آلاف المسلمين حاصروا بناية بالقاهرة دشنت كدار خدمات مسيحية
النيابة المصرية تجري تحقيقات مع الموقوفين وسط أجواء احتقان

تظاهرة للأقباط
نبيل شرف الدين من القاهرة: مرة أخرى عادت التوترات الطائفية لتطل برأسها في مصر، وهذه المرة اتخذت شكلاً أكثر حدة، حيث تجمع آلاف المسلمين أمام بناية حولت إلى دار للخدمات المسيحية شرق القاهرة، الأمر الذي يحذر معه المراقبون من أن تواتر هذه الأزمة من شأنه تجذير الأزمة الطائفية، على نحو ينذر بعواقب وخيمة، ويعمق الفجوة بين أبناء الوطن، هذا فضلاً عن الفاتورة النفسية الأضخم والأعمق، التي تضع السلام الاجتماعي في مصر على المحك، وترفع من طبيعة هذا الملف إلى مرتبة quot; الأمن القومي quot;، وتعكس فشل الحلول التقليدية التي ظلت تستخدمها السلطات في مواجهة هذه الأزمة، كما أظهرت بشكل واضح أنها لا تعدو أن تكون مجرد مسكنات لا ترقى لدرجة الحسم الحقيقي لتلك الأزمة، بل على العكس راحت تتصاعد .

أما في التفاصيل فقد بدأت النيابة العامة في مصر تحقيقاتها مع عدد من المسلمين والمسيحيين بتهمة التجمهر وتخريب الممتلكات العامة والخاصة بعد أحداث شهدتها منطقه عين شمس الغربية شرق القاهرة ليلة أمس حين تجمع آلاف المسلمين بعد صلاة العشاء أمام أحد المنازل التي حولها أقباط المنطقة من مصنع إلى مقر خدمات، بعد تقنين الإجراءات الرسمية وافتتاحها وهتف المتجمعون أمام المنزل حتى حضرت حشود من قوات الأمن في محاولة لتفريقهم بالقنابل المسيلة للدموع ووقعت اشتباكات وحدثت عمليات إتلاف لبعض المنشآت والسيارات التي يمتلكها مسيحيون يقيمون في تلك المنطقة الشعبية التي تقع على تخوم العاصمة المصرية .

وحسب شهود العيان فإن هذه الأزمة ترجع إلى عام ونصف مضى، حين اشترى الأقباط أحد المصانع وأقاموا عليه دار خدمات بترخيص، وحين شرعوا في بنائه فوجئوا بمضايقة المقاول والعمال وتهديدهم بالاعتداء، وأثناء إقامة قداس بمناسبة افتتاح المبنى فوجئ المصلون الأقباط بإمام المسجد المقابل يقول عبر الميكرفونات بأن صلاة عيد الأضحى بدأت من اليوم وحتى حلول العيد، وتحدث شهود العيان عن توافد عدد كبير من الناس من مناطق قريبة، وتجمهروا أمام البناية وراحوا يهتفون وحضرت أعداد كبيرة من قوات الأمن للمكان، كما فشلت محاولة أحد الشيوخ في تفريق هؤلاء المحتجين الغاضبين، الذين ألقت قوات الأمن القبض على أعداد منهم، وأحالتهم على النيابة العامة بتهمة التجمهر والتخريب .

شهادات ومشاهد

كنيسة عين شمس
ومازلنا مع الشهادات التي سجلها شهود عيان، تحدثت معهم (إيلاف)، وقالوا فيها إن آلاف المسلمين حاصروا البناية بعد أن صلى فيها المسيحيون بمناسبة افتتاحها رسمياً كدار للخدمات وأشار الشهود إلى أن آلاف الأشخاص ـ كان معظمهم من الشباب ـ قدموا في جماعات من عدة أماكن إلى البناية واحتشدوا أمامها، وأغلقوا عددًا من الشوارع في المنطقة رددوا هتافات تقول quot;سنهدم الكنيسةquot; وquot;بالروح بالدم نفديك يا إسلامquot;، وquot;إسلامية .. إسلاميةquot;، وquot;خيبر خيبر يا يهود .. جيش محمد سوف يعودquot; وغيرها من الهتافات.

ومضى شهود العيان الذين تحدثت معهم (إيلاف) قائلين إن حشودًا من قوات الأمن ظلت طوال الليل تحاول إبعاد المسلمين المحتجين لكن بعض الرجال والنساء ألقوا الحجارة والزجاجات الفارغة من الشرفات واسطح المنازل على الجنود .

وقالت مصادر رسمية لـ (إيلاف) إن هذه البناية عبارة عن منزل قديم يعاد انشاؤه وان حوالي مئة مسيحي صلوا فيه يوم الأحد قبل أن يحاصره المسلمون المحتجون، وأشارت المصادر ذاتها إلى أن عضوًا بارزًا من جماعة quot;الإخوان المسلمينquot; حرض المصلين في أحد المساجد بعد صلاتي المغرب والعشاء على الاحتشاد لمنع تدشين دار الخدمات التي وصفها بأنها quot;كنيسةquot;، خلافًا لما تشير إليه الوثائق الرسمية .

مسلمون وأقباط
وسبق أن تفجرت خلال الأعوام الماضية عدة توترات طائفية بين المسلمين والمسيحيين، الذين يشكلون ـ وفقًا للتقديرات الرسمية ـ نحو عشرة في المئة من سكان مصر الذين يزيد عددهم على 75 مليون نسمة، في حين تؤكد الكنيسة القبطية ان عددًا يصل الى أكثر من عشرة ملايين نسمة، أثارت عدة مصادمات دامية حينئذ ، ففي عام 1999 قتل 19 قبطيًا ومسلمان، واصيب 33 اخرون كما دمرت عشرات المحال التجارية خلال اشتباكات استمرت لعدة ايام في قرية الكشح في محافظة سوهاج جنوبًا، فضلاً عن أحداث أخرى أقل خطورة في أماكن متفرقة من البلاد .

وجرت أقدم حوادث الصدام الطائفي في مطلع السبعينات من القرن الماضي حين تعرضت كنيسة بمنطقة الخانكة شرق القاهرة للحريق واعتبرت القيادة السياسية وقتئذ ان هذا الحادث شأن سياسي يعالج سياسيًا، وبالفعل شكلت لجنة تقصي حقائق برئاسة القانوني البارز د. جمال العطيفي، وأعدت اللجنة تقريرا مهما عن المسألة القبطية بكافة أبعادها، إلا أن التقرير لم تجرِ مناقشته ولم يؤخذ بأي من التوصيات الواردة فيه، بل سلم الملف القبطي لأجهزة الأمن أسوة بملف الأصولية الإسلامية التي خاضت مواجهات دامية ضد السلطة خلال العقود الماضية .