مهندس ارميني عاش المذبحة ويروي بعض تفاصيلها
آخر شاهد على اكبر مجررة في التاريخ يتذكر

يريفان (ارمينيا) : يذكر فارازدات هاروتيونيان الذي كان يعيش في فان خلال عمليات الابادة التركية التي تعرض لها الارمن ان "الاشجار كانت مزهرة يوم هاجم الاتراك" المدينة. ويقول هذا المهندس المعماري المعروف في ارمينيا ويبلغ من العمر اليوم 96 عاما "عشت في عهد قيصر روسيا وفي ظل النظام السوفياتي وفي ارمينيا المستقلة. انتمي الى جيل سيختفي قريبا".

ويضيف هذا الرجل عشية الذكرى التسعين لمجازر الارمن "لكن قبل ان يحدث ذلك آمل ان ارى عالما يتضامن لادانة الجرائم ضد البشرية وخصوصا ضد الارمن"، قبل ان يسرد من جديد ذكرياته الاليمة. ففي ربيع 1915، كان فارازدات يبلغ من العمر ستة اعوام ويعيش في منزل في فان شرق الاناضول مع اخوته واخواته السبعة ووالديه. ويقول ان "الجنود الروس كانوا يحتلون المدينة عندما بدأ العسكريون العثمانيون هجومهم.. وكان الرصاص يلعلع في الشوارع". وحمل الرجال والنساء في الاسرة السلاح للدفاع عن انفسهم. اما هو فقد كان "يرغب في تسلق الاشجار ليتنشق رائحة الزهور". وبدأت القوات الروسية في التراجع وكان على العائلة ان تترك كل شيء لتحلّق الروس والارمن المسلحين وتفر الى الشمال. وخلال هروبهم، تعرض الارمن لهجمات شنها الاكراد والاتراك "خصوصا عندما كنا نعبر الجسور"، حسبما يذكر الرجل المسن.

ويضيف ان "الفارين كانوا يقفزون في المياه ويوموتون غرقا وهم يحاولون عبور النهر.. كثير منهم ماتوا غرقا او بالرصاص". ويتابع "كنا نتوقف في اغلب الاحيان لدفن اشخاص ماتوا جوعا او تعبا". ولا يذكر هاروتونيان الذي يدخن سجائر "فان" التي تحمل اسم مدينته كم من الوقت اضطر للسير مع عائلته قبل ان يبلغ نهر اراك الذي يشكل الحدود، ويصبح في مأمن من غضب الجنود العثمانيين على ارض ارمينيا الحالية.

ويضيف "لكن ذلك لم يكن نهاية رحلة العذاب" مشيرا الى "مشهد آلاف اللاجئين بدون متاع او مأوى" تجمعوا قرب كنيسة.. وفور وصولهم انتشر مرضاا التيفوئيد والكوليرا بينهم. ويروي الرجل "كل يوم كانت تنقل عشرات الجثث بعربات لتدفن". وقد توفي شقيقه الاصغر بالتيفوئيد ثم تلته شقيقته ثم اخ آخر واخيرا والده. ويضيف مبتسما "يتحدثون كثيرا عن 5،1 ملايين شخص قتلهم الاتراك على اراضي تركيا لكن لا احد قام باحصاء العدد الاجمالي للذين قضوا بسبب المجزرة". ويشير الى لوحة له معلقة على جدار رسمها الفنان الارمني المعروف مارتيروس ساريان قائلا "عندما بدأ يرسم صورتي في اللوحة طلب مني ان اروي ذكرياتي عن المجزرة. وبعد قليل اخذ يبكي".وبعد الابادة، امضى هاروتيونيان جزءا من طفولته في جورجيا وقام باعمال صغيرة من مسح الاحذية الى بيع المياه قبل ان يعود الى يريفان حيث درس الهندسة المعمارية في معهد البوليتيكنيك ثم بدأ عمله في الهندسة المعمارية.

في 1991، عاد للمرة الاولى الى مسقط رأسه في تركيا وبحث من دون جدوى وبمساعدة دليل تركي عن منزل اسرته الذي دمر مثل معظم البيوت والكنائس الارمنية. وكانت المجازر التي استهدفت الارمن بين 1915 و1917 اسفرت عن مقتل 5،1 ملايين شخص حسبما يؤكد الارمن وبين 300 و500 الف حسبما تقول تركيا وريثة الامبراطورية العثمانية، التي لم تعترف بمسوؤليتها عن ابادتهم.