ايلاف ديجيتال - نبيل شرف الدين: من قيض له أن يسير في أي من شوارع العاصمة المصرية القاهرة هذه الأيام سوف يستمع لكثير من التعليقات العفوية لمواطنين بسطاء تبدي تعاطفًا واضحًا مع ضحايا الهجمات العسكرية الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة، وما خلفته من كوارث تتسابق الفضائيات العربية والغربية في بثها على مدار الساعة، ولكن مع ذلك فإن حجم المظاهرات التي توقع الإسلاميون والقوميون إندلاعها في الشارع المصري كانت محدودة للغاية، وكثيرًا ما اشتبك مواطنان من البسطاء في نقاش حاد حول ما يمكن أن تقدم عليه مصر من إجراءات لمساندة الفلسطينيين، فهناك رأي شائع يتهم الحكومة المصرية بالعجز والتخاذل عن اتخاذ quot;مواقف قويةquot; لردع إسرائيل حتى توقف مهاجمتها للفلسطينيين .
غير أنه في المقابل هناك رأي آخر لا يقل انتشارًا في أوساط المصريين مفاده أن بلادهم قدمت الكثير طيلة العقود الماضية، وأن الدعوة إلى توريط مصر في مواجهات عسكرية في توقيت غير محسوب، ولأسباب وحسابات لا تعنيهم، وأنه آن الأوان لكي تنكفئ مصر على همومها وتحدياتها الداخلية ـ وما أكثرها ـ حتى تواجه سلسلة أزمات اقتصادية وسياسية داخلية طاحنة .

كما عمقت المواجهات العسكرية المشتعلة في قطاع غزة الانقسام الأيديولوجي وحالة الاستقطاب في الشارع المصري، فيرى قطاع عريض من الليبراليين والمسؤولين الرسميين ودوائر الأمن فضلاً عن النشطاء الأقباط أن حركة quot;حماسquot; الإسلامية الفلسطينية، ربما تشكل نموذجًا يسيل له لعاب جماعة quot;الإخوان المسلمينquot; في مصر أخذًا في الاعتبار أن حماس هي الفرع الفلسطيني للإخوان، بينما السلطة الفلسطينية التي تهيمن عليها حركة فتح أنشئت على غرار المؤسسات المصرية، ولذلك فإن في صدارة الشروط اللازمة لإعادة فتح الحدود تطالب الحكومة المصرية حماس بالاعتراف بشرعية السلطة الفلسطينية، كما تخشى مصر أيضًا من أن تتعاون حركة حماس مع الإخوان المسلمين، مما يشكل تهديدات لأمنها القومي ونظامها السياسي .

معارضون

وتقف جماعة quot;الإخوان المسلمينquot; ومعها ناشطون ينتمون للتيار القومي واليسار في صدارة القوى التي تهاجم النظام الحاكم في مصر بشدة، وقد شارك المرشد العام لجماعة الاخوان المسلمين محمد مهدي عاكف في عدة مظاهرات احتجاجية بالقاهرة، وأدلى بتصريحات صحافية خلال مشاركته في تلك المظاهرات التي بدا فيها حضور واسع لنشطاء جماعة الإخوان إن الشعب الفلسطيني quot;خذله الحكام العربquot;، وأضاف quot;عملية القصف تمت بمباركة بعض الحكام العربquot;، غير أن أجهزة الأمن تحاصر هذه التظاهرات وتتصدى لها وتحول دون انفلاتها .

وقال نواب برلمانيون ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين، وآخرون من الناصريين في جلسة برلمانية هيمنت عليها الأحداث في قطاع غزة، إن الحكومة كانت على علم بمخطط إسرائيل، وذلك في إشارة إلى محادثات وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني، مع كل من الرئيس المصري حسني مبارك ووزير الخارجية أحمد أبو الغيط في القاهرة قبل اندلاع العمليات العسكرية الإسرائيلية بأقل من 48 ساعة .

كما وجه سياسيون إيرانيون وأمين عام quot;حزب اللهquot; اللبناني عدة انتقادات حادة لمصر، لرفضها فتح حدودها مع غزة، واتهموها بالتعاون مع إسرائيل في محاصرة القطاع، الأمر الذي جعل الحكومة المصرية تبدو كما لو كانت في موقف دفاعي عن سياساتها، وقالت على لسان عدد من كبار مسؤوليها إنها لو فتحت معبر رفح سوف تتخلى اسرائيل عن مسؤولياتها تجاه قطاع غزة، وأنه لا ينبغي لمصر quot;أن تنجر وراء دعاوى المغامرين وأوهامهم وحساباتهم الخاطئةquot; .

