عبد الرحمن الماجدي: في السابع عشر من شهر نوفمبر الماضي إقترح ناشر إيلاف ورئيس تحريرها استضافة الصحافي الكبير غسان تويني الذي تصادف وجوده في فندق انتركونتينينتال أبو ظبي نفسه الذي ضم عددًا من كادر إيلاف الذي اشترك في مؤتمر الاعلام الإلكتروني الذي أقيم بمبادرة من إيلاف ورعته وزارة التعليم العالي في دولة الإمارات العربية المتحدة للفترة من 16 الى 17 من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2008.

حين اكتمل الحضور المحتفي، وكنا رتبنا مكان جلوسه بيننا ليصل صوته للجميع وليسمع كلَ متحدث منا معه، جهّز بعضنا آلة تسجيله أو عدسة الفيديو ليقتنص من حديث الرجل الذي عاصر شخصيات وكان شاهدًا على أكثر من حدث داخل لبنان وخارجه، بل وساهم بصناعة بعضها.

فكان حديثه بصوته المنخفض قد زاد الجلسة إثارة، فآذان الجالسين تصغي له قدر ما استطاعت لذلك سبيلاً، وكلما تقدم الوقت يزداد حديثه خطورة وكشفًا لأوراق ربما لم تكشف في هكذا جلسة قبل جلسة إيلاف.

لقد كان الرجل وهو يدنو من التسعين في راحة تامة ومستمتعًا بوجوده مع كادر إيلاف الذي يغلب عليه الشباب من زميلات وزملاء أحاطوا به بأسئلتهم وباصغائهم إلى حديثه المتشعب ذي الشجون السياسية في الأغلب.

كشف أسرارًا لم تكشف من قبل، وقد اجتهد الزملاء لتوثيق، صوتًا وصورة، ما إلتهمته أجهزتهم من أحاديثه، خاصة تلك التي يزيدها إثارة تأكيده على أنها ليست للنشر، دون أن يطلب إغلاق أجهزة التسجيل أو التصوير.

فمن السجن للوزارة مرت مياه كثيرة تحت جسر الاحداث في لبنان وجيرانه، وقد ارتبط غسان تويني كفاعل بكثير منها كسياسي وكصحافي. وإن كان ينحاز للصحافة أكثر من سواها. فهو حين يتحدث عن غسان الصحافي يتعمد المرور على سنوات بدايته، وكيف كان يرتب الحروف في المطبعة، أو حين يعاقبه رئيسه في العمل بسبب خطأ، هو اليوم بسيط، فيضطره للمبيت مع عمال المطبعة، وهو الصحافي، يصف الحروف وينظف المطبعة معهم بهمة المحب لمهنته والراضي بالعقوبة التي فرضها عليه رئيسه.

وقد علمته تلك السنوات كيف يسرق السبق الصحافي حتى مناهل القرار، من خلال قراءة النص بالمقلوب بسرعة فائقة، فراح يقرأ بالمقلوب من جريدة البيان الموجودة لدى أحد الزملاء الجالس قبالته دون أن يخطأ.

لكنه كغيره من أرباب المهنة الذين عاصروا وعشقوا الورق لا يحبذ الانترنت والثورة التكنولوجية، وإن كان يواظب على قراءة بعض صحافة الإنترنت خاصة إيلاف التي يحبذ قراء مقالات الرأي فيها، مفندًا ما ينشر كأنه ضمن سياسة الجريدة من حيث التأكيد على نشر مقالات تتضمن وجهات نظر دون غيرها. فيما إيلاف تنشر الرأي ونقيضه.

ولأنه غسان تويني، لم يكن مجاملاً بل ربما انحاز سياسيًا وهو يشرّح حادثة ما وقعت مؤخرًا؛ كقصف طائرات أميركية لمنطقة البوكمال شمال شرق سورية على الحدود مع العراق إذ يجد تويني في ذلك القصف تعطيلاً لغزو سوري للبنان، كما ذكرت إحدى الصحف اللبنانية، ويصر على ذلك مقدمًا دلائل قد لا يتفق الجميع معها.

وقد كان مدافعًا عن عرينه الحصين جريدة النهار مفندًا ما قيل ويقال، وكتب ويكتب عنها من زملاء له وأصدقاء وفرقاء، مقدمًا تبريرًا لكل ناقد لها وهدفه من ذلك النقد، وربما كشف سرًا حول أحد الزملاء دون أن ينسى عبارته، التي تكررت كثيرًا في جلسة إيلاف التي امتدت لمنتصف الليل معه، أن ذلك ليس للنشر، فيزيدنا التصاقًا بما يسرده علينا من قصص كانت السياسة سيدتها الكبرى.
كانت أحاديثه وهي تتوالى خاصة حول شخصيات سياسية عربية ولبنانية أشبه بمن يخرج أسراره من صندوق طائرته الأسود.

غسان تويني في ضيافة إيلاف له منحنا سبقًا لما يزل خامًا ينطوي على تفاصيل جمة، بعضه في أجهزة التسجيل وعلى الورق، وصوره في صناديق أجهزة التصوير لدى إيلاف، وبعضه الآخر في صناديق رؤوسنا التي التقطت وسجلت الكثير مما قيل مباشرة أحيانًا كثيرة، ورمزًا حينًا آخر.

وقد نجح ناشر إيلاف عثمان العمير مهندس اللقاء الذي احتفينا به بغسان تويني، في نهاية الليلة، أن يقنعه بنشر تفاصيل ما رود من أحاديث وقصص إيلافية جمة، لا يمكن جمعها بتقرير أو لقاء صحافي وهي باتت لدينا مجتمعين، فاتفقنا على أن نكرمه على طريقتنا، تاركين لوقت آخر نشر الأخطر مما بات من متقنيات إيلاف بعد إطلاع صاحبها عليه مسبقًا كما طلب.