نبيل شرف الدين من القاهرة:
حالة من الحراك السياسي النشطة والتفاعلات المتصاعدة لا تخطئها عيون المتابعين لما يدور على الساحة المصرية هذه الأيام، فبينما تصعد أحزاب وقوى المعارضة من مواجهاتها مع الحكومة وحزبها على خلفية مسألة الإصلاح السياسي، وتسعى إلى نقل المعركة من القاهرة إلى المحافظات، خاصة في جنوب البلاد، بعد أن أعلنت عزمها على تنظيم مظاهرات في 13 مدينة، فقد بدا نجل الرئيس المصري جمال مبارك، الذي يشغل منصب أمين السياسات في الحزب الوطني (الحاكم)، حريصاً على إجراء لقاءات مفتوحة مع قطاعات عريضة من شباب الجامعات، حيث اجتمع مع 170 شاباً من الوحدات الحزبية بمحافظات جنوب مصر، في إطار دورة تدريبية ينظمها الحزب الحاكم حول إدارة الحملات الانتخابية، وطرح مبارك الابن خلال هذا اللقاء ما وصفه برؤية الحزب المتكاملة للإصلاح السياسي ممثلة في "ورقة حقوق المواطنة والديمقراطية"، والأفكار المتعلقة بتعديل الدستور والقوانين وتفعيل صفة المواطنة، وتشجيع المواطنين على المشاركة السياسية بدءاً بالإدلاء بأصواتهم في الاستفتاء علي تعديل الدستور، حتى الاقتراع في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة.

وتأتي هذه التحركات، في وقت تلقت فيه الحكومة تقارير عن الخطوات المقترحة من أحزاب المعارضة لتعديل قانون الحقوق السياسية، ومجلسي البرلمان، بهدف إعداد الصياغات النهائية المقترحة قبل إحالتها على البرلمان لمناقشتها، ضمن حزمة من الخطوات الإصلاحية التي تعتزم طرحها للتصويت في البرلمان قبل نهاية شهر آيار (مايو) المقبل .

إصلاح سري
ووسط أجواء من السرية والتكتم، واتخاذ إجراءات صارمة لمنع الصحافيين من متابعة الجلسات، بدأ البرلمان المصري بمجلسيه (الشعب والشورى) جلسات الاستماع لمناقشة آراء الخبراء والشخصيات العامة، بشأن تعديل المادة 76 من الدستور، وبحث الضمانات الخاصة بجدية الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية، وتشكيل اللجنة العليا التي تتولى الإشراف على العملية الانتخابية من بدايتها حتى إعلان النتيجة النهائية، وتعقد جلسة ثانية يوم السبت القادم للاستماع إلى ممثلي الأحزاب السياسية، كما يشارك في الجلسة الثالثة يوم الأحد المقبل رؤساء النقابات المهنية ورؤساء تحرير الصحف الحكومية والحزبية، على أن تختتم هذه الجلسات يوم الاثنين القادم، بالاستماع إلى آراء نخبة منتقاة من الشخصيات العامة وأساتذة ورؤساء الجامعات وغيرهم .

واكتفى مجلس الشورى بإصدار بيان صحافي، متضمناً عبارات "مكررة"، على شاكلة "أن المشاركين في الحوار عبروا خلاله عن أهمية دور الإعلام المسموع والمقروء والمرئي في طرح كل الآراء، وصد محاولات الفرقة، والمحافظة على هيبة الدولة"، من دون أن يتطرق هذا البيان لما يدور في جلسات الاستماع من أفكار، غير أن بعض المشاركين سربوا ما طرحوه من آراء، وقال الذين تحدثت معهم (إيلاف) إن ممثلي الحكومة التزموا الصمت، ولم يعقبوا على هذه الأطروحات، مؤكدين أنها "جلسات استماع" وليست مناقشات ولا حوارات .

وكان الرئيس المصري حسني مبارك قد أحال مقترحات الأحزاب المشاركة في الحوار الخاص بشأن مشروعات قوانين الإصلاح السياسي، وفي مقدمتها ما يتعلق بقانون مباشرة الحقوق السياسية وقانون البرلمان ومجلس الشورى إلى رئيس الوزراء أحمد نظيف، ووزير العدل المستشار محمود أبو الليل، لصياغتها كمشروعات قوانين تمهيدا لإحالتها على مجلسي البرلمان لمناقشتها .

وقال أمين عام الحزب الوطني (الحاكم) صفوت الشريف إن الحزب سيعلن رؤيته بشأن تعديل المادة 76 من الدستور بعد جلسات الاستماع التي سيعقدها البرلمان، بحيث تكون أكثر وضوحاً، وتتبلور رؤية كاملة من واقع المناقشات وما يتقدم به أعضاء البرلمان إلى اللجنة التشريعية، وأعرب عن أمله في أن تكون الضوابط التي سيجري وضعها حاسمة "احتراما لهذا المنصب وهيبته" .

