 194.
تقسيم العالم العربي
وأوضح النوراني ان تجاوب سورية مع الضغوط عليها سيقابله تنازلات لصالح الإرادة الأميركية والأطماع الإسرائيلية، وهذا يدفع في اتجاه حالة عربية كاملة التجاوب مع المخطط الأميركي للهيمنة على المنطقة، وستنهزم إرادة القومية العربية، وستنتصر إرادة تقسيم العالم العربي إلى دويلات كل منها مشغول بهمومه المحلية، وفي هذا المناخ ستعربد أميركا وإسرائيل.
الإعلام الإسرائيلي
وفي ما يتعلق بالإعلام الإسرائيلي وفرحه باستقالة الحكومة اللبنانية ،قال النوراني ،هذا الترحيب الإعلامي الإسرائيلي يؤكد ان هزيمة النظام اللبناني الموالي للنظام السوري ذات الشعارات القومية يعني إضعاف روح المقاومة العربية عامة والفلسطينية خاصة، ويعني تكريس الانفصال العضوي بين سورية ولبنان، تكريسا جديدا بعد فصل لبنان التعسفي عن سورية الأم بإرادة الاستعمار الذي فصل أيضا كلا من الأردن وفلسطين عن سورية الأم "بلاد الشام"،وهزيمة نظام لبنان الموالي للنظام السوري تعني كسر إرادة المقاومة التي يمثلها حزب الله الذي تغطيه حكومة دمشق وتحالفها مع النظام الإيراني،وهزيمة حزب الله ستنعكس علينا في فلسطين، وستتأثر لدينا قوة إرادة المقاومة ضد العدوانية الإسرائيلية، وسنفقد المثل الذي تحاكيه مقاومتنا، الذي استطاع أن يجبر الجيش الإسرائيلي على الانهزام والانسحاب من جنوب لبنان.
اتفاق سلام
وحول التفاؤل الإسرائيلي من إمكانية توقيع اتفاق سلام مع لبنان، اكد مؤسس حركة العدل والحرية ،عندما تنهزم قيادة دمشق في لبنان، وتنسحب قواتها من لبنان، فسيكون الطريق ممهدا أمام فرض الإرادة الأميركية الإسرائيلية على لبنان.
وتساءل النوراني، وماذا في مقدور قوة لبنان أن تفعل في مواجهة أميركا ومعها إسرائيل؟ ولماذا لا توقع حكومة لبنانية تقوم بعد الانسحاب السوري من لبنان، على اتفاقية سلام مع إسرائيل؟ ألم تفعل ذلك أكبر دولة عربية، ألا يسعى الفلسطينيون للتوصل إلى اتفاقية سلام مع إسرائيل؟ ما هي المسوغات التي يمكن أن يستند اليها نظام لبناني متحرر من تحالفه أو خضوعه لدولة الشعارات القومية؟ أعتقد أن توقيع لبنان ما بعد الانسحاب السوري لاتفاقية سلام مع إسرائيل هو أمر وارد جدا.