سياسي مصري لا يتوقع أن تؤثر في علاقات القاهرة والرياض
ردود الفعل تتصاعد حول أزمة الطبيبين المحكومين في السعودية


مثقفون يستغربون الأسلوب المصري ومدونون يطالبون بعقوبات أشد

نبيل شرف الدين من القاهرة : تصاعدت في مصر أصداء قصة الطبيبين المصريين المحكوم عليهما بالسجن والجلد في المملكة العربية السعودية، وارتفعت نبرة الانتقادات في وسائل الإعلام المصرية الموجهة لكل من السلطات السعودية والمصرية على حد سواء، وانهالت الاتهامات في العديد من الصحف المصرية على الرياض، بتعمد الإساءة إلى العاملين المصريين، واستغلال نظام الكفيل في إذلالهم، فضلاً عن تطبيق العقوبات البدنية التي وصفها المعلقون بأنها لا تتسق مع المواثيق الدولية التي وقعت عليها السعودية، وكذا النظام القضائي الذي وصفه كتّاب الرأي في الصحف المحلية بأنه يخضع لسطوة رجال الدين ولا يكفل الضمانات الكافية للمتهمين وغير ذلك من الانتقادات .

كما وُجهت سهام النقد أيضاً بصورة أكثر شراسة للسلطات المصرية، التي اتهموها بالضعف، وفي هذا السياق كتب السفير السابق سيد المصري مقالاً في صحيفة quot;المصري اليومquot; قال فيه : quot;أنا لا ألوم السلطات السعودية وحدها في هذا الشأن فمسؤولية الحكومة المصرية أشدّ، وتقاعسها أدعى إلى اللوم، فقد تمت معالجة الموضوع على مستوى القنصل في جدة والمستشار العمالي شأنه شأن أي مشكلة قنصلية روتينية بسيطة .. لذا فلم أندهش من عدم استجابة السعودية للمسعى المصري لأنها فهمت - وبحق - أن الموضوع لا يثير اهتمام السلطات الأعلى في مصر التي تركته للمستوى القنصلي العاديquot;.

في المقابل رأى كتاب آخرون ومنهم خيري رمضان في quot;المصري اليومquot; أن ما يجري يعد شيئًا خطرًا، أن يتحول الإعلام بكل أدواته، إلى منصة قضاء أعلى من منصات القضاء الفعلية، فيقبل أحكامًا ويرفض أخرى، يبرئ مدانين ويدين أبرياء مستندًا في ما ينشر أو يذاع إلى أقوال المحامين، وهم دائمًا أصحاب مصلحة عليا في براءة موكليهمquot;، وأعرب رمضان عن اعتقاده أن quot;ما يحدث الآن فتنة بين دولتين، ففي السعودية ما يقرب من مليوني مصري يعملون في أمان ويساهمون في الدخل القومي لمصر، ومن السعودية يأتي إلى مصر آلاف السائحين معززين مكرمين، ولكن أسلوب النشر المستفز يشعل النيران بالكلمات ورسومات الكاريكاتير، فهل ننتظر تسخين المشاعر، حتى نفاجأ بضرب السعوديين في الشارع، أو صدور قرارات بالتوقف عن التعامل أو جلب العمالة المصريةquot; .

وتأتي الأزمة الراهنة بين القاهرة والرياض مفاجئة لمسيرة التعاون الثنائي بين الجانبين فى مختلف المجالات، حيث تستضيف السعودية أكثر من مليون مصري عامل لديها، وتعتبر أيضاً الشريك التجاري العربي الأول مع الحكومة المصرية، وقد تحاشى الرئيس المصري حسني مبارك إبداء أي موقف تجاه هذه الأزمة، التي ترى مصادر دبلوماسية عربية أنها لن تؤثر في مسيرة العلاقات الثنائية على صعيد صنّاع القرار في البلدين .

