نجلاء عبد ربه من غزة: لصوتها المزعج يسمونها محلياً بين سكان غزة بـ quot;الزنانةquot;، لكن إسماً آخر كان يتداوله الفلسطينيون أيضاً فيما بينهم بإسم quot;أم كاملquot;، خاصة بين العسكريين إبان فترة انتفاضة الأقصى، إنها طائرة استطلاع إسرائيلية بدون طيار تعمل بتحكم من معسكر للجيش الإسرائيلي، يجلس من يتحكم بها في غرفته وفي يده فنجان القهوة المحبب لدى الإسرائيليين، بينما يضغط بيده الأخرى على زر دون عناء، فيسقط في غزة عشرات القتلى والضحايا. قد يبتسم هذا الجندي الإسرائيلي لحظة إصابته الهدف، فهو يعتقد انه يدخل في أحد ألعاب جهاز الأتاري ليصطاد فريسة له، لكنه لا يدري أنه يصطاد نفوس وأرواح، جلهم من الأطفال والنساء. عند الفلسطينيين، يبدأ العكس تماماً بالنسبة للجندي الإسرائيلي، فعندما تبدأ تلك الطائرة بالظهور فوق سماء غزة، يلملم المقاتل أغراضه ويختفي عن الأنظار تماماً، كونه يدرك أن لحظات تفصله عن الموت، بينما يستعد المواطنون في غزة نفسياً لإحتمال سقوط الصواريخ في كل لحظة، لكن أين ومتى وعلى من ستسقط... هنا ندخل في المجهول!!؟.

إيلاف دخلت في أزقة وشوارع مخيمات ومدن مختلفة في قطاع غزة، ورأت تغير ملامح الوجوه في وجود تلك الزنانة، رغم تغير الحياة خلال 17 يوماً من الحرب الشرسة التي تشنها إسرائيل ضد سكان غزة.

فعلى الرغم من عمل طائرة الإستطلاع الأساسي في السنوات السابقة، وهو تصوير كل ما يتحرك بالأشعة تحت الحمراء، إلا أن تطويرات عسكرية إسرائيلية حصلت على تلك الطائرة، وأصبح عملها مربوطاً بقاعدة عسكرية للقوات الإسرائيلية لقصف ما يشتبهون به.

ورغم التكنولوجيا التي تعتمد عليها إسرائيل في قتلها للفلسطينيين، إلا أن عناية الله تدخلت في عدة مرات، لينجوا من تلك الصواريخ المحاربين والموطانين.

وإن كان المقاتل الفلسطيني أكثر خبرة وحرصاً في التعامل مع هكذا نوع من الطائرات، إلا أن المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، باتوا أكثر رعباً رغم بعدهم ولو بالأمتار عن مكان الحرب التي تدور على كافة حدود قطاع غزة مع الجيش الإسرائيلي. فهم يدركون أن تلك الطائرة تعتبر من أهم أنواع التكنولوجيا الإسرائيلية التي تحارب بها الفلسطينيين أصحاب الإمكانات العسكرية المتواضعة، إن لم تكن المعدومة.

وزاد من تخوف المدنيين الفلسطينيين هو أن تلك الزنانة لا تفارق سماء غزة على الإطلاق، حتى فترة التهدئة التي أبرمتها الفصائل الفلسطينية مع اسرائيل لمدة 6 أشهر.

ويرى أحد المحاربين في معسكر جباليا، شمالي قطاع غزة إن تجربة الفلسطينيين مع الزنانة quot;قاسية ومؤلمة كونها عرفت بأنها تطلق صواريخ باتجاه الأهداف المدنية وأمعنت في قتل المواطنين والمحاربين من خلال صواريخها الدقيقة التي تعمل على تمزيق الأجساد إلى قطع صغيرةquot;.

وأضاف أبو معاذ لإيلاف quot;العديد من رفاقي أستشهدوا في المخيم من تلك الطائرة، فهي تعمل ليل نهار دون كلل. بالطبع دون كلل لأنها بدون طيار أصلاًquot;.

واعتبر أن حظوظ المحاربين في النجاة من هذه الطائرة أكثر بكثير من المدنيين. وقال quot;المدنيين لا يعلمون كيف يدبرون أمورهم، لكننا كمقاومين نملك أدوات إتصال نعرف من خلالها أنواع الطائرات التي تحلق الآن في سماء قطاع غزة، وأين تتجه، وبالتالي فإننا نستطيع التعامل والإختفاء قبل أن تستهدفناquot;.

ولم يقتصر هاجس الفلسطينيين عند حد القتل بحقهم وتمزيق أجسادهم، لكن الزنانة تعمل على تشويش محطات الفضائيات التي يتشوق الفلسطينيون لرؤيتها منذ الهجوم الهمجي الإسرائيلي عليهم في قطاع غزة، ومعرفة ما يجري في المدن.

وتشير الطالبة لمياء عبد الوهاب من غزة إلى أن quot;طائرة الاستطلاع من أكثر الأشياء التي تنغص علينا حياتنا، فهي تشوش على القنوات الفضائية الإخبارية التي نتابعها وتنعدم الصورة بشكل كامل بسببها، فلا أستطيع متابعة أخبار تعنينا في قطاع غزة، إضافة إلى قلقنا الدائم نتيجة تحليقها المستمر لأنها تمثل خطراً كبيراً لكل ما يتحرك على الأرض، ففي أي لحظة ممكن أن ترتكب هذه الطائرات مجزرة أو جريمة بحق الفلسطينيين سواء كانوا مقاومين أو مدنيينquot;.

