متحمسون، قلقون، منقسمون، لكن يريدون أجراءها


هاني عبد الله من السويد: يعيش عراقيو الخارج، خصوصا في أوروبا، ذات الأجواء "الساخنة"، التي يعيشيها العراقيون في وطنهم، بخصوص نتخابات 30 كانون الثاني ( يناير ) 2005، والتي أزداد النقاش حولها في الأيام القليلة المنصرمة، لعلو أصوات فاعلة تنادي بتأجيلها!
ومثلما تشهد أوساط عامة الناس والسياسيين والمراقبين ووسائل الأعلام في العراق، فورة جدالات وأراء متاقطعة حينا ومتقاربة حينا آخر، يصفها المتفائلون بأنها "الديمقراطية بعينها"، فإن تجمعات عراقيي اوروبا، من تنظيمات سياسية وأندية وجمعيات ومراكز ثقافية واجتماعية، تحفل بنشاط غير مسبوق، ليست هي الأخرى بعيدة عن تلك الأجواء والتناطحات، التي تجد صدها هنا ايضا.
لابل يزداد النقاش في الخارج حدة، لتراكم خبرة سنوات من المعايشة في تجارب ديمقراطية اوروبية لاغبار عليها، لدى ملايين العراقيين الفارين من قمع الدكتاتوريات، وبطشها!!
وإذا كان عراقيو الداخل، يتوقون لممارسة حقهم الأنتخابي في أول أنتخابات حرة في عراق مابعد صدام حسين، فإن عراقيي اوروبا يعتبرون المشاركة بها، واجب وطني مقدس، لايمنعهم بعدهم عن العراق من أداءه بشغف، وهم ضغطوا كثيرا لضمان مشاركتهم في هذه التجربة الديمقراطية، حتى تسنى لهم أخيرا ذلك.
فالمفوضية العليا لشؤون الأنتخابات ( هيئة مستقلة تعمل بتنسيق مع الأمم المتحدة )، أعلنت أنها خصصت 90 مليون دولار، لضمان أدلاء العراقيين في الخارج، بأصواتهم فيها.
كيف تجري الأستعدادت لهذا الحدث الكبير في دول اوروبا؟ ومن سيتولى الأشراف على التصويت؟ وكيف ينظر العراقيون العاديون سواء المتجنسين بجنسيات أخرى او المقيمين او حتى طالبي اللجوء الى هذا الأستحقاق؟ وهل بعد المراكز الأنتخابية سيحرم البعض من ممارسة هذا الحق؟

لجان دعم وأسناد في كل الدول

بعد أن قررت المفوضية العليا لشؤون الأنتخابات شمول العراقيين في الخارج، ( تُقدر بعض المصادر عددهم بأكثر من 3 ملايين موزعين في دول الجوار العراقي واوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأستراليا ) بالأنتخابات، سارعت المئات من منظمات الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، والأندية والجمعيات والمراكز الثقافية والأجتماعية بعقد سلسلة من الأجتماعات لتدارس ما يمكن فعله، من أجل دعم الأنتخابات وضمان مشاركة الجميع فيها.
وفي كل الدول تقريبا، أثمرت هذه الأجتماعات عن تشكيل لجان وطنية، لمساندة الأنتخابات، وتنسيق العمل مع المشرفين عليها، ومع السفارات العراقية.

توقعات باقبال جيد على الأنتخابات في اوروبا.

يقول سامي المالح، ناشط سياسي مستقل يقيم في العاصمة السويدية ستوكهولم، عضو لجنة دعم الأنتخابات العراقية في السويد، لـ "إيلاف" : " تأسست

السيد سامي المالح، عضو اللجنة الأنتخابية في السويد
جنتنا بمبادرة من لجنة تنسيق القوى الوطنية العراقية، والمنظمات الأجتماعية والثقافية العربية والكردية و( الكلدانية الاشورية السريانية)، وتضم 19 عضوا. وهي لجنة مستقلة غير حكومية، مهمتها الرئيسية هي تشجيع العراقيين في السويد، على التصويت، والتوعية بأهميتها، وتقديم المعلومات عن كل مايتعلق بها".
ويرى المالح في هذه الأنتخابات : " خطوة مهمة لبناء الديمقراطية في العراق" ويؤكد تلهف العراقيين بكافة أنتماءاتهم السياسية والدينية والقومية في الخارج، للمارسة هذا الحق الذي طالما حُرموا منه في زمن النظام السابق"
وعن الجهة التي ستنظم الأنتخابات في الخارج يقول: " منظمة الهجرة الدولية هي التي ستقوم بهذه المهمة، وقد تم تخصيص مبالغ طائلة لعملها، أما لجنتنا فهي لاتضطلع باي دور رسمي او حكومي، وليست تنفيذية، بل شعبية داعمة للأنتخابات".
ويتوقع سامي المالح إقبالا جيدا على الأنتخابات في السويد، إستنادا الى اللقاءات مع الناس، والأستطلاعات التي تجريها وسائل الأعلام العراقية في السويد، على رغم انه لم يتضح حتى الآن عدد المراكز الأنتخابية فيها.
وأكد انهم يأملون ويسعون لان يكون هناك عدة مراكز في البلاد، حتى يتسنى للعراقيين المقيمين في مدن بعيدة عن العاصمة ستوكهولم، التصويت في مدنهم او في مراكز قريبة منها.
وبخصوص علاقة اللجنة بالسفارة العراقية، أوضح المالح أن السفارة العراقية وعدت بتذليل كل الصعوبات التي تواجه العراقيين، للحصول على الوثائق الرسمية الخاصة بتسجيل الناخب.

