فظائع غزة إنعكست على نتائج إستفتاء quot;إيلافquot; الإسبوعي
70% متشائمون: حل قضية فلسطين بعد مئات السنين

إيلي الحاج من بيروت: أظهر إستفتاء quot;إيلافquot; الأسبوعي تشاؤمًا كبيرًا لدى فئة واسعة من المشاركين إزاء إحتمال التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية، لعل مردّه إلى أن الإستفتاء جرى تحت وقع تأثيرات حرب غزة والمآسي والفظائع المهولة التي نزلت بسكانها مدى ثلاثة أسابيع مرعبة، الأمر الذي رفع مستوى الإنفعالات العاطفية وغلّبها على التحليل السياسي المنطقي لمسار الأحداث في التاريخ واتجاهاته. التشاؤم الكبير برز في نسبة عالية من المشاركين بلغت 70 في المئة أي 3740 مصوّتًا من أصل 5321 هم مجموع المشاركين، رأت أن القضية الفلسطينية ستُحل بعد مئات السنين، في مقابل 18 في المئة أي 979 مشاركًا رأوا أن القضية الفلسطينية ستُحل على أيامهم. بينما ارتأى 11 في المئة أي 602 مشاركين أن هذه القضية ستجد حلها على أيام أحفادهم.

في محاولة تفسير لرأي الـ 70 في المئة الذين قذفوا الحل مئات السنين إلى الأمام أن هؤلاء يائسون على السواء من إرادة إسرائيل ورغبتها في التوصل إلى حل لقضية فلسطين ، وكذلك من أن يتمكن العالم العربي والإسلامي مدى عشرات السنين وفوقه ضغوط العالم بأجمعه ndash; إذا كان ثمة ضغوط عالمية فعلية على إسرائيل - من التوصل إلى وضع متكافىء وموازين قوى تفرض على إسرائيل القبول بحل شامل وعادل يعطي الشعب الفلسطيني حقوقه كاملة، شرطاً لقيام السلام النهائي في المنطقة.

والأرجح أن المصوّتين تحت تأثير مشاهد حرب غزة وويلاتها استذكروا إيمان دولة إسرائيل بالقوة الحربية أساسًا لوجودها واستمرارها، تدعمها في ذلك قوى كبرى متقدمة لا قدرة للعرب والمسلمين على مواجهتها وكلها تضغط عليهم للذهاب إلى سلام مع إسرائيل لا يلبي تطلعاتهم ولا يؤمن الحقوق العادلة للشعب الفلسطيني، وذلك بدل حمل إسرائيل على الإعتراف بأنها دولة محتلة لأرض شعب آخر ويتوجب عليها تاليًا أن تعيد الحق إلى أصحابه قبل البحث في أي حل جدي. وما دامت إسرائيل لا تعترف بأنها دولة محتلة فإنها في كل المفاوضات والإتفاقات المرحلية التي تعقدها مع ممثلي الشعب الفلسطيني تسعى بالإتكاء على موازين القوى المائلة لمصلحتها في كل المناحي إلى فرض شروط تتعلق بأمنها وهواجس الحفاظ على استمرارها، وذلك انطلاقًا من اعتبارها لنفسها دولة معتدى عليها تحتاج إلى ضمانات وأن الفلسطينيين المطالبين بحقوقهم هم مجرد معتدين على دولة وشعب مسالمين، مما يبرر بين وقت وآخر إطلاق حملات تأديبية في حقهم بذريعة quot;الدفاع عن النفسquot;.

ذريعة يتقبلها quot;العالم الحرquot; ويأخذ بها على أساس أنها حقيقة، في حين يصم آذانه عن كل الأسباب التي دفعت شعبًا مظلومًا كما لم يُظلم شعب في التاريخ الحديث إلى سلوك مسالك عصبية في التعبير عن احتقانه وإحباطه ويأسه الكبير من نيل حقوقه الإنسانية في هوية ووطن كسائر الأوطان. يأس قاد هذا الشعب ويقوده مع المتعاطفين معه إلى quot;الإرهابquot; الذي جعل منه العالم فزاعة إدانة لمن يخرج على أساليب التعبير الديمقراطي عما يخالجه، متناسيًا هذا العالم، أو بالأحرى القوى الكبرى فيه أصل العلة التي هي قضية فلسطين. قضية تستصرخ الضمائر وتناشد حلاً من بدايات القرن الماضي ولا حل.

ولكن مهلاً، فثمة عامل آخر قد يكون دفع إلى التشاؤم الكبير البارز في نتيجة الإستفتاء هو جنوح إلى حلول قصوى ونهائية تقول بأن لا حل بوجود إسرائيل، وأن الحل النهائي لا يتحقق إلا بإزالتها من الوجود ومن خريطة المنطقة. أصحاب هذا الرأي الذي تقوده في هذه الحقبة جمهورية إيران الإسلامية وجماعات إسلامية متشددة يرون أن الصراع ديني محوره مدينة القدس التي ستتحرر بالقوة العسكرية وليس بالمفاوضات السياسة والسبل الدبلوماسية ويجب تهيئة الأرض باستمرار إلى حين ظهور من يماثل صلاح الدين الأيوبي، فينهي إسرائيل ويحر القدس بالقوة كما حررها صلاح الدين من الصليبيين.

يتكل هؤلاء إجمالاً على الغيب وعلاماته وإشاراته على غرار ما يفعل الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الذي ما فتئ يبشر وصحبه بأن ظهور الإمام المهدي بات قريبًا وبظهوره يتحقق الإنتصار والتخلص من وجود إسرائيل الغاصبة. ولا حاجة إلى التذكير بأن مثل هذه الأحكام الغيبية لا يُبنى عليها إذا أراد الفلسطينيون والعرب والمسلمون عمومًا تحقيق أهدافهم التي يجب تحديدها أولاً بقيام دولة فلسطينية مستقلة وحرة وآمنة تعيد إلى الإنسان الفلسطيني كرامته وحقوقه الإنسانية، حتى لو كانت موازين القوى لا تتيح العدالة الكاملة، عدالة تعني أن دولة إسرائيل يجب ألا تكون قائمة لأن الأرض التي قامت عليها لها أصحابها وشعبها، إلا أنها تبقى موازين مفهومة بالنظر إلى التاريخ وأمثولاته، وإن كانت غير مقبولة. ثمإن الحلول النهائية ليست من هذا العالم. ومن يدري؟ قد يكون الوضع في الأيام الآتية مؤاتيًا لقيام دولة فلسطين أكثر مما سيكون عليه بعد مئات السنين إذا استمر التفاوت القائم على كل المستويات بين العرب وquot;العالمquot; الذي يحسن اليهود الأكثر تخلفاً التفاعل معه لا بل القيادة فيه، فيما العرب يتحدثون إليه بلغة الأحذية وإيران بالتهديدات الغيبية والغبية أيضًا.