عدد العراقيين في دمشق يقارب نصف مليون
حرب خفية في أسواق الدعارة السورية

غجريات عراقيات وسوريات في نادي السحاب الليلي
عبد الرحمن الماجدي من أمستردام: يتوزع العراقيون المقيمون في العاصمة السورية دمشق على ثلاث مناطق سكنية هي السيدة زينب في ريف دمشق ومساكن برزة والامين. اذ يكثر في الاولى والثالثة الاغلبية الشيعية وفي الثانية الاكراد تبعا لكثرة الطائفة او القومية في المكان المختار. كان هذا التوزيع السكني للعراقيين قبل سقوط نظام صدام حسين في نيسان (أبريل) عام 2003. إذ لجأ لدمشق الكثير منهم لغرض الاقامة او كمعبر للسفر لاوروبا. وكانت رعاية العراقيين من قبل مكتب شؤون العراق التابع للقيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي في سورية (يديره بعثيون عراقيون منشقون) الذي كان بمثابة سفارة عراقية بسبب قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين منذ اواخر السبعينات.

وكان بعض اللاجئين العراقيين يفتخرون بحماية الرئيس السوري السابق حافظ الاسد لهم حيث كانوا يكررون بعدم تعرض أي عراقي بسورية لاي خطر من قبل المخابرات العراقية التي كانت تطارد المعارضين. اذ اقام بدمشق كبار المعارضين للنظام العراقي السابق من اسلاميين وقوميين وشيوعيين إذ كانت لجميع الاحزاب العراقية المعارضة آنئذ مكاتب بدمشق. بالاضافة لهجرة عدد من المهجرين الذي اتهمهم النظام السابق بالتبعية الايرانية عام 1980 فسفرهم لايران لكن بعضهم فضل الاقامة ببلد عربي حيث لم يكن امامهم الا الاقامة بدمشق بعد ان كانت جميع الدول العربية لاترحب بهم. كما توجد اقلية ممن يدعون بالـ "بدون" وهم اولئك الذين سفرتهم الكويت بعد الغزو العراقي لها عام 1990.

وقد جعلت الجالية العراقية من منطقة السيدة زينب وخاصة حي الحجيرة فيها مدينة عراقية صغيرة من خلال المطاعم والمقاهي والدواوين والحسينيات بمسمياتها العراقية الخالصة. حتى ان تسمية " شارع او ساحة العراقيين" اكتسبه ذلك المكان الواسع في نهاية شارع الحجيرة بحي السيدة زينب قبل سقوط النظام العراقي بعد ان وجدت باصات وتاكسيات نقل المسافرين بين العراق ودمشق قبل السقوط بخمس سنوات نفسها تتجمع فيه بسبب الاكثرية من العراقيين المقيمين فيه مع مقاهيهم ومحلاتهم ومساجدهم.

يوم السقوط
في التاسع من نيسان كان عشرات العراقيين ملتصقين بشاشات تلفزيونات المقاهي العراقية بحي السيدة زينب يراقبون لحظات اسقاط تمثال صدام في ساحة الفردوس ببغداد. فخرجوا باكين فرحين في حارات السيدة زينب دون ان ينتبهوا الى وجود اقلية من الفلسطينيين ونازحي القنيطرة من السوريين الذين كانوا يشاطرونهم السكنى بذات الحي ينتحبون لسقوط التمثال. فحدث سباب وعراك بالايدي سرعان ماتحول الى اشاعة انتقلت لمخيم اليرموك بدمشق بأن العراقيين يرقصون في حي السيدة زينب رافعين صور الرئيس جورج بوش والعلم الاميركي. لتدخل الاشاعة الى اشاعات تروى بقصص شتى دون ان يفكر احد بكيفية حصول اولئك العراقيين المقيمين في ذلك الحي البائس على صور الرئيس الاميركي والعلم الاميركي اللذين لاوجود لهما في دمشق سوى نسخة واحدة من العلم ترفرف بحي (ابو رمانة) حيث مقر السفارة الاميركية المسورة بعناية.