وقالت لإيلاف quot;يهمنا جميعا في الأراضي الفلسطينية أن نعرف ما يدور ويجري في كل منطقة من قطاع غزة، لكن الزنانة تعمل على تشويش الفضائيات، وبالتالي نستعوض ذلك الأمر بالمذياع إلي ينقل لنا صورة الوضع أولاً بأولquot;.

وقالت جيهان أبو نصر من المدينة ذاتها quot;نتلهف بأن نرى الأخبار المصورة التلفزيونية، ونحب أن نسمع التحليلات من قناة العربية أو الجزيرة، ومهما سمعنا من أخبار من خلال الراديو، فإنه لن يكون بديلاً متكاملاً عن التلفازquot;.

وأضافت لإيلاف quot;الزنانة في العادة تشكل لنا الرعب الحقيقي، فلحظة تحليقها نتخوف من عمليات القصف، ونبدأ بالدعاء quot;ربنا يستر يا ربquot;. وأصبح صوت طائرة الإستطلاع quot;الزنانةquot; عند الغزيين ملازماً لإجتياح إسرائيلي أو تمهيداً لقصف هدف ما، وسقوط ضحايا منهم، ولهذا فهي باتت تشكل هاجساً وقلقاً مستمراً عندهم.

وقالت منال الصوفي من محافظة رفح، أقصى جنوب قطاع غزة، إنها تخشى تحليق الزنانة بإستمرار، فهي تعتبرها إنذار شؤم على الفلسطينيين.
وأكدت quot;إسرائيل لم تعد يهمها إن كان المستهدف هو مدني أو مقاوم.. شاب أو فتاة أو كهل، فكل ما يهمها هو قتل الفلسطينيين في قطاع غزة أمام عيون الدول العربية التي لم تحرك ساكناً، غير المساعداتquot;.

وأرجع مراقبون إلى أن التحليق المكثف للزنانة تخطى كونه وسيلة إسرائيلية لجمع المعلومات عن طريق الطائرات بدون طيار.

وقال الكاتب والمحلل السياسي الدكتور مازن حمدونة لإيلاف quot;إن التحليق المستمر لطائرات الإستطلاع يأتي في محالة إسرائيلية للضغط على حركة حماس التي تحكم قطاع غزة حول إمكانية إسرائيل الإجهاز على قطاع غزة دون معاناة دخول الدبابات وإلحاق خسائر بشرية في صفوف جنودهم.

ولم يتوقع حمدونة من أن تقوم إسرائيل بقتل قادة سياسيين في حركة حماس، لكنه قال quot;إسرائيل معنية بقتل القادة العسكريين في الفصائل الفلسطينية المختلفة. لقد إعتبرت قتلالدكتور نزار ريان إنجازا هاما لها، وقالت إنه من يصدر الأوامر يإطلاق الصواريخ على البلدات الإسرائيلية، لكن تلك الصواريخ لم تتوقف رغم مضي أسبوع على مقتل ريانquot;.

وتتخوف الطفلة دانية السعيد بمجرد سماع صوت الطائرات الإسرائيلية التي تجوب سماء غزة. وقالت لإيلاف quot;إنها تقصف بيوتنا وتقتلناquot; ويشاهد الغزيون للأسبوع الثالث على التوالي أنواع متعددة من الطائرات الحربية الإسرائيلية من أنواع وأحجام مختلفة. لكن ما يثير الدهشة عندهم هو إمكانية تصوير طائرة الزنانة التي لا يتعدى طولها المتر ونصف المتر، كل ما يتحرك في مساحة كبيرة تغطيها تلك الطائرة.

وتوضح والده الطفلة دانية أن إبنتها تخاف كثيراً هذه الأيام. وقالت quot;أنا أيضاً أموت من الرعب لمجرد سماعي هدير الطائرات المختلفة، لكنني أتظاهر أمام إبنتي أن الأمر طبيعي وأن أصوات الإنفجارات مجرد تفريغ هواء في الجو بصوت عاليquot;.

وأضافت لإيلاف quot;أحاول أن أبعدها عن مشاهدة الأخبار في الفضائيات المختلفة، وأمنع نفسي أنا أيضاً عن تلك المشاهدة، ففرح لم تترك شاردة ولا واردة إلا وسألتني عنها، لكن باقي إخوانها هم أطفال ولا يعلمون ما يدور حولهمquot;.

المحاربون الفلسطينيون من جانبهم يتعاملون بحذر شديد مع تلك الطائرات، فالطائرة تهتم بشكل أساسي بالسلاح الذي يحمله المحارب، لهذا شكل هؤلاء أساليب مختلفة للتغلب على هذا الوضع.

ولم يوضح احد المقاتلين الذين التقت بهم (إيلاف) كيفية تمكنهم من تضليل طائرة الزنانة، ويبدو أن للأمور خواص لا يجب أن تقال في محافل الإعلام. وتبقى الأسرار العسكرية صاحبة الموقف في خوض المعارك مع إسرائيل، فيما تبقى حالة الإستنفار والتأهب النفسي لدى الفلسطينيين من سماع صوت طائرة الإستطلاع، بينما يسود القلق والخوف والترقب الغزيون، بعد أن ارتبط تحليق طائرات الاستطلاع بتنفيذ غارات أو اغتيالات بحقهم.