خُطف ميناس.. لم يُخطف..!!

نزار عسكر من ستوكهولم: تحولت حادثة أختطاف سويدي من أصل عراقي يرأس الحزب الديمقراطي المسيحي العراقي، والتهديد بذبحه، الى قضية سياسية في السويد، شغلت الصحافة والحكومة، وحتى الملك كارل غوستاف الذي يعتبر مركزه معنويا ورمزيا الى حد كبير!
وكانت وكالات الأنباء أعلنت في 28 كانون الثاني ( يناير ) المنصرم، أن مسلحين خطفوا الأمين العام للحزب الديموقراطي المسيحي العراقي ميناس ابراهيم اليوسفي (59 عاما) على الطريق بين بغداد والموصل.
ونقلت عن مصدر في هذا الحزب، هو رياض داود بطرس قوله إن " اليوسفي أستقل سيارة اجرة من بغداد في 28 كانون الثاني ( يناير) عند الساعة العاشرة والنصف صباحا متوجها الى الموصل حيث المقر العام للحزب ومن بعد ذلك أختفت أثاره. وان الخاطفين ارسلوا في 31 من نفس الشهر، رسالة الى أحد أعضاء الحزب، عن طريق الهاتف الخلوي ( الموبيل ) يعلنون فيها خطف ميناس دون تحديد الجهة التي تقف وراء ذلك"!!
وقالت زوجته روناك لشبكة تلفزيون "S.V.T" السويدية الحكومية "ان الخاطفين يطالبون بمغادرة القوات الاميركية من العراق وبجدول زمني لهذا الانسحاب ويطلبون ان تحل الامم المتحدة مكانها".

تشكيك وأتهامات بأختلاق حادث الأختطاف

وفور أعلان الخبر، شككت مصادر سياسية عراقية في صحته، وأستغربت ان يجري أختطاف ميناس اليوسفي الذي ينحدر من منطقة الموصل، وحاصل على الجنسية السويدية، بسبب معارضته للحكومة الأنتقالية في العراق، ووقوفه ضد الأنتخابات التشريعية التي جرت في البلاد في الثلاثين من كانون الثاني ( يناير ) الماضي، وعلاقاته الواسعة بقوى المعارضة الحاليةـ ومشاركته في العديد من نشاطاتها!!
ووصل الأمر بالكثير من الأوساط السياسية العراقية التشكيك في صحة القضية برمتها، متهمة اليوسفي بأفتعال حادثة الخطف لأبتزار السلطات السويدية بهدف الحصول على المال!
وعلى رغم عدم اتهام أي من الأحزاب السياسية العراقية الرئيسية لليوسفي رسميا بذلك، إلا أن الفتور الذي ردت به هذه الأحزاب على عملية الخطف المعلنة، يعكس موقفا سياسيا واضحا.
وكان خاطفو السيد ميناس اليوسفي رئيس الحزب الديمقراطي المسيحي العراقي طالبوا الحكومة الأمريكية بتحديد موعد لخروجهم من العراق دون ان يحددوا هذا الموعد! بالإضافة الى مبلغ اربعة ملايين دولار.
وقد نقل الخاطفون طلبهم من خلال مكالمة تلفونية مع عائلة المخطوف التي تعيش في السويد.
واكدوا ذلك من خلال رسالة بنفس المضمون الى الملك كارل غوستاف ملك السويد.
واكد الخاطفون بانهم سيطلقون سراح اليوسفي في حالة وضع المبلغ المطلوب في سفارة الفاتيكان الموجودة في العراق.
وفي الوقت ذاته، يدور جدل كبير، بين أوساط الجالية العراقية في السويد، حول حقيقة ما جرى. فبعض اللاجئين العراقيين الذين تركوا العراق في عهد نظام صدام حسين السابق، لايترددون في أتهام اليوسفي بأنه كان على علاقة مزعومة بحزب البعث، وأجهزته الأمنية، وانه كان يزور العراق بأستمرار في ظل حكم صدام حسين. حتى ان أكبر موقع على الأنترنيت للمسيحيين العراقيين، وهو " عنكاوا كوم " نشر بعض ردود الفعل لمواطنين مسيحيين يتهمون اليوسفي بفبركة وأختلاق حادث الأختطاف!!
لكن مناصريه وعائلته التي أثارت أهتمام الصحافة السويدية يرفضون بشدة هذه الأقاويل، ويؤكدون بأنه أصلا هرب من العراق قبل عشرين عاما من بطش صدام حسين ومعارضته لنظامه!
وطلبت عائلته عبر المسؤولين السويديين والصحافة من الحكومة السويدية والملك التدخل لأنهاء هذه الأزمة.
وظهر ميناس أكثر من مرة في أشرطة فيديو بثتها وكالات الأنباء والتلفزة العالمية، وهو يعبر عن خشيته من قتله قريبا.
وناشد الرهينة اليوسفي في إحدى هذه الأشرطة الملك السويدي كارل جوستاف، والبابا يوحنا بولس الثاني وكل الوطنيين والشرفاء في العالم مساعدته.
وقال اليوسفي الذي ظهرت خلفه راية سوداء لكتائب الثأر- سرايا ما يسمى "الشهيد العيسوي" التي اختطفته انه تم تحويله الى فرقة الموت وهو مايعنى بالتاكيد قتله واعدامه.

