المسيحيون العراقيون ماض عريق.. وحاضر مجهول( 3 )

من هم الكلدان؟

نزار عسكر من ستوكهولم: يعتقد كلدان اليوم، وهم يشكلون أكثرية المسيحيين العراقيين، انهم أحفاد الحضارة الكلدانية القديمة.
يقول المطران الدكتور سرهد جمو، وهو رجل دين بارز، يعمل مطرانا في ديترويت، مشيغان بالولايات المتحدة الأمريكية: " إن الأسم " كلدي، كلدو، كلداني، كلدان " ظهر في وثائق التاريخ حوالي 900 قبل الميلاد.

أسد بابل يعتبره الكلدان رمز قوتهم
في البداية نجد الكلدان كقبائل آرامية في بابل. وفي عام 625 قبل الميلاد فتحوا بابل وأسسوا إمبراطورية بابلية كلدانية عظيمة استمرت لغاية عام 539 قبل الميلاد حيث سقطت على يدّ كورش الفارسي".
ويضيف: " ان الإمبراطورية الكلدانية كانت التعبير الأخير والمجيد للهوية الوطنية لشعب منطقة بلاد ما بين النهرين القديمة قبل وقوعها تحت سيطرة القوى الأجنبية. وان وجود متكلّمين باللغة الآرامية في بلاد ما بين النهرين الشمالية وسوريا، من ناحية، وفي بلاد ما بين النهرين الجنوبية، من ناحية اخرى، يكشف جليا ان اللغة الآرامية كانت متأصلة في الشمال الغربي من نهر الفرات. كذلك فأن الكلدان يُذكرون في سفر أيوب ( 1:17) من العهد القديم".
في عام 627 قبل الميلاد أصبح نابوبالاسار، بمساعدة القيائل الكلدانية، ملكا على بابل. اذ أعلن الإستقلال عن الإمبراطورية الآشورية، وتحالف مع المديين، وسبّب إنهيار الامبراطورية الاشورية وسقوط نينوى في 612 قبل الميلاد. وبعد ذلك وسّع حكم بابل على كلّ بلاد ما بين النهرين.
عندما اصبح نبوخذنصر الكلداني (604-562) ملكا على بابل يحصل معه التطور التالي:
1 - وصلت بلاد ما بين النهرين إلى ذروة العظمة والمجد، وأصبحت العاصمة بابل حسب الكتاب المقدس "بهاء الممالك وزينة فخرالكلدانيين" (إشعيا 13:19)، "بابل كاس ذهب بيد الرب تسكر كل الارض. من خمرها شربت الشعوب من اجل ذلك جنت الشعوب" (ارميا 51:7).
2 - الكلدان كشعب آرامي أصبح العامل الرئيسي في انتشار اللغة الآرامية وأبجديتها بين شعوب الشرق الأدنى، ومن بينهم الاسرى العبريين من يهوذا.


التنظيمات السياسية الكلدانية

على الرغم من ان الكلدان شكلوا تنظيماتهم السياسية حديثا، إلا ان سياسيهم أنتظموا في العقود الأخيرة من عمر الدولة العراقية الحديثة، في الأحزاب الوطنية العراقية، مثل الحزب الشيوعي العراقي، وفي الأحزاب القومية الكردستانية كالحزب الديمقراطي الكردستاني. وأطراف أخرى.
وتتوزع الخريطة السياسية الكلدانية بين أحزاب ومنظمات سياسية متفرقة في الداخل والخارج، مثل حزب الأتحاد الديمقراطي الكلداني، والمجلس القومي الكلداني، والمنبر الديمقراطي الكلداني، وغيرها الكثير!


المنبر الديمقراطي الكلداني

يقف المنبر الديمقراطي الكلداني، وهو تنظيم سياسي حديث التكوين، في موقع أقرب الى الديمقراطية والعلمانية المنفتحة على كل تسميات مكونات المسيحيين العراقيين القومية من ( كلدان - آشوريين – سريان ).
ويعتبر المنبر " الكلدان والآشوريين والسريان، هم ابناء وان هذه التسميات التي امتلكتها، ما هي الا تداول الحضارات التاريخية التي زرعتها في بلاد ما بين النهرين – العراق".
وفي أكثر من مناسبة أعلن المنبر، "ان تأسيسه هو استجابة للحاجة الملحة للواقع الحالي على الصعيدين القومي والوطني، فالمنبر يستند في مواقفه على رؤية وطنية وديمقراطية شاملة، وعمله ونشاطه سوف يساهم في خلق توازن سياسي داخل الأطار القومي الكلدآشوري، ويضيف بعداً وثقلاً سياسياً ديمقراطياً على الساحة السياسية العراقية، من خلال المساهمة الجادة في تعبئة القدرات والطاقات الكبيرة للكلدان وعلى جميع الأصعدة".
وجاء في البيان الذي أصدرته اللجنة التحضيرية للمنبر، ان المشروع " انطلق من ولاية مشيغن والتي تقطنها اكبر جالية كلدانية، ليس في الولايات المتحدة الامريكية وحسب، بل وف جميع المهاجر وبلدان الأغتراب في العالم. ورغم التجاوب والتعاطف الذي حظي به بين ابناء الجالية الكلدانية وبخاصة من قبل المثقفين والمهتمين والناشطين الكلدان الا ان المشروع يطمح الى تغطية كل الارجاء المعمورة التي يقطنها الكلدان وخاصة الوطن الأم العراق، التي يجري العمل والتنسيق مع النخب الكلدانية هناك لتشكيل مركز المنبر".
وبحسب البيان المذكور، فان المنبر يسعى " للمساهمة الجادة لأعادة بناء العراق الديمقراطي الفيدرالي الموحد، والذي يضمن ويكفل حقوق جميع القوميات والاديان والمذاهب".
كما سيعمل المنبر من اجل "شد اواصر الجاليات العراقية والكلداينة منها خاصة بالوطن الأم - العراق وتشجيع الطاقات والامكانيات الكبيرة التي تمتلكها هذه الجالية للمساهمة الفعالة والضرورية في عملية اعادة البناء في العراق". "وتشكيل لوبي سياسي ومؤثر في بلدان المهجر بما يخدم قضايانا الوطنية والقومية ويدافع عن حقوق هذه الجاليات ويصون حريتها وكرامتها".


