الجيش الفاشي والكاتب الفلسطيني: ثوب الإنسان وروح الذئب


عبد المفتاح شحاته من غزة- كنت في مقالةٍ نشرتها quot;إيلافquot; بعنوان quot;الشعب أم المقاومة مفارقة المنطق والجنونquot; قد تحدثت عن حال الشعب الفلسطيني بين فاشية الإحتلال وأخطاء قادته الفادحة، ومؤامرة اقليمية تتجلى في الفعل الجنوني الذي يقع تحته قطاع غزة الآن، ولقد فاجأني ما حدث اليوم حيث تم اقتباس مقاطع من مقالي السابق وبثه على الاذاعات المحلية من قبل اذاعة الجيش الاسرائيلي في محاولة لجعل هذه الاقتباسات في خدمة رسائلهم الموجهة للشعب الفلسطيني كنوع من الحرب النفسية على أهالي قطاع غزة، وتشويه لفكرة مقالي هذا.
ولقد قمت بكتابة هذا المقال الذي جاء استكمالاً ورداً على الزيف الاسرائيلي، فإذا كان رأي الكاتب الفلسطيني لديكم على هذا النحو من الأهمية لماذا لا تسمعون رأينا في مجازركم التي لم نشهد مثلها من قبل، فالكاتب الذي تتحدثون عنه بالكاد يجد مكانًا ينام فيه أو يأوي إليه هربًا من قصفكم على مدينة غزة، والتي يتنقل فيها بحثًا عن مأوى بعد أن تقطعت به السبل، وترك منزله المستأجر في غرب غزة هربًا من قذائف بوارجكم الحربية، التي لم تترك طفلاً أو شيخًا أو امرأة...
إذا كان يهمكم رأي الكاتب الفلسطيني، فالماذا لا تنقلون تعليق الشاعر عثمان حسين على قصف منزله الذي أفنى عمره في بنائه؟!
انتم أصحاب التاريخ الطويل في قمع الحريات، خلال احتلالكم لفلسطين وقطاع غزة حيث سجنتم وقتلتم، ألا تذكرون اغتيالكم للكاتب الفلسطيني غسان كنفاني واليوم تتحدثون باسم كاتب فلسطيني آخر، وتشريدكم لمحمود درويش، ومناضلة توفيق زياد ضد عنصريتكم، وتاريخها الطويل.
لقد قمت كأي فلسطيني يريد أن يوجه أبناء شعبه نحو الصواب بكتابةِ رأيي، ولكنكم تستخدمونه لتبرير بشاعتكم، في الحرب التي أشهدها ليومها الثامن عشر ضد أهلي ومواطني بلدي وحارتي وأصدقائي وبيتي، وضد انسانيتنا جميعاً.
وإذا كان رأيي يهمكم لماذا لا توردون ما كتبته على لسان راشيل كوري تلك الشابة التي ماتت تحت عجلات بلدوزر اسرائيلي في المكان نفسه من رفح الذي تقومون اليوم باستباحته. انتم بارعون حقاً في تزييف الكلمات!
لقد شاهدت جنونكم طوال حياتي، وترعرع قلمي تحت قمعكم واحتلالكم. لهذا لن يكون صديقاً للجيش الفاشي. خذوا مقاطع من قصيدتي quot;رأسٌ مدمرquot; quot;عند بوابةِ دار الشفاء رأيت مسيرةً من الأيدي المقطوعة لكنها كانت تحتج، انها تخرح من لوحة لسلفادور دالي وتسير مع أرجل ورؤوس مبتسمة.
عند بوابةِ دار الشفاء أيضاً يمكنك أن تكتب مجلدات من الشعر الحقير بدماء الأطفال، يمكنك أن تضرب رأسك بالفراغ فيشج وتخرج جمجمتكَ بأفكارٍ حقيرة وتافةquot; يمكنكم بث مقاطع من قصائد أخرى وأغاني ومقالات لكتاب فلسطينين، يمكنكم أن تهتموا بيوميات الحرب وتفاصيلها الجنونية في غزة. هل تعتقدون أن جسدي الذ أهلكه الرحيل، وقلبي الذي أصابه الفزع في ليل غزة، وأهلي الذين يموتون بأيديكم تحت هذا القصف سوف يكونوا فداءً لجيشكم؟!
أما عن المقاومة الفلسطينية وحركة حماس فكل ما ورد في مقالي بما يخص سلوك المقاومة هي من قبيل النقد الذاتي، ومن وجهة نظر اننا كشعب فلسطيني لا أحد منا منزه عن الأخطاء مطلقاً. ولقد تناولت قادة الشعب الفلسطيني بشكل عام في مقالي وكان مترابطاً، بحيث لا يمكن اقتطاع الجمل والاقتباسات على نحو يخدم الجيش الاسرائيلي في عمله الفاشي ضد المدنيين الفلسطينين.
أقول لكل من يحاول أن يصطاد في الماء العكر، للعبث بمعاناتنا، أن نقدنا لبعضنا البعض هو شأننا أما فاشية الجيش الاسرائيلي فلتبحث لها عن مبررات بعيدة، وليسوقوا المجازر التي يقوموا بها بعيداً عنا. والآن سوف أدرج بعض الاقتباسات من مقالي التي تدحض أي مزعم للجيش الاسرائيلي أنني أخدم رأيه ورسالته:
1-فراشيل كوري (1) تقول في احدى رسائلها لأمها quot;يحب الأطفال أن يجعلوني أمارس لغتي العربية المحدودة بأن يسألوني quot;كيف شارون؟ كيف بوشquot; فأضخك وأنا أقول شارون مجنون! بوش مجنون!quot; طبعاً هذه ليست قناعتيquot; وليست قناعتنا طبعاً، ولكن كيف يمكن فهم أعمال جنونية عندما تصدر عن قادة العالم والدول ورؤوس الجماعات في المحيط الاقليمي والعالمي والداخلي أيضاً؟!
2-إن المتأمل لتاريخ اسرائيل في حروبها يدرك طبيعة هذا العدو، فما يقوم به الاسرائيليون هو امتداد طبيعي للجنون الصهيوني في المنطقة منذ عام 1948م والذي لم يجد مقاومة حقيقة تمنعه على المستوى السياسي والعسكري والثقافي والميدولوجي حتى. أما ما يحير في لعبة الجنون هذه، فهو الموقف الفلسطيني الهش إلى أبعد صورة متمثلاً في قيادته السياسية والدهمائية.
3-ولكن العالم والجيش الاسرائيلي الذي يشكل نصف الرحى العلوي يطلب منا ان نفهم كي نستطيع ان نغير حالنا؛ وهذا بالطبع يبدو كوميديا مفرطة في السوداوية.
4-وعندما تبدأ الأرقام بالحديث ندرك أن المدنيين الفلسطينيين في غزة هم الذين يدفعون الثمن آجلا أم عاجلاً!
5-انها نتائج جنونية لعمل عقلي محض! يشترك فيه الجميع، من وراء يد اسرائيل وآلة حربها. في لعبة الكل أصبح يعيها تماماً، ونحن المنكوبين فقط من ليس لديه وقت ليعي مثلما هو متاح للعالم من حولنا.

إن هذه المقاطع توضح بما لا يدع مجالاً للشك بأن مقالي يدين همجية الجيش الاسرائيلي، وإن كان ينتقد دور القيادة السياسية والميدانية للشعب الفلسطيني في رام الله وغزة، والمحيط العربي والاقليمي. هذا وأقول أخيراً أن يداً تقتلني ويدا أخرى تتعكز علي أيها الجيش الفاشي!!!