منظمات وهيئات
أما على صعيد ردود الفعل لدى المنظمات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني، فقد انصبت جميعها تقريباً في صف الطبيبين المصريين، وفي هذا السياق أعرب المجلس القومي لحقوق الانسان عن أمله في أن تقوم السلطات السعودية بجهودها من أجل تسوية مشكلة الطبيبين المصريين المحكوم عليهما بالسجن والجلد 1500 جلدة مطالبا هيئة حقوق الانسان السعودية بالعمل على وقف تنفيذ العقوبة، وقال البيان الصادر عن المجلس إن الدكتور بطرس غالي رئيس المجلس بعث رسالة إلى تركي بن خالد السديري رئيس هيئة حقوق الانسان في السعودية .

كما أعربت عدة منظمات حقوقية مصرية عن قلقها البالغ إزاء الحكم على الطبيبين المصريين بالجلد مطالبة السلطات السعودية بعدم توقيع عقوبة الجلد عليه إعمالا للمواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان التي تحرم العقوبات البدنية.

كما أكد عدد من علماء الأزهر رفضهم لتطبيق هذه العقوبة، قائلين إنها مغلظة بشدة ولا أساس لها في الإسلام وأنها تعادل نحو 20 ضعفا من تطبيق عقوبة شرب الخمر، وهو ما يشير إليه الدكتور محمد رأفت عثمان عضو مجمع البحوث الإسلامية، الذي رأى أن هذا الحكم يخالف أحكام الشريعة الإسلامية التي لا تقضي في كل الأحوال بحكم الجلد بأكثر من عشر جلدات بشكل اجمالي وأن 1500جلدة رقم مبالغ فيهquot;، حسب قوله.

أما نقابة الأطباء المصرية فقد أدانت الحكم السعودي على الطبيب المصري رؤوف أمين بالسجن 15 عاما والجلد 1500 جلدة لاتهامه بالتسبب في إدمان إحدى السيدات للمورفين بعد إعطائه إياها جرعات زائدة خلال علاجه لها إثر تعرضها لحادث مروري.

وقال د. حمدى السيد نقيب الأطباء المصريين إن المحاكمة كانت غيرعادلة وإن الحكم أسوأ من حكم الإعدام خاصة إذا ماوضعنا فى الاعتبار أن العقوبة الصادرة ضد الطبيب المصري قد غلظت وضوعفت من سبع سنوات سجن و750 جلدة إلى 15 عاما و1500 جلدة .

من جانبه صرح نجيب جبرائيل المحامي، رئيس الاتحاد المصري لحقوق الإنسان، بأن وفدا من الاتحاد التقى السفير أحمد رزق، مساعد وزير الخارجية لشؤون المغتربين في الخارج، وناقش معه سبل مساعدة الطبيب المصري والإفراج عنه .

كما كشف جبرائيل عن ملابسات القضية قائلاً: quot;الطبيب المصري كان يعالج زوجة إحدى الشخصيات المهمة في المملكة، التي كانت تعاني آلاما مبرحة في العمود الفقري والفقرات القطنية في الظهرquot;.

وأوضح أن هذه الزوجة سبق أن أجرت بسبب هذا المرض عدة عمليات جراحية خارج المملكة بالإضافة إلى أنها عولجت في مستشفى أحد الأطباء في مصر أي أنه ليس الطبيب الأول في مباشرة حالتها، وقال quot;إن هذه الجرعات قد أثبتت التحقيقات في القضية أنها كانت تصرف من المستشفى الحكومي الموجود في جدةquot;، لكنها أقبلت عليها لدرجة إدمانها دون علمه، لكنها وزوجها اتهماه بأنه السبب في إدمانها المخدرات، واتهم جبرائيل الخارجية المصرية بـ quot;التقاعسquot;عن حماية مواطنيها، على حد تعبيره .

الموقف الرسمي
وعلى الصعيد الرسمي قال السفير أحمد رزق مساعد وزير الخارجية المصري إننا نتابع قضية الطبيب المصري وقد كلف القنصلية المصرية في جدة بإجراء الاتصالات اللازمة مع السلطات السعودية لمحاولة وقف تنفيذ الحكم وخاصة الحكم بالجلد لحين البث النهائي في القضية من مجلس القضاء الأعلى السعودي.