حزب الأتحاد الديمقراطي الكلداني

أما حزب الأتحاد الديمقراطي الكلداني، الذي يرأسه عبد الأحد أفرام، فقد جاء في وثيقته البرنامجية، انه " حزب قومي اتحادي جماهيري يتكون من اتحاد طوعي لأفراد يحملون مشاعر قومية كلدانية ويتحملون مسؤولية قيادة الأمة الكلدانية ويمثلون كافة فئات الشعب". وأن الحزب " يناضل من اجل الإقرار بالوجود القومي الكلداني في الإقليم ( أي أقليم كردستان العراق) والعراق والاعتراف بالكلدان كقومية عريقة في هذا البلد و إقرار ذلك في الدستور.
ولا يؤيد هذا الحزب، كما نصت وثائقه، نظام الميليشيات ويسعى إلى "توحيدها تحت مظلة واحدة لا ترتبط بأي كيان سياسي" لكنه يرى في الوقت ذاته بان " الظرف الذي نعيشه ونمر به يتطلب تشكيل قوة كلدانية تقوم بحماية وحراسة مقرات الحزب والمسؤولين فيه على أن تساهم هذه القوة في كل ما من شأنه حماية أمن ومصالح الإقليم والوطن ووحدته لحين إيجاد البديل لهذه الميليشيات الحزبية.. ".
وفي الرابع من تشرين الثاني ( نوفمبر) من العام المنصرم، 2004، وبينما كانت أعمال العنف متفجرة في كل مكان، أعلن المكتب السياسي لحزب الأتحاد الديمقراطي الكلداني، عن مقتل قيادية في الحزب، هي الدكتورة نادية حنا مرقس، على يد الأرهابيين وهي في طريق عودتها من سوريا الى بغداد قرب الفلوجة.
وجرح في هذه العملية، زوجها وأبنها.


المجلس القومي الكلداني

المجلس القومي الكلداني هو تنظيم سياسي آخر، حديث العهد، يرأسه غسان شذايا، له فروع في الكثير من دول العالم. وبحسب ما جاء في وثيقة النظام الداخلي له، فهو" تنظيم قومي سياسي ديمقراطي قائم على أسس طوعية بين أبناء أمتنا الكلدانية، ويتميّز المنتمون اليه بنكران الذات من أجل قوميتهم الكلدانية وتراثهم العريق الممتد من السومريين، الأكديين، البابليين، الآشوريين، والكلدان الى يومنا هذا، ويعتزّون بانتمائهم الى دينهم المسيحي"
ويؤكد المجلس انه يعمل من أجل:
1) الأقرار بالوجود القومي الكلداني ولغته الكلدانية في الدستور العراقي، وبما يعزّز التآخي والألفة بين أبناء شعبنا العراقي.
2) ضمان الحقوق القومية والسياسية والثقافية والأدارية لأبناء شعبنا الكلداني.
3) تمثيل أبناء شعبنا الكلداني في التشكيلات الوزارية والأدارية والدستورية والمحاكم، وضمان حقهم في انتخاب أو ترشيح ممثليهم في الهيئات التشريعية والتنفيذية وغيرها.