لا حزب للإخوان
من جانبه جدد رئيس مجلس الشورى، صفوت الشريف، الذي يرأس أيضاً لجنة شؤون الأحزاب السياسية نفي إمكانية الموافقة على تأسيس حزب ديني، قائلاً "إن ذلك الأمر مرفوض، لأنه محفوف بالمخاطر الداخلية والخارجية، ويتناقض مع روح الدستور المصري، ومن شأنه أن يفتح الباب لتأسيس عشرات الأحزاب المذهبية ذات التوجهات المتناقضة، مما قد يعرض استقرار الوطن لمخاطر جسيمة، وسط مناخ إقليمي ودولي بالغ التعقيد"، على حد تعبير صفوت الشريف، الذي يشغل أيضاً موقع الأمين العام للحزب الحاكم في مصر .

وكان قد تردد في الأوساط السياسية قيام جماعة "الإخوان المسلمين" المحظورة بتقديم أوراق إلى لجنة الأحزاب لإنشاء حزب ديني، وقال الشريف انه منذ توليه رئاسة لجنة شؤون الأحزاب خلع رداء الحزبية لقناعته بان لجنة الأحزاب هي لجنة كل المصريين وان مهمتها تعزيز قيام نظام ديمقراطي يقوم على التعددية وعلى قيم الممارسة السياسية الصحيحة ومن هذا المنطلق وافقت خلال الشهور الماضية على تأسيس حزبين جديدين هما حزب ''الغد'' و''الحزب الدستوري''، كما ساهمت أيضاً في إصلاح ذات البين على زعامة عدد من الأحزاب الأخرى وفي مقدمتها حزبا ''الوفاق'' و''الأحرار''، على حد تعبير الشريف.

كما أكد رئيس مجلس الشورى أيضاً أن الرئيس حسني مبارك سبق أن أعلن التزامه بوضوح باستخدام قانون الطوارئ لمكافحة الإرهاب والمخدرات، وأن هذا القانون أفرغ من مضمونه بالفعل بعد إلغاء العديد من القوانين المقيدة للحريات وإلغاء محاكم أمن الدولة .

وتستمع اللجنة إلى إيضاحات جديدة من جانب كل من : صلاح محمد عبد الله، وعزت مصطفى عابدين، وكيلي طالبي تأسيس "الحزب القومي"، وتستمع أيضاً إلى الطلب المقدم من طارق إمام محمد علام، بصفته وكيل طالبي تأسيس حزب "الحرية الديمقراطي الاشتراكي"، كما سيتم عرض الطلب المقدم من أحمد محمد الفضالي، لتأسيس حزب جديد باسم "حزب السلام الديمقراطي"، كما تعقد اللجنة اجتماعا آخر لاستعراض المذكرات المقدمة إليها من بعض الأحزاب القائمة بالفعل، لكنها تواجه أزمات داخلية، وهي كل من أحزاب: "الشعب الديمقراطي ـ مصر الفتاة ـ العدالة الاجتماعية ـ العمل" .

آراء المراقبين
واستطلعت (إيلاف) آراء عدد من المراقبين والخبراء والسياسيين في مصر، وفي البداية اعتبر حسين عبد الرازق أمين عام "حزب التجمع"، اليساري المعارض، أن اشتراط الحصول على تزكية عدد من نواب مجلسي الشعب والشورى (البرلمان) والمجالس المحلية للترشيح يعد شرطاً تعجيزياً مانعاً ومعادياً للديمقراطية"، على حد قوله .

كما رأى الدكتور ثروت بدوي أستاذ القانون الدستوري في جامعة القاهرة ضرورة إلغاء حالة الطوارئ والقوانين الاستثنائية والمحاكم الاستثنائية قبل البدء في أي حديث عن الإصلاح، قائلاً إن "الحياة السياسية طوال نصف قرن كانت شبه ميتة بسبب الحكم الفردي وتتراجع حق التعبير السلمي"، موضحاً في هذا الصدد أنه "لا يمكن بل ولا يتصور بحال من الأحوال لمجلس يحتكره الحزب الوطني (الحاكم) اختيار مرشح آخر لمنافسة الرئيس مبارك"، حسب تعبير أستاذ القانون الدستوري، الذي أبدى تأييده "لحصول المرشح للرئاسة علي تزكية عدد من الناخبين"، غير أنه "ضد حصول المرشح علي أصوات نواب البرلمان" .

من جانبه أعرب الكاتب الصحافي كامل زهيري نقيب الصحافيين المصريين السابق عن اعتقاده بأن "الحكومة وعرابيها يحاربون أي تقدم ديمقراطي، ويجتهدون في الحد من سلطة للشعب، معتبراً أن المشكلة "أن الحزب الوطني هو وريث الاتحاد الاشتراكي، ويسيطر علي كل مقاليد السلطة في البلاد، ويصادر الحياة السياسية لصالحه"، وفق ما ذهب إليه زهيري .
وأخيراً فقد دعا عبد الله خليل المحامي وخبير حقوق الإنسان، لضرورة تحقيق استقلال فعلي للسلطة القضائية ومنحها الحق في القيام بدور رقابي فعال ضد أي انتهاكات تتعلق بالعملية الانتخابية في البلاد "، على حد تعبيره .