جهود لفتح مراكز أنتخابية في أكثر من مدينة اوروبية.

في الدنمارك التي لاتبعد كثيرا عن السويد، تجري الأستعدادات على نفس الوتيرة، وهي مشابهة لتلك التي تجري في النرويج، بريطانيا، فرنسا، المانيا، هولندا، وفنلندا، وغيرها من الدول الأوروبية الأخرى.
يؤكد السيد يونس بولص متى، عضو لجنة دعم الأنتخابات وممارسة الحق الأنتخابي في العراق، إن اللجنة مدعومة من قبل 40 حزب سياسي وناد ومركز وجمعية أجتماعية وثقافية، أتفقت جميعا على ضرورة المشاركة في هذه التجربة الديمقراطية الضرورية.
وقال إنه جرى انتخاب لجان فرعية للأعلام والعلاقات من 11 منظمة منها، وأنه يقود إحدى هذه اللجان التي تنشط بين الجالية من اجل حثهم على المشاركة، وأبلاغهم بآخر أخبار الأنتخابات.
وكشف عن وجود مركز أنتخابي في العاصمة كوبنهاكن، توقع أن يتوافد عليه العراقيين من مدينة مالمو السويدية ايضا، في حال لم يتم فتح مركز هناك.
وأوضح متى انهم يعملون من اجل زيادة عدد المراكز الأنتخابية كي يتسنى للجميع المشاركة.

كيف ينظر الناس العاديون للأنتخابات؟

محمد عبد الجبار (49 ) عاما، يقيم في لندن، قال لـ " إيلاف " عبر الهاتف : " كل ما أخشاه ان تتحول أصواتنا الى نار يحرق العراق!! أنا متحمس للأنتخابات لكن لا أرى من الصحيح أجراؤها في ظل هذا الوضع المعقد، مع رفض الكثيرين المشاركة... بالتاكيد النتائج ستجعل بلدنا مقسما اكثر، لابل أتوقع ان تزداد الأوضاع تعقيدا"!!
هذه التخوف من أجراء الأنتخابات في موعدها، يعكس قلقا كبيرا لدى أعداد متزايدة من العراقيين من مختلف الجهات والأنتماءات، ترى ان الوقت غير مناسب لها في نهاية كانون الثاني ( يناير ) القادم.
فيما يجد كثيرون آخرون ان تأجيلها تحايل على الديمقراطية الوليدة، وهروب من أستحقاقاتها، وقتل جنين لم يُولد بعد!
علي الياسري ( 35 ) عاما يعيش في ستوكهولم، يقول: " لابد من أجراءها، مهما كانت الأوضاع. تأجيلها نصر للأرهاب، وللذين راهنوا على العنف في الوصول الى اهادفهم السياسية المبطنة"
يضيف الياسري: " انا مقيم في السويد من 8 أعوام، انتظر بفارغ الصبر يوم الأنتخابات كي أذهب مع عائلتي للتصويت".
نسرين حنا ( 36 ) عاما ( أمستردام – هولندا ) تقول: " رغم انني لست حزبية ولا أهتم بالسياسة، لكن هي التي أجبرتنا على ترك أوطاننا، إلا انني سأصوت في الأنتخابات، وأتمنى ان تكون نزيهة، ذلك انني اريد ان ينتصر السلام في بلدي، وان تنتهي الحروب والأنفجارت"
أما هاوار عبد القادر ( 28 ) عاما يقول " نعم انا ضد التاجيل،واريد ان اصوت كي تأتي حكومة تحترم شعبها، خاصة الشعب الكردي الذي عانى الكثير على يد نظام صدام حسين".
ولايخفي هاوار قناعته بأن العراق سيكون أكثر أمنا لو أستقل أقليم كردستان عنه!

لمن سيصوتون؟

رغم عدم أتضاح صورة التحالفات النهائية للقوى والكيانات السياسية التي ستدخل الأنتخابات المفترضة القادمة، إلا أن الجميع يتفق بان هناك أستقطابا طائفيا برز في الشارع السياسي العراقي، يتخوف منه العلمانيين والديمقراطيين الليبراليين، فيما يصفه جانب بأنه أستحقاق تاريخي، بينما يعتبره الجانب الأخر بأنه طمع في سلطة، سُرقت منه!
هذه الأستقطابات من الطبيعي ان تنعكس على العراقيين في اوروبا. فهم رغم انهم يعيشون في بلدان ديمقراطية لها تاريخ طويل في الممارسة الأنتخابية التي تجري على اساس وطني، فإن الكثيرين من العراقيين الذين عانوا عقود من التمييز العنصري والقومي والمذهبي على يد النظام السابق، يعتقدون أن الولاء الطائفي او القومي خير ضمان لرد الأعتبار لهم! وهناك فئات غير قليلة ايضا، أغلبها من المثقفين والأكاديميين والنخب السياسية الديمقراطية تفضل دخول القوى الوطنية والقومية ( العربية والكردية والقوميا ت الأخرى ) والأسلامية في جبهة عريضة ضد الأرهاب ومن اجل عراق ديمقراطي تعددي.
وعلى رغم أن الحملة الدعائية الرسمية لم تبدا بعد، ولم تتضح صورة التحالفات، إلا ان العشرات من الجمعيات والأندية العراقية في اوروبا بدات بإقامة الفعاليات الدعائية، وتقديم ما تعتقد إنه يدعم قوائم الجهات التي تمثلها في العراق.
إنهم عراقيون. قلوب وعيون وعقول في العراق، وأجساد تصارع البرد وتطلب الأمان في اوروبا!!