وتدخل الاشاعة حيز البطولة الفلسطينية لتقول ان الفلسطينيين هاجموا المتظاهرين السعداء بسقوط تمثال رئيسهم بالقضبان الحديدية والسكاكين ولقنوهم درسا لاينسى في الوطنية!

وقد فتشنا عن اصل هذه القصة فاتضح، كما رواها لنا بعض الشهود، ان بعض العراقيين خرجوا من المقهى يصفقون ويرقصون في ذلك اليوم وقد شتمهم بعض الجيران من غير العراقيين فتضارب اثنان منهم فحضرت الشرطة القريبة من الشارع وفرقت المتجمهرين.

واخذ العراقيون يعودون تباعا لبلدهم بعد سنين من الغربة ليحل محلهم الهاربون من اتباع النظام السابق حاملين معهم ماغلى ثمنه وقل وزنه. فاشتروا العقارات والسيارات والمعامل خشية ملاحقتهم ومصادرة مايملكون مسجلينها بأسماء اقرباء لهم او زوجاتهم.

ولتبدا رحلة جديدة كابدها من بقي من العراقيين السابقين الذين حالت الظروف دون تسهيل عودتهم بانتظار استعادة بيوتهم المصادرة وعودة الهدوء وتشكيل حكومة دائمة وغياب الارهابيين في العراق. كما ان بعضهم تزوج من سوريات بقوا معهن لذات الاسباب التي تعيق العودة. وغيرهم ممن يعملون في السوق السورية في مهن شتى تدر عليهم الرزق القليل من 4000 الى 5000 ليرة سورية (80 الى 100 دولار) شهريا حيث يترددون على اهلهم في زيارات خاطفة (حسب التساهيل). بالاضافة الى عوائل مسيحية هاربة من بطش المجموعات الارهابية المسلحة.

السوق السورية
في الاسواق السورية ستجد بضائع قادمة من العراق يفضلها السوريون لرخص ثمنها ولجودتها اذ معظمها مستورد وقد تم تهريبه. كما ان التجار

(البحّارة) مهربو بنزين عراقيون قرب الحدود السورية..عدسة إيلاف
السوريين باتوا في بحبوحة بعد انفتاحهم على السوق العراقية حيث يشتري تجار عراقيون كل شيء تقريبا.

كما ان شركات نقل المسافرين وجدت لها زبائن دائمين في المدن العراقية والسورية من حلب ودمشق ففتحت مكاتب لها في بغداد والموصل وكردستان العراق. ولم يخل الامر من مهربين بين الجانبين يبيعون البنزين العراقي تحت تساهل شرطة الحدود بين البلدين. اذ يواظب مايمسى بالـ " البحارة" من سائقي سيارات الصالون التي يزودونها بخزانات كبيرة من الاسفل لغرض تعبئتها بالبنزين المحسن الذي يفضله السائقونفي سورية لنظافته ورخص ثمنه حيث تفتح الحدود بواباتها على الجانبين باتفاق مسبق في ساعات اليل المتأخرة لتدخل سيارات البحارة محملة بالبنزين العراقي المهرب دون حتى ختم الدخول الذي يتطلب على السائق البحار دفع رسم مالي مكلف ليستعيض عنه برشوة الشرطة على الجانبين؛ كما اخبرنا احد السائقين العراقيين الذي يعمل بحارا بين حين واخر بسيارة مجهزة لهذا الغرص يتناوب مع ابنه عليها.

كما ان اصحاب العقارات في المدن السورية لايحبذون بيعها او استئجارها لابناء بلدهم منتظرين قدوم مشتر او مستأجر عراقي (يدفع بلا وجع قلب).

العراقيون الجدد
حديثو نعمة مميزون بشوارب كثة وبسيارات فارهة وملابس تعكس الوانها ذوق لابسيها. يتحدثون بالملايين وبأسعار العقارات والسيارات. فارتفعت الاسعار في كل سورية لذلك. هذا ماحدثني به اكثر من مثقف سوري وقد شاهدته عيانا.