وأعلنت عائشة عبدالهادي وزيرة القوى العاملة في مصر أنها قررت زيادة فرص عمل الأطباء المصريين في دولة الإمارات العربية بديلاً من السعودية، كما أصدرت قراراً بحظر التعامل مع 26 شركة ومؤسسة خاصة في السعودية، وعدم سفر عاملات مصريات من أصحاب المهن المحظورة ومن في حكمهن إلى أي دولة عربية، كما أصدرت الوزيرة قرارا بمنع سفر الأطباء الجدد للتعاقد والعمل لدى مستشفيات القطاع الخاص في المملكة العربية السعودية.

من جانبها أصدرت السفارة السعودية في القاهرة بيانا تدافع فيه عن الحكم، وجاء فيه أنه بعيدا من ملابسات القضية، وهي مسألة يحسمها القضاء السعودي، كما يُترك للقضاء المصري حسم تلك المسألة بالنسبة إلى المتهمين السعوديين في قضايا مماثلة داخل الأراضي المصرية، بغض النظر عن تلك المسألة، فإن حجم الحكم الصادر بحق المتهمين يعد من الأحكام متوسطة القسوة كما أن نظام العقوبات المقررة لجرائم المخدرات في المملكة العربية السعودية يقرر عقوبة الإعدام لمهرب المخدرات، والطبيب الذي يتاجر بالعقاقير المخدرة التي تدخل البلاد تحت بند العلاج يندرج ضمن المهربين .

ومضت السفارة السعودية في القاهرة قائلة في بيانها إن الطبيب المصري شوقي إبراهيم أخصائي الباطنة في مستشفى quot;الأنصارquot; في جدة محكوم عليه بالسجن 20 عاما و1470 جلدة فقط، وأن الطبيب رؤوف العربي أخصائي الجراحة محكوم عليه بالسجن 15 عاما و1050 جلدة فقط، وقالت السفارة إن هذا يؤكد خطأ ما ورد في وسائل الإعلام المصرية عن الحكم بجلد أي منهما بـ1500 جلدة .

رواية الطبيب
وأخيراً نصل إلى الرواية المنسوبة إلى الطبيب والتي استقيناها من أسرته، فخلال اتصال مع السيدة فتحية شاهين، زوجة الطبيب المصري رؤوف العربي المتهم بالتسبب في إدمان السيدة السعودية، قالت: quot;منذ 5 سنوات استدعته شخصية سعودية كبيرة لعلاج زوجته في قصره وتبين أنها أصيبت بكسر في الظهر ونقلت إلى أميركا للعلاج حيث حقنت هناك بالمورفين المخدر لتسكين آلامها، غير أنها أدمنته بعد عودتها إلى المملكة، فقرر زوجها الطبيب بالاتفاق مع الزوج علاجها من الإدمان حتى تعافت منه تماما في شهر مارس الماضيquot; .

ونقلت زوجة الطبيب المصري عنه قوله لها إنه تعرض لتهديدات أثناء التحقيق معه، وتم الضغط عليه لكي يكتب ورقة بخط يده، يقول فيها إنه باع للدكتور شوقي عبدربه المتهم الثاني عدد مائة حقنة بخمسة آلاف ريال سعودي، وأضاف العربي في التماس قدمه إلى المحكمة، أنه تعرض للتهديد بأنه لن يطلق سراحه أبدا، إلا إذا كتب هذه الورقة، وقد تم هذا أمام عسكري رفض أن يوقع على الورقة كشاهد، وهو ما دعا الضابط إلى أن ينهره طالبا منه تنفيذ الأوامر، مشيرا إلى أنه تم التحقيق معه بواسطة المباحث، وليس إدارة مكافحة المخدرات طبقا للقانون السعودي، وكانت تملي عليه إجابات بعينها، مثل أن التقارير الطبية للمريضة لم تكن تحتوي على أدوية مخدرة، ونوه بأن التقارير الطبية الموجودة في المستشفيات التي دخلتها المريضة، تثبت أن هذه الأدوية وصفت لها عن طريق أكثر من طبيب معالج ، لافتا إلى أنه لم يمثل أمام هيئة التحقيق والادعاء قبل المحاكمة، وتم منعه من توكيل محام .