الحزب الديمقراطي المسيحي يستنكر

لم يكن الكثير من العراقيين يعلمون قبل أختطاف السيد ميناس، بوجود هذا الحزب. فالمسيحيون العراقيون على رغم كونهم اقلية دينية في العراق، إلا أن الكثيرين منهم أنتموا الى الأحزاب الوطنية العراقية، ثم الى عدد من الأحزاب القومية.
وأصدر الحزب المذكور بعد أختطاف امينه العام بيانا وقعه فرعا الحزب في اوروبا وأستراليا طالب " الجهة التي قامت بهذا العمل الذي ينافي كل القيم الانسانية ويتعارض مع جميع الشرائع السماوية المنزلة باخلاء سبيل الامين العام للحزب باسرع وقت ممكن ومن دون اي قيد او شرط تقديرا لمواقفه الوطنية المشرفة الرافضة للاحتلال الانغلوامريكي لعراقنا الحبيب ودفاعه عن عراق حر ابي موحد ومن منطلق ضرورة التعايش السلمي بين مختلف مكونات الشعب العراقي بغض النظر عن اختلاف الدين او القومية والرائ والعقيدة." كما جاء في نص البيان.


ردود الفعل في العراق

وفي العراق تباينت ردود الفعل حول مزاعم أختطاف اليوسفي.
الكنيسة الكلدانية وبعد صمت لعدة أيام سارعت الى أعلان موقفها من القضية وطالبت الخاطفين أطلاق سراحه فورا.
كذا الحال بالنسبة الى هيئة علماء المسلمين التي عقدت في بغداد الشهر الماضي مؤتمرا صحفيا مشتركا مع ممثل عن البطريركية الكلدانية، هو المطران شليمون وردوني الوكيل البطريركي للكنيسة الكلدانية.
وأكد المؤتمر على أن اليوسفي وقف منذ البداية ضد الأحتلال الأمريكي للعراق وشارك في نشاطات الأحزاب والفعاليات المعارضة للوجود الأمريكي في العراق.
وعلى رغم الشكوك التي رافقت عملية أختطاف ميناس إلا أن مصادر عراقية مطلعة لم تستبعد في حديث لـ " إيلاف " أن يكون الحادث من عمل عصابات الجريمة المنظمة بهدف الحصول على مبلغ كبير من وراء ذلك!
وذكرت انه وفي ظل الأوضاع الحالية في العراق، فان كل شي غير مستبعد!
أما الامانة العامة للمؤتمر التأسيسي العراقي الوطني دعت (خاطفي رئيس الحزب الديمقراطي المسيحي في العراق ميناس ابراهيم اليوسفي الي اطلاق سراحه والاعتذار له و لأسرته). واوضحت الامانة العامة في بيان لها ان اعضاء الامانة فوجئوا بمطالب المختطفين التي نقلت عنهم بشكل غير مباشر والمتمثلة بتحديد جدول زمني لانسحاب القوات الاجنبية من العراق.
واشار البيان الى ان الحزب الذي يرأســـه اليوســــــفي من " طلائع القوى العراقية الرافضة للاحتلال الاجنبي للعراق ومخططاته".
وكان اليوسفي حضر في كانون الأول ( ديسمبر ) من العام 2004 المؤتمر القومى الأسلامي مع وفدعراقي كبير يعبر عن القوى المناهضة والرافضة للاحتلال، وكان من ضمن الوفد الشيخ الخالصي وباقر إبراهيم ومجموعة من أنصار مقتدى الصدر وآية الله احمد البغدادي.