أرجو ان لاتزعل من كلامي ياأستاذ فعدد العاهرات العراقيات يبلغ في دمشق 30 الفا وعشرة الاف عاهرة من المغرب). بهذه الكلمات بادرني مثقف سوري في جولة ليلية بشوارع دمشق. قلت هذا امر طبيعي ان تلجأ العاهرات لبلد مجاور بعد انتشار ظاهرة الذبح والتكفير من قبل مجموعات دينية متطرفة في البلاد، خشية على حياتهن وسعيا وراء زبائن جدد. كما ان الدعارة في العراق كانت شبه منظمة أي تحظى بحماية الشرطة والامن في النظام السابق. خاصة في مناطق معروفةببغداد وبعض المحافظات العراقية. وقد هاجر المتعاملون فيها بعد السقوط والذين كان معظمهم من الغجر. لكن لااظن العدد يصل لهذا الرقم تحديدا اذ لم تجر اية احصائية.

سألت القائم بأعمال القنصلية العراقية بدمشق صباح الامام عن عدد العراقيين في دمشق والعاهرات تحديدا فقال ان لااحصائية محددة لكن العدد يقارب 400 الف عراقي في عموم القطر السوري. أما العاهرات فإن العدد مبالغ فيه جدا وهذه بالطبع مسؤولية وزارة الداخلية السورية التي القت القبض على عدد من المتهمات بالدعارة بالاضافة الى لصوص عراقيين زودتنا وزارة الخارجية السورية بمذكرات حولهم. لكن عدد المتعاملات في الدعارة من العراقيات بالتأكيد ليس أكثر من السوريات. لنفترض ان عددهن 100 فسيبدو هذا الرقم كبيرا لانهن من العراق وسيغطي هذا الرقم على بقية العراقيين وستتم المبالغة فيه.

جرمانا
في جرمانا بريف دمشق يبدو الوجود العراقي واضحا. بعد ان كان على أي شخص ان يحتاج لساعات من البحث ليعثر على بيت لعراقيين هنا. اما اليوم قد رفع المالكون أسعار العقارات حد ان عجز المواطن السوري عن استئجار شقة لاسرة صغيرة. ففي شارع الحمصي توجد عشرات الشقق المفروشة المملوكة والمستـأجرة من قبل عراقيين او بالاحرى عراقيات يعملن كعاهرات مع قوادين سوريين وعراقيين. يقوم القواد بتسجيل زواجه من العاهرة مقابل مبلغ 400 الف الى 500 الف ليرة سورية أي عشرة الاف دولار تقريبا لعام كامل او اكثر مقابل ان تلبي طلبات زبائنه في أي وقت. ولايقتصر زواجه من عاهرة واحدة انما يتزوج بعضهم باثنتين او ثلاث او اربع سواء كانت سورية او عراقية او تونسية، كما اخبرنا احد مديري المكاتب العقارية، ويتكفل القواد باستعادتها من الامن الجنائي اذا القى القبض عليها باعتباره زوجها وولي أمرها كي تنجو من تسفيرها لبلدها.

في شارع الحمصي القي القبض اوائل الشهر الحالي على 18 عراقيا وعراقية في بيت واحد بتهمة التزوير والدعارة. كما ألقي القبض في الشهر الماضي على ثلاثة عراقيين يهمون بكسر اقفال سوبر ماركت كبير في جرمانا لغرض سرقته.

مدير المكتب العقاري في شارع الحمصي بحي جرمانيا مستغرب من امر العاهرات العراقيات حيث كل عاهرة في العالم تتهرب من الاجابة عن اسمها ونسبها ومدينتها الا هؤلاء فان سألتهن عن مدن اقامتهن بالعراق يبادرن ( النجف) او (كربلاء) وصورهن في جوازات السفر محجبات لدرجة اطلب منهن ان يرتدين الحجاب لاتعرف عليهن بشكل صحيح حين ادون المعلومات في سجل الاستئجار.