وحسب الرواية التي نشرتها صحيفة quot;البديلquot; المصرية المستقلة قائلة إن المريضة التي اتهم بأنه تسبب في إدمانها كانت تأخذ عقارquot;البيثادينquot; المصنف بالجدول أنه أشد تأثيرا من عقار quot;الدروميكمquot;، قبل أن يعين هو طبيبا مرافقا لها .

ومضى الطبيب المصري قائلاً إن معرفته بالمريضة جاءت أثناء فترة عمله مديرا لمستشفى السلام في جدة، حين حضر وكيل الزوج يطلب ممرضة لإعطاء زوجة الأمير حقنة quot;بيتيدينquot; وأحضر صورة من تقاريرها الطبية حيث كانت تعاني آلاما شديدة بالظهر نتيجة كسر الفقرات، وأجريت لها عدة عمليات في المملكة وأميركا وفرنسا منذ ثلاث سنوات وهي تعتمد على أقراص quot;مورفينquot; ترسل إليها بانتظام من أميركا .

وتابع الدكتور العربي قائلا في الالتماس: quot;أرسلنا استشاري جراحة المخ والأعصاب واستشارية الأمراض النفسية والعصبية للكشف على زوجة الأمير، قبل إعطائها الحقنة، وبعد الكشف وافقوا على إعطائها، وقد طلب مني صاحب المستشفى أن أرافق الممرضة عندما تقوم بإعطاء المريضة هذه الحقنة لمتابعتها، وطلبت مني المريضة بعد ذلك أن أكون طبيبا مرافقا للأسرة، وأتابع حالتها أولا بأول، وأن أسافر معهم إلى الخارج لأكون همزة وصل بينهم وبين الأطباء المعالجين وهو ما حدث بالفعل، وتم نقل كفالتي من المستشفى إلى الأمير واتصل بي الطبيب الذي يعالجها منذ أكثر من ثلاث سنوات، وطلب مني أن أوقف حقن quot;البيتيدينquot; واستبدالها بحقن quot;دورميكيمquot; لأنها أخف في تأثيرها حتى يتم الانتهاء من كل الأدوية، وهو سوف يكتب الوصفة الطبية لهذه الحقن، وفعلا بدأت مرحلة العلاج، وأثنائها دخلت عدة مرات مستشفى الملك فيصل التخصصي، وكانت تعالج بالعلاج نفسهتحت إشراف استشاري التخدير وعلاج الآلام الدكتور أسامة الأهل، وسافرنا مرات عديدة خارج المملكة ودخلت المستشفى في إنكلترا وفرنسا ومصر، وكانت معظم فترات السنة نقضيها خارج المملكة، وكنت على اتصال دائم بالطبيب المعالج .

وحدث مرتين أن انتهت حقن الدروميكم والتي لا تصرف إلا بواسطة الدكتور المعالج والمريضة تعاني آلاما شديدة بالظهر، وكذلك في المعدة، ولا تستطيع أن تأخذ أقراص المورفين فذهبت إلى عدة مستشفيات ولم أجدها، وعند سؤالي لصيدلي مستشفى الأنصار، أفاد أنها موجودة في قسم الطوارئ فدخل إلى قسم الطوارئ وطلب من الممرضة أن تقابله بأحد الأطباء فقابلته بالدكتور شوقي عبدربه وأعطاني الحقنة.

وكانت هذه هي كل معرفتي بالمدعو شوقي وكان ذلك في أواخر عام 1425 هجريا ومرة أخرى في منتصف عام 1426 هجريا، أيضا ثابت في أقوال الدكتور شوقي في القضية أنه لا يوجد أي مشاركة بيني وبينه، ولم أره بعد ذلكquot;.