وعبر الإنترنت اشتعلت المناقشات بين المؤيدين والمعارضين لموقف الحكومة المصرية، وظهرت مجموعة أطلقت على نفسها حركة quot;مدونون ضد الحزب الوطنيquot; وقالت في صدر موقعها إن الحزب الوطني الحاكم شريك مع إسرائيل في تنفيذ حرب إجرامية ضد قطاع غزةquot; .

وسعت مصر مرارًا لعقد مصالحة بين حركتي حماس وفتح، واقترحت أن يشكل الفلسطينيون حكومة وحدة وطنية غير فصائلية، على أن تكون مسؤولة أمام رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وحينذاك يمكن أن تفرض الحكومة الفلسطينية إرادتها في أنحاء أراضيها حيث تحاصر أنشطة الجماعات المسلحة غير الرسمية، وتتوصل إلى هدنة مع الإسرائيليين من خلال المفاوضات .

مؤيدون

أما في الجانب الآخر من هذا المشهد المصري المحتقن، فقد اتهم معلقون سياسيون كلاً من إيران وسورية وحزب الله اللبناني بالسعي لتوريط مصر في مواجهة مع إسرائيل قالو إن حركة حماس تسببت فيها بما وصفوه بتصرفاتها غير المسؤولة، وتساءلوا مستنكرين: إذا كانت إيران وسورية وحزب الله حريصين كل هذا الحرص على دعم الفلسطينيين فلماذا لا يبادرون بإطلاق صواريخهم تجاه اسرائيل؟

وتواترت تصريحات لعدد من المسؤولين السياسيين المصريين مفادها أن حركة ''حماس'' مجرد جزء من مخطط إقليمي تقوده إيران لإضعاف الدول العربية الرئيسية القادرة على وقف محاولات الهيمنة الإيرانية على المنطقة، وأن هجوم حسن نصر الله ضد النظام المصري، ما هو إلا جزء من المخطط الايراني لخلق حالة من عدم الاستقرار في المنطقة .

وفي هذا السياق فقد اتهم الحزب الوطني (الحاكم) في مصر حركة quot;حماسquot;، بأنها quot;مُغامرة وغير مسؤولة وغير قابلة للنصح بعد أن تجاهلت رأي مصر في التطورات بقطاع غزة التي سبقت الهجوم الاسرائيليquot;، وقال الحزب في بيان لأمانته العامة quot;إن مصر ضحية حملة منظمة من حماس وحلفائها في المنطقة وهم إيران وسورية وحزب الله في لبنانquot; .

ومضى الحزب الحاكم قائلاً إن أمانته العامة تسجل مسؤولية قيادات حماس عما وصلت اليه الأمور في غزة، غير أنه حرص على إدانة الغارات الاسرائيلية أيضاً، وأكد أن حماس كانت سببًا في فشل جميع محاولات تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية ولم تقبل النصائح المصرية المتوالية حول أهمية استمرار التهدئة مع إسرائيل .

وتابع صفوت الشريف أمين عام الحزب الوطني :quot;لقد انساقت تلك القيادات وراء وعود وهمية من أطراف وجهات لم تقدم للقضية الفلسطينية سوى الكلمات والشعاراتquot;، كما مضى إلى ما هو أبعد من الانتقاد الموجه الى حماس من قبل الحكومة المصرية التي قالت انها وجهت للحركة تحذيرات مُتكررة قبل أن تهاجم اسرائيل القطاع وأن من يتجاهل التحذيرات لا يلومن الا نفسه .

وشكلت القاهرة دورًا محوريًا في التوصل إلى تهدئة بين إسرائيل وحركة حماس، استمرت ستة شهور وانتهت في 19 كانون الأول/ديسمبر الماضي، كما حاولت التقريب بين الفصائل الفلسطينية في مؤتمر للمصالحة الوطنية، غير أن حماس رفضت الحضور في آخر مرة دعت فيها مصر تلك الفصائل لمؤتمر مصالحة وطينة في القاهرة .

إيلاف ديجيتال عدد الاثنين 12 يناير 2009- ص 4