نبيل شرف الدين من القاهرة: إتسعت الابتسامة المعهودة التي تلازم وجه البابا شنودة الثالث بطريرك الكنيسة القبطية "المصرية"، حين سئل عن اعتزام رجل الأعمال القبطي المقيم في سويسرا، عدلي أبادير يوسف، ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية، بعد إقرار التعديل الدستوري على المادة 76 الذي سيتيح خوض الانتخابات الرئاسية بين أكثر من مرشح بالاقتراح السري المباشر، بدلاً من نظام الاستفتاء الذي دشنته حركة الضباط عام 1952، واستبعد البابا شنودة تماماً فوز مرشح قبطي بهذا المنصب، قائلاً إنه "من الطبيعي أن ينتمي رئيس الدولة إلى الديانة التي تدين بها أغلبية الشعب في أي بلد من العالم"، حسب تعبير بطريرك الكرازة المرقسية.

وفي معرض تعقيبه على دور الكنيسة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة، قال البابا شنودة "إن الكنيسة ليست قوة سياسية، ولا تتحالف مع أحد فالكنيسة تقول للناس: كل واحد يختار حسب رغبته، وليس لها أي توجيه خاص، فنحن نعيش في مناخ ديمقراطي، يمنح الفرصة كاملة لكل مواطن في هذا البلد أن يختار من يشاء، ويراه قادراً على تلبية طموحاته"، حسب تعبير البابا شنودة .

جاءت هذه التصريحات خلال لقاء مفتوح أجراه بطريرك الكنيسة القبطية مع نخبة من الشخصيات العامة ورجال القضاء وأساتذة الجامعات والفنانين ورجال الأعمال، والإعلاميين، في نادي "ليونز القاهرة" الليلة الماضية، حيث تطرق في معرض كلمته وردوده على أسئلة الحاضرين إلى عدة قضايا عامة، بعضها يتعلق بالشأن الداخلي في مصر، وأخرى ذات صلة بالأوضاع الإقليمية والدولية.

أقباط المهجر
وأثار الحضور قضية "أقباط المهجر"، والحملة الشرسة التي تشنها بعض الصحف الحكومية والحزبية وحتى المستقلة ضدهم خلال الشهور الأخيرة، حيث توجه لهم انتقادات حادة، وتنعتهم بصفات بشعة، كالعمالة لأميركا، وخيانة وطنهم الأم، وغير ذلك من الاتهامات، وهنا قال البابا شنودة إنه "لا يوجد رأي محدد اسمه رأي أقباط المهجر، فهم جماعات متنوعة، وليس لهم رأي سياسي موحد، وأغلبيتهم من الراضين عن السياسات المصرية والمرتبطين بالكنيسة الأم"، واستدرك البابا شنودة قائلاً إنهم متأثرون بمناخ الحريات في دول المهجر خاصة في الولايات المتحدة، فأي فرد هناك يستطيع تأسيس جمعية ويسميها "جمعية أقباط المهجر"، وهو في حقيقة الأمر لا يمثل سوى نفسه أو الجمعية التي يرأسها، ولا تعبر آراؤه الشخصية عن مواقف كل الأقباط في الخارج، وأضاف انه من الخطأ النظر إلى أقباط المهجر على انهم جماعة سياسية ذات رأي واحد، فهناك غالبية من المعتدلين، وقلة محدودة من المتطرفين، لكن في أحيان كثيرة يكون القلة ذات صوت أعلى، فتبدو وكأنها الأغلبية، وهذا غير صحيح في واقع الأمر"، حسب تعبير بطريرك الأقباط .

وتطرق البابا شنودة الثالث إلى ما أسماه أحد الحاضرين "ظاهرة تظاهر الأقباط"، قائلاً "إن التظاهر أسلوب سلمي للتعبير عن الرأي، وإنه موجود لدى كل الناس في كافة دول العالم، ومن مختلف الثقافات والأديان، وليس أمراً حكراً على الأقباط وحدهم"، وفي عبارة ذات مغزى، قال بطريرك الكنيسة القبطية إن "من المؤكد أن حل المشكلات العالقة من شأنه تقليل اللجوء إلى هذا الأسلوب"، حسب تعبيره .

زيارة القدس
ونفى البابا شنودة بشدة أنباء تحدثت عن اعتزامه التراجع عن منع الأقباط من زيارة القدس مادامت تحت الاحتلال الإسرائيلي، مؤكدا تمسكه بهذا الرفض بالرغم من التطورات الإيجابية في عملية السلام، مشيرا إلى أن اعتداءات الإسرائيليين لم تتوقف يوماً، وأنهم لم يحترموا عهودهم"، وجدد تأكيده بأنه لن يزور القدس إلا مع شيخ الأزهر وبقية الدول العربية، وبعد إحلال السلام العادل والشامل في المنطقة، قائلاً إنه "لا يمكن أن تنتهج الكنيسة القبطية سياسة منفردة عن بقية البلدان العربية".

وفي معرض تعقيبه على التهديدات والتحرشات التي تقوم بها جماعات يهودية متطرفة تجاه المسجد الأقصى، اعتبر البابا شنودة أن هذه التهديدات انتكاسة واضحة لجهود السلام والتهدئة التي تمت في الشهور الأخيرة، وأشار بطريرك الأقباط إلى أنه "وبصفته رئيسا لمجلس كنائس الشرق الأوسط عن العائلة الأرثوذكسية، فقد شارك في التوقيع على بيان شديد اللهجة يدين الاعتداءات على المسجد الأقصى"، الذي وصفه البابا شنودة بأنه "رمز ديني جليل في مدينة القدس التي تتمتع بمكانة رفيعة في قلوب المسيحيين والمسلمين على حد سواء"، على حد تعبيره.

واختتم بطريرك الكنيسة القبطية بالتأكيد على أن جوهر الأديان واحد، وأن مساحات الاتفاق بينها كبيرة، وأبدى تحفظه على إفراط بعض وسائل الإعلام المحلية في استخدام تعبير "الفتنة الطائفية"، معرباً عن اعتقاده بأنه "تعبير دخيل على مصر"، التي وصفها بأنها "بلد التسامح الديني، التي لم تعرف الفتنة الطائفية بل عرفت تنوع الديانات والثقافات وقبول الآخر منذ فجر التاريخ وحتى اليوم.