افكار في عشية الموافقة على بدا المباحثات حول قبول انظمام تركيا للاتحاد الاوربي


الدكتور توفيق آلتونجي من السويد: النصر الذي سيتحقق لشعوب القاطنة تحت سيادة الدولة التركية الحديثة مع دخول تركيا الى عضوية دول الاتحاد الاوربي سيغير من مجرى التاريخ للمنطقة وشعوبها ومع بزوغ شمس يوم جديد ستجد نفسها جارة لاكبر اتحاد يجمع دول وشعوب وثقافات تواجدت متجمعة لاول مرة في تاريخ المعاصر على القارة الاوربية. هذه القوميات التي عانت الامرين تحت سيادة الفكر الامبراطوري السلطوي القومي الشمولي الرافض لوجود الاخر المختلف عرقيا وثقافيا وقوميا هؤلاء اللذين سيرون متنفسا جديدا وميناء يرسون اليها وجهة تسمع صوتهم المخنوق.
كنت قد كتبت ومنذ سنيين عن رؤى وحلم تركيا في الدخول الى الاتحاد الاوربي كغيري من الكتاب وعلى صفحات الجرائد والمواقع الانترنيتية ومع مجيئ حكم حزب الاسلامي المعتدل وبقيادة السيد "رجب طيب اردوغان" الى سدة الحكم تنباة مع تاكيد واضح للهوية الثقافية لشعوب تركيا والانتماء العقائدي للاكثرية بان الاعتدال حكمة في قيادة الشعوب.
هذا التوجه اي التوجه الى الغرب بدا تاريخيا مع نهاية سنوات انهيار الامبراطورية العثمانية عندما وقف جيوش الامبراطورية زحفها على مشارف عاصمة المحبة "فينا" في المملكة الشرقية مندهشين امام تنظيم الجيش الاوربي وبزتهم العسكرية الحمراء وحركاتهم المنظمة فخسروا الحرب رغم تعدادهم الكبير وخروا عائدين الى ديارهم "استانة" يحللون مغزى ذلك الانتصار الاوربي الغير متوقع الذي كان من اهم نتائجه ضهور حركات الاصلاح والتحديث ليس فقط في مركز الامبراطورية العلية العثمانية فحسب لا بل تعداها الى الولايات التي كانت ضمن سيطرتها في الشرق والغرب. وبدا ان حركة التغير والتوجه الى الغرب سياسة استراتيجية لتركيا الحديثة بعد اعلان الجمهورية على يد "مصطفى كمال اتاتورك" ورجال الثورة التركية التحررية وقد باشروا بتغير الملبس واسلوب الحياة وابجدية الكتابة وسن القوانين المشابه لتك الاوربية منها "القانون السويسري" وامور اخرى كثيرة. لا ريب ان مشاركة الاتراك في الحرب العالمية الاولى بجانب اوربا قد غير المفاهيم العامة للاوربين تجاه تركيا حيث كانوا يرونها العدوة القادمة من الشرق رغم ان الدولة التركية الفتية بقت على الحياد خلال الحرب العالمية الثانية.
كان مدرسي في اللغة الالمانية طيب الذكر"قبل اكثر من عقدين ونصف " الاستاد شبرنجر "العداء بالعربية" يذكر لنا دعابة سخرية ويروي فيها كيف ان احد حراس مبنى الحاكم العسكري التركي ابان السيطرة العثمانية على مدينة "كراتس " الحدودية النمساوية لا يزال يبحث عن مصدر احد القذائف التي سقطتت على مائدة الباشا الكبير وهو يتناول فطوره الصباحي في اشارة الى النصب الموجود في البناية القديمة في "شارع سبور كاسا" في المدينة والذي يعبر عن تمثال حارس تركي اخرج نصف جسده من النافذة المطلة على بوابة البناية والتي يمر من امامها الناس يوميا في يومنا هذا. ولا ريب ان هذا التاريخ الحي الذي لا يزال قابعا امام مرآى الناس لا يمكن مسحه بين ليلة وضحاها. لكن التاريخ الاوربي باكمله مليئ بالحروب والنزاعات والصراعات بين الشعوب والحكام والقادة والطغاة وقد مسح فكرة الاتحاد الاوربي كل ذلك الحقد التاريخي الدفين بجرة قلم في اكبر مشروع انساني للسلام في العالم بعد تلك الحروب الطاحنة التي ادى اخرها الى ضحايا تجاوز الستون مليونا من البشر وخرب عمائر وديار ومدن وجاء بالخراب على نفوس البشر.
ان الوجود الاسلامي على القارة الاوربية تعود الى سنوات حين وقف القائد الاسلامي البربري "طارق بن زياد" قبال الساحل الاوربي عند المظيق المسمى لحد اليوم باسمه مناديا جموع الجيش الاسلامي الى النصر او الشهادة مظرما النار في الاسطول البحري الاسلامي رافعا شعار المحبة والتوحيد "الله اكبر" وقد كان لانتصار الحكمة الاسلامية في السنوات الاولى في الاندلس بقيادة الخليفة الاموي "عبد الرحمن الداخل" بداية عصر جديد على ارض القارة الاوربية التي كانت انذاك تعيش في عصر الظلمات.