ماكولون مذمومون

استغراب مدير المكتب العقاري اجاب عنه ابو زينب العراقي الذي يعمل في مكتب اتصالات في حي السيدة زينب ويرى بأن عراقيي دمشق باتوا مأكولين مذمومين (هؤلاء العاهرات معظمهن غجريات وكن يحظين برعاية علي حسن المجيد وعبد حمود سكرتير صدام وقادمات بجوازات سفر مزورة لغرض الدعارة وتشويه سمعة بعض المدن العراقية وطوائف معينة في العراق حيث يشيع اتباع النظام السابق هنا في دمشق بأن الشيعة والاكراد يبيعون نساءهم للاميركان وهو امر يفضل تصديقه كل من يحب نظام صدام ومازال مخدوعا به. وهن ينتشرن في الغوطة وصحنايا والتل و بعض الفنادق الراقية.).

غجريات التل
في منطقة التل العالية انتشرت الاندية الليلية التي تروج (لحفلات الغناء والرقص البدوي) كما بدا على عدد من واجهاتها باعتبار ان الغجر ينسبون انفسهم للبدو في البلدان العربية كما اخبرني مضيفي.

ماإن تدخل باحة النادي الليلي حتى يصطدم سمعك بموسيقى عالية وغناء غجري مع رقص على المسرح العريض من قبل غجريات عراقيات وسوريات على الحان صارخة كالبرتقالة وغيرها وسط اكوام الاوراق النقدية وهي تتساقط على رؤوس الراقصات اللواتي تترواح اعمارهن ضمن العشرينات. يتقاضين على (النمرة) الواحدة (ساعتين) بين 300 الى 500 ليرة سورية أي من 6 الى 10 دولارات. تبدأ النمرة الاولى عند منتصف الليل وتنهي اخر نمرة في السادسة صباحا. حيث يختص كل نادي بنمرة. كما في نادي السحاب الذي يفتتح النمرات وليس انتهاء بنادي البستان أو الساهر في الاعلى. اذ كلما ارتفعت عاليا باتجاه قمة التل تزداد الاندية ازدحاما حيث الزبائن من تجار سوريين وسائقين ينتظرون زبونا دسما منشغلين بالرقص الداعر وشباب خليجيين يتمايلون على المسرح حينا وعند مدخل النادي حينا اخر.

بدت بعض الطاولات منزويات في كل نادي مخصصات لنساء محجبات خمسينات يدخن النارجيلة ويرقبن بجدية بناتهن على المسرح. قيل لي ان بعضهن سوريات وعراقيات يخشين على بناتهن من جشع الزبائن ورغباتهم المهووسة. وبعضهن مستعدات، كما قيل، لي للتعامل مع الزبون على المبلغ الذي سيصحب الراقصة به لسهرة حمراء خارج النادي.

انتقام
امام تدفق متعاطيات الدعارة من العراق والمغرب وتونس ولبنان وجدت العاهرات السوريات بضاعتهن كاسدة. فلم يكن امامهن سوى إشاعة ان العاهرات غير السوريات، والعراقيات تحديدا، مريضات بالايدز بسبب انعدام الرقابة الصحية في البلد وان معظمهن يعمل بشكل غير رسمي. هذا ما علمته من شاعر عراقي مقيم بدمشق حين سألته عن ماسمعته من سائقي التاكسيات الدمشقيين عن اصابات بالايدز وبين رجال شرطة ايضا. وهي اشاعة سمعتها في اكثر من حي دمشقي بأن عددا من رجال الشرطة في حي اخر اصيبوا بالايدز بسبب عاهرات عراقيات. مع اشاعات اخرى عادة ماتسمعها في التاكسيات والمقاهي الدمشقية يشتم رواتها (هؤلاء العراقيين الذين جلبوا لنا غلاء الاسعار والامراض).

وبجانب الروايات عن العراقيين هناك اشاعة يتداولها اصحاب المكاتب العقارية حول قانون جديد سيصدر العام القادم، يبدو خاصا بالعراقيين حسب الرواة، حول تسفير كل من تثبت ادانته او ادانتها بالسرقة او تعاطي الدعارة او التزوير لبلده بعد اجراء التحقيق اللازم معه وسجن مرتكبي الجرائم داخل سورية وتسفيره بعد انتهاء محكوميته. خاصة ان من بين المقيمين في جرمانا وسواها، حسب الاشاعات، ضباط مخابرات في نظام صدام يزورون الجوازات والوثائق كما يروي بعض السكان.