خديجة العامودي من الرباط: في هذا الحوار الذي خص به ميشال بارنييه وزير الخارجية الفرنسي صحيفة لوموند الفرنسية يمكن رؤية الشرق الأوسط بقضاياه الراهنة وأحداثه المتسارعة بعيون فرنسية وفق السياسة التي تعتمدها فرنسا في معالجة علاقاتها الخارجية مع الولايات المتحدة الأمريكية وباقي دول المنطقة العربية.

*ألا ترون أن الأحداث الأخيرة في لبنان ساهمت في الترويج للطرح الأمريكي بخصوص دمقرطة منطقة الشرق الأوسط؟
الإرادة الشعبية هي التي تحدث التغيير، هذا ما حدث في أوكرانيا، على اللبنانيين أن يتمسكوا بقناعة راسخة وهي أن هذا التغيير تم بإرادتهم. ومهم جدا هناك، كما في أي بلد آخر، أن تفرض الديمقراطية أو تصدر كقانون لأنها تأتي أولا وأخيرا من الشعوب.
*لنعد إلى التغييرات التي عرفته الأجواء العامة في المنطقة، الثورة في لبنان، تعديل النظام الانتخابي في مصر، الانتخابيات في العراق؟

يمكن أن نضيف إلى جملة هذه التغييرات ما أبان عنه الفلسطينيون خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة من نضج ومن حفاظ على الكرامة، وهذا تم دون أن تفرضه لا بروكسيل ولا واشنطن.

*ألا يعني هذا أن السياسة الأمريكية بدأت تعطي ثمارها؟
لكن هل نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان هو استحقاق لأمريكا وحدها؟ الأوروبيون مخطئون إن هم نسوا أن هذا الصراع من أجل الديمقراطية كان دائما في صلب المشروع الأوروبي، هذا صراع قديم. نحن الأوروبيون كنا وراء إعلان حقوق الإنسان وسياستنا كانت دائما قائمة على سيادة البلدان. بل إن هذا هو جوهر المشروع الأوروبي، لكن الأوروبين يجب أن يعرفوا بشكل أفضل بتصورهم في مجال نشر الديمقراطية. يمكن أن نوافق على أن الديمقراطية شرط أساسي لعالم أكثر استقرارا وأمانا. لكن الأوروبيين يجب أن يضيفوا شرطا آخر وهو أن عالما أكثر أمانا وديمقراطية وحرية يجب أن يكون أيضا عالما منصفا، وذلك بتطوير موارده. والاتحاد الأوروبي لعب دورا كبيرا مع جيرانه.

*لكن هناك انطباع بأن هذا الدور ظل محصورا في أوروبا؟
خلف الحدود الأوربية التي علينا يوما ما تحديدها، يجب أن يقوم موقفنا على المبدأ التالي : لا مجاملة ولا غطرسة، لقد عقدنا العزم على تطوير قضية الديمقراطية، لكننا نريد أن نفعل هذا بالحوار والاستماع للآخر. يجب أن نأخذ بعين الاعتبار الوضعية الداخلية كل بلد. وانظروا ما حدث في أوكرانيا وفي لبنان والتوغو، لكل حالة طرق مختلفة، لكن في جميع هذه البلدان تتقدم الأمور بفضل الشعوب نفسها حتى مع تشجيعنا ومساعدتنا.


*لكن فرنسا وأوروبا وليس فقط هؤلاء كانوا مجاملين في بعض الأحيان لبعض البلدان غير الديمقراطية؟
تريدون رأيي اليوم حول ما نريد فعله نحن الفرنسيون مع باقي الأوروبيين في المستقبل؟ سأجيبكم، بالنسبة لنا لا يجب أن نكون مجاملين ولا متعالين للتقدم بالديمقراطية، وأضفت شرطا آخر لإنجاح هذا الصراع من أجل الديمقراطية والحرية وهو الوقوف ضد الظلم وضد إهانة الشعوب. ولن تتحقق الإصلاحات الديمقراطية في الشرق الأوسط إذا لم يكن هناك سلام وتنمية.

*هل يفهم الأمريكيون هذا التصور؟
مجيئ جورج بوش إلى أوروبا بعيد إعادة انتخايه بيوم واحد له دلالة مهمة. الآن صرنا نتشاور بشكل عادي ومنتظم. والاجتماع الذي عقد بين اللجنة الأوروبية والرئيس الأمريكي ظهر أنه الإطار الطبيعي لحوار رفيع المستوى بين الطرفين. يجب أن نجعل هذه الاجتماعات اعتيادية. كونداليزا رايس قالت هنا في باريس إن الولايات المتحدة الأمريكية تحتاج إلى أوروبا قوية، وأنا أضفت، دون سخرية أو خبث، الأوروبيون أيضا. العالم يكون أفضل حينما يعمل الأوروبيون والأمريكيون سويا، وحينما يكون الانتصار ليس لقوة بعينها بل لمبادئ نشر الديمقراطية والقضاء على الفقر ومكافحة الإرهاب.