هل يعني دخول تركيا الى الاتحاد الاوربي نقلة تاريخية نوعية اخرى لكن على اسس جديدة فبموافقة الاتحاد ببدا المحادثات في الثالث من تشرين الاول اكتوبر من العام القادم مع تركيا يكون الحلم التركي قد اقترب خطوة اخرى من التحقيق وقد لا يكتمل تلك المحادثات وتسودها عراقيل جمة ولكن الزمن كفيل بتغير العديد من المفاهيم عند الناس وقبول الجديد الغير متعود عليه والتسامح. ولا ريب سيكون هناك العديد من الطروحات والمشاريع والحلول الجزئية كاشارة لعدم ضمان النتائج النهائية لتك المحادثات ولكن مجرد البحث في الموضوع يعتبر انتصارا كبيرا لحملة شعار انضمام تركيا الى المجموعة الاوربية من ناحية وتحقيق لمبادئ حقوق الانسان الذي بلا ريب سياخذ منعطفا تاريخيا جديدا في الفكر السياسي التركي الحاكم وذلك بتغير شمولية الفكر والسلطوي المطلق الاستعماري والعسكري الرافظ تماما لوجود الاخر المختلف. وقد تم إقرار الصياغة النهائية لبنود الاتفاق بين الجانبين التركي والاتحاد الاوربي في اجتماع شهده قادة 25 دولة أوروبية بعد ظهر الجمعة. كما صوّت البرلمان الأوروبي بأغلبية 407 من الاصوات ضد 262 صوتا معارضا، وامتناع 29 عن التصويت لصالح بدء المحادثات.
وجرى التصويت سريا بناء على طلب المجموعة المحافظة ذات الأغلبية في البرلمان الاوربي.كما دعى البرلمانيون الى متابعة عن كثب الخطوات الاصلاحية التي سوف تحققه تركيا في مجال حقوق الانسان والحريات الدينية وحقوق المرأة وتعليق المحادثات في أي وقت تتراجع فيه أنقرة في أي من هذه المجالات. كما وافق الاتحاد على دعوة دول ك بلغاريا ورومانيا إلى الانضمام في 2007 ليصل عدد أعضاء الاتحاد الى 27 دولة، ووافق كذلك على بدء محادثات الانضمام مع كرواتيا في مارس/ أذار المقبل. وبدخول تركيا الاتحاد عام 2015 ستكون قوة داعمة للديمقراطية بحصولها على مقاعد في البرلمان الاوربي ومشاركتها في قرارات البيت الاوربي حيث يربوا عدد سكان تركيا اليوم على 80 مليون نسمة وربما ستكون اكبر تجمع سكاني في الاتحاد ويحمل ابنائها ومن كل القوميات الهوية الوطنية الاوربية وتتحول العديد من مشاكل تركيا الحالية الى مشكلة اوربية مغدرا محيطها المحلي الضيق بما يؤمن حصول الجميع على حقوقهم الانسانية العادلة. بالتاكيد سيكون هناك مجاميع وقوى تنادي برفض دخول البلا الى الاتحاد ضمن دول الاتحاد او في خارجها وحتى داخل تركيا وهذا الاخير اي قوى الرفض في الداخل سيكونون الحربة الاساسية الرافضة لتغير التركيبة الثقافية لدولة تركيا حيث مبادئ الاتحاد الانسلنية يدعوا الى قبول الاخر وتحقيق مبادئ المساواة ودولة العدل والقانون كما ينص عليها دستور الالتحاد الاوربي المقترح هذه المبادئ لم تكن وخاصة في المفوضات الاخيرة اي عائق للطرح التركي في حين تمركز الرفض التركي على امور اخرى كالاعتراف بقبرص ومسالة الاعتراف ب "مجاز الارمن" التاريخية التي ترفض تركيا الاعتراف بها.
رغم وجود جالية اسلامية كبيرة اليوم في واقع الامرعلى ارض القارة الاوربية تاريخيا وهناك دول اوربية اسلامية ك بوسنيا مثلا فان انضمام تركيا سيكون حدثا تاريخيا لكونها دولة اسلامية تحمل مبادئ الاعتدال الاسلامي وتؤمن بحوار الحضارات والعقائد كمبدا اساسي لترسيخ ارضية صلبة للسلام بين الامم والشعوب بتقريب وجهات النظر لشعوبها والاتفاق على القاسم المشترك الانساني كامل لجميع شعوب المعمورة وهي البوابة الاكبر لحوار الحضارات. ان الاصلاحات الديمقراطية وترسيخ مبادئ حقوق الانسان سيكون من اهم مهام الحكومة التركية وكذلك البدا في نشر افكار الداعية الى التسامح و استخدام الشفافية في التعامل في النزاعات وترك مبادئ العنف والستخدام القوة في فض النزاعات والخصامات ونشر الصورة الحقيقية للتركيبة العرقية والعقائدية والقومية لشعب دولة تركيا الحديثة. ومن المؤمل ان تكون هناك امور كثيرة مستعصية في المباحثات القادمة منها قوى العمل والاجئين ومسالة الاعتراف التركي ب قبرص وحقوق الانسان والقوانين الاصلاحية ومسالة الحقوق العادلة للقومية الكوردية والقوميات الاخرى وامور اقتصادية واجتماعية وعسكرية وبيئيية وما يخص حركة الاجئين وما يخص كذلك بقضايا سوق العمل وحركة القوة العاملة وامور اخرى. تلك العوامل مجتمعة ستؤدي حتما الى تغيرات مهمة على الساحة الفكرية والسياسية والسلوكية في تركيا يقابلها تغير مماثل في مسار الفكري في اوربا باتجاه قبول الشرق تشمل احترام وجود معتقدات وثقافات مختلفة عند الانسان الشرقي.