وفي السويد تكتم حكومي وأحزاب سويدية تنظم مظاهرات

وفي السويد، تفاعلت القضية ودخلت في أطار المنافسات الحزبية، وأتخذتها بعض الأحزاب السويدية وسيلة ضغط على الحكومة.
فبعد أسابيع من عملية الخطف المزعومة، شكت اسرته والسياسي الديمقراطي المسيحي السويدي جوران هاجلوند، مما قالو انه لا مبالاة القادة السوديديين بمصير اليوسفي.
لكن وكالة الأنباء السويدية، نقلت عن جريدة " سيدسفانسكن" قولها إن سفيرة السويد في العراق ( كورين روكسمان ) وسكرتير السفارة ( يورغان ليندستروم )، اللذان يعملان ولأسباب أمنية في العاصمة الأردنية عمان، قد عادا مؤخرا من زيارة قاما بها إلى العاصمة العراقية بغداد دامت مدة أسبوع، أجريا خلالها إتصالات حول القضية.
وقد رفضت وزارة الخارجية السويدية الإدلاء بأي تعليق أو معلومات عن تفاصيل هذه الزيارة. ولازالت الحكومة السويدية ترفض اعطاء المزيد من المعلومات بشأن ذلك، الأمر الذي دفع بالبعض على الأعتقاد بأن هناك قضايا مخفية تبحث وتناقش على أعلى المستويات في الحكومة.
ووجهت شخصيتان أسلاميتان سويديتان، نداء طالبا فيه، خاطفي ميناس اليوسفي بالأفراج عنه.
وصدر النداء بأسم ( ميريام شريفاي ) من قيادة الحزب الأشتراكي الديمقراطي الحاكم، و( محمود الدبعي ) من المجلس الأسلامي في السويد.
وفي هذا الأطار وبمبادرة من البرلمانية السويدية ( سيسيليا فيكتروم ) عن حزب الشعب الليبرالي السويدي، نظم أتحاد الأندية الآشورية في السويد، بالتعاون مع الجمعية الآشورية الكلدانية السريانية في السويد، مظاهرة تضامن مع السيد ميناس اليوسفي.
وجرت المظاهرة في ساحة (Norrmalmstorg) في مدينة ستوكهولم في الساعة الواحدة ظهرا من يوم السبت 5/ آذار ( مارس )الجاري.
ربما الأيام القادمة ستكشف المزيد من المعلومات عن هذه الحادثة التي شغلت وسائل الأعلام السويدية كثيرا. وفي كل الأحوال سيزداد الجدل بشأن القضية كلما حدث تطور نوعي فيها. ويبقى أهم ما أفرزته هو دخول السويد ( الجالدة ذاتها من أجل مبدأ الحيادية ) في معمعة الشأن العراقي!

[email protected]