موقف رجال الدين الكلدان من القضية القومية الكلدانية

تتراوح مواقف رجال الدين المسيحيين من القضايا القومية والسياسية، بين من يؤيد علنا خوض غمار العمل السياسي، وبين من لايتدخل بصورة مباشرة! لكن الأغلبية الساحقة منهم تعلن مرارا انها تؤيد كل الأحزاب والمنظمات السياسية القومية التي تعمل من اجل " حقوق شعبنا " !.
وفي الوقت الذي تضغط الأحداث في العراق على رجال الدين المسيحيين في داخل البلد بأتجاه مواقف مرنة، تراعي كون المسيحيين أقلية يواجهون عنفا متزايدا من قبل الجماعات المسلحة، خصوصا بعد تفجير الكنائس، فان أساقفة الكلدان في أمريكا، قدموا بعد شهر من سقوط النظام السابق، رؤية أساسية لدور ومكانة الكلدان في العراق الجديد.
و

المطران الكلداني مار سرهد جمو
وقع وثيقة الرؤية، كل من المطران الكلداني مار ابراهيم ابراهيم ومقره في ديترويت، مشيغن والمطران الكلداني مار سرهد جمو ومقره في سان دييغو، كالفورنيا: ومما جاء في الوثيقة:

1) الكلدان المعاصرون هم احفاد سكان بلاد الرافدين الاصليون، وهم الورثة الحقيقيون لحضارتها واستمراريتها، وخصوصا من خلال محافظتهم على اللغة الارامية وثقافتها وميراثها. تبنى اجدادهم الديانة المسيحية في القرون الاولى من بدء انتشارها. وكنيستهم، الكنيسة الكاثوليكية الكلدانية، في اتحادها مع الكنيسة الكاثوليكية في روما، هي الوريث الشرعي لكنيسة بلاد الرافدين العريقة، كنيسة المشرق.

2) منذ منتصف القرن السادس عشر وحتى اليوم، قامت الاغلبية الساحقة من مسيحيي بلاد الرافدين - العراق، بأعادة استخدام اسم شعبهم الكلداني العريق كتعبير عن هويتهم الاثنية والثقافية. هذه التسمية في الحقيقة ترتبط بآخر امبراطورية وطنية لبلاد الرافدين بعاصمتها الزهية بابل، قبل ان يقوم الغزاة الاجانب باحتلالها (ومنهم، الفرثيون والفرس والعرب والمغول واخيرا الاتراك العثمانيون). ان اللغة العريقة لكلدان اليوم والقدامى هي الارامية، نفس اللغة التي نطق بها يسوع المسيح.

3) ان التركيبة الاثنية والثقافية لسكان العراق تتكون من هذه الاثنيات:
( العرب 70% ) (الاكراد 20% ) ( الكلدان 3.5% ) ( السريان 1.0% ) ( الاشوريون 0.5% )( التركمان 2.5% ) ( بقية الاقليات 2.5% )

ومع كونهم قليلي العدد نسبيا، الا ان كلدان العراق هم اكبر بكثير من كونهم اقلية عددية. فهم يمثلون البقية التاريخية لسكان بلاد الرافدين القدامى. واكثر من هذا فأن قراهم ومدنهم التاريخية تقع ضمن الحدود الحالية لدولة العراق.
بالنسبة للدين: ان من الضرورة الالزامية للدستور العراقي ان يضمن حرية الاديان، وان لا يكون الاسلام دين الدولة وان يتمتع جميع المواطنين بغض النظر عن معتقداتهم بحقوق متساوية. ولهذا فأن فصل الدين عن الدولة يجب ان يكون القانون الصريح للعراق الجديد.

وفي الثالث من أيلول ( سبتمبر ) عام 2003 ارسل 19 مطرانا كلدانيا رسالة موقعة بختم بطريكية بابل على الكلدان رسالة الى الحاكم المدني الاميركي للعراق أنذاك، بول بريمر، حددوا فيها موقفهم من عدم تمثيل الكلدان في مجلس الحكم والحكومة العراقية الجديدة !
وذكرت الرسالة "ان الكلدان بحسب عددهم ونسبتهم السكانية يشكلون ثالث قومية في العراق، فهم يأتون مباشرة بعد العرب والأكراد، وأن حضورهم الأجتماعي والثقافي والأداري واضح تمام الوضوح، في كافة انحاء العراق لاسيما في بغداد وفي الشمال، ومنذ تأسيس العراق كان للكلدان دور فعال وبارز في تكوين الدولة العراقية، وكان بطريريك الكلدان عضوا في مجلس الأعيان حتى سقوط الملكية. أما بين المسيحيين فنسبة الكلدان تتراوح بين 75 – 80 %. علما ان حضورهم الثقافي يتجاوز بكثير نسبة عددهم".
وأنتقدت الرسالة الحاكم المدني الأمريكي بريمر، وأتهمته بتجاهل ثقل الكلدان وعدم تمثيلهم في مجلس الحكم المؤقت.

العلم الكلداني

العلم الكلداني

لعلم الكلداني فيه نجمة ثمانية بابلية. وعدد من التنظيمات الكلدانية العراقية تتبنى هذا العلم الذي صممه الفنان عامر فتوحي. منها الحزب الديمقراطي الكلداني، الرابطة الدولية للفنانين المحترفين الكلدان، المركز الثقافي الكلداني الأمريكي، جمعية الثقافة الكلدانية الأسترالية، جمعية أور الكلدانية في الدانمارك، جمعية الفادي في ألمانيا، والعديد من المنظمات والجمعيات الكلدانية الأخرى.

الجزء ( 4 ) والأخير
المسيحيون العراقيون مصدومون

[email protected]


المسيحيون العراقيون، ماض عريق وحاضر مجهول(1)

المسيحيون العراقيون، ماض عريق وحاضر مجهول(2)