*في إيران مثلا هل الأمريكيون مستعدون لدعم السياسة الأوروبية؟
الجميع يهتمون بنجاح إيران، الأمريكيون مثل غيرهم. يجب أن نعطي لإيران فرص النجاح الممكنة. ومن بين هذه الفرص دعم الولايات المتحدة الأمريكية لها، ونحن طلبنا منها أن تدعم إيران كي تحقق شيئين أساسيين وهما انضمام إيران للمنظمة العالمية للتجارة واتفاق تعاون في مجال علم الطيران المدني. وأنا افهم أن التفكير في واشنطن حول الموضوع يمضي قدما.


*ألا تخشون أن يتحول الاتفاق الأخير بين روسيا وإيران حول توريد الوقود النووي إلى أهداف عسكرية؟
يتوقع الاتفاق إعادة الوقود النووي المشع في المفاعل النووي بوشهر إلى روسيا ويهدف إلى منع أي تحويل للموضوع لأغراض عسكرية كما أنه يخول تزويد هذا المفاعل بكل الضمانات الضرورية. وفضلا عن هذا فإن روسيا أظهرت دائما وبوضوح دعمها لأوروبا.


*أليس هذا الدعم أكثر وضوحا من دعم الأمريكيين؟
بلى لأن الأمريكين وإلى وقت قريب كانت تنظر إلينا بنوع من الارتياب. وهذا ما يجعلنا نرى أن زيارة بوش كانت مهمة. الأمريكيون يفكرون الآن في طريقة لمساعدتنا، نحن نريد أن ننجح لكن إذا كان على إيران التخلي عن التزاماتها فلا يجب أن يساورهم الشك في عزمنا على استخلاص كل النتائج من ذلك حتى عبر اللجوء إلى مجلس الأمن.


*كيف ترون الأوضاع في الشرق الأوسط؟
هناك بالتأكيد أجواء جديدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، يجب رؤية الأمور بوضوح والحذر من جو الاغتباط الذي يبدو سائدا. هناك أطراف لا يريدون السلم والذين يريدونه لا يملكون كثيرا من الوقت أمامهم، لكن في الجانبين هناك رجلا سلطة يملكان الشجاعة اللازمة. ارييل شارون رغم المعارضة الكبيرة لحزبه يريد الانسحاب من غزة ومن عدد من المدن ومحمود عباس أبان عن شجاعة كبيرة حينما أعاد تشكيل السلطة الفلسطينية خاصة في المجال الأمني. ومن بين مفاتيح السلام دعم السلطة الفلسطينية لمتابعة الإصلاحات. وهذا هو موضوع الاجتماع الذي عقد أمس الثلاثاء ومن المهم تحديد موعد آخر لاجتماع جميع الأطراف في الدورة الثانية ل2005 في شكل ندوة دولية. السلام في الشرق الأوسط يحظى بالأولوية. وقد أسعدني أن اسمع هذا على لسان الرئيس الأمريكي نفسه في بروكسيل.


*ما مدى ما يمكن أن تقدمه فرنسا لمساعدة السلطة الجديدة في العراق؟
لعبنا دورا فاعلا في إصدار القرار 1546 ودورا بناء في قضية ديون العراق. استقبلنا بباريس 14 حزبا سياسيا عراقيا وأبدينا استعدادنا لتكوين أكثر من 1500 من رجال الدرك والأمن و200 من رجال القضاء.
العراق يبدو جليا بعد اعتداء الحلة الذي خلف 118 قتيلا و147 جريحا أنها لم تتجاوز بعد محنتها. انتخابات 30 تشرين الثاني التي تمنينا بصدق أن تكون ناجحة شكلت خطوة أولى، الآن ورغم الصعوبات، على السلطة الجديدة العراقية أن تعبر المراحل المقبلة بدعم من شعبها، بدءا بإعداد دستور يحافظ على مكانة جميع الفصائل وخصوصا السنيون، ووضع برنامج زمني محدد للعمل تدريجيا على إعادة حق تقرير المصير للعراقيين.


*كيف ستكون الحملة التي تعتزمون إطلاقها حول استفتاء الدستور الأوروبي؟
سنتكلم عن هذا الدستور وسنعرف به، وسنشرح لماذا هو ضروري كي يعمل هذا الاتحاد الموسع بشكل ناجع ويتحول من مجرد منطقة للتبادل الحر إلى شيء آخر بفضل سياسة اجتماعية طموحة.