بعد الجدل الدائر في الأوساط السعودية حول جامعة الملك عبد الله في ثول (Kaust) والذي اتضح معه مدى تعاظم التصنيفات بين النخب السعودية المتصارعة, أتى الصوت هذه المرة من مكة ليعلن حربه على التصنيف، والتصنيف في مجتمع ديني محافظ قد يمثل محاولة اغتيال فكري بأسلحة محرمة سعودياً مثل علماني وتغريبي.

في خطبة الحرم المكي اليوم الجمعة اتضح مدى تأثير التصنيفات التي استشرت بين مؤيدي ومعارضي المشروع العلمي (Kaust) وهو ما استدعى أن تخصص أهم خطب العالم الإسلامي لهذا الموضوع، وقال الشيخ عبدالرحمن السديس إن تصنيف الناس بحسب الأهواء ظلم وخطيئة، وأكد أن من يؤيد الجامعة ليس إلا مواطناً مخلصاً يتحرك وفق ما تمليه عليه عاطفته الوطنية مع تمسكه بثوابت دينه. وقال السديس بعد أن انتقد تصنيف بعض العلماء بأنهم علماء السلطان quot; بل قد يسلط هنا سيف التصنيف المصلت بأن من يباركها علمانيٌّ وآخر ليبرالي وثالث تغريبي, وهلم جرا, فسبحان ربي العظيم, سبحانك هذا بهتانٌ عظيم، فحاشى أن يغم بعامة الأمة - فضلا على خواصها - الإقرار بالمنكرات وتمرير المخالفات ما يخدش التمسك بالعقيدة والمبادئ والقيمquot;.

وبحسب السديس فإن كل مشروع نهضوي يقوم به إمام مصلح ينبري له من يشوهه ويطعن في مقاصده وسط جدل عقيم, وقال السديسquot; تجاذب سفينتها فهومٌ متضاربة وآراء متجاذبة وحالات لغطٍ لا تسلم من الغلط، وعاشت الأمة جرَّاءَها مناسبات ومزايدات في ضروبٍ من الجدل العقيم؛ ما يعيق عجلة التنمية في المجتمع ويعطل النماء و الإعمار في الأمةquot;. ولم تكد تتداول أحاديث المجالس ما تناولته الخطبة المكية حتى انتشر مقطع صوتي للشيخ صالح الفوزان يحرم فيه الاختلاط ويرى في الدراسة أمراً غير ضروري ما يعني أن استحلال الحرام في هذه الحالة لا يجب.

وقال الفوزان إن الاختلاط منهج غربي صدر لديار المسلمين ولا يجب أن نتبع ما يرمون إليه. حديث الفوزان يبدو أن من سربه كان يقصد الرد على تصريحات وزير العدل السعودي محمد العيسى حول مفهوم الاختلاط، وكان العيسى قد قال إن من يحمل الشرع فوق طاقته فهو مغال ويعاني الوسوسة. وقال العيسى quot;إن شيوع مصطلح الاختلاط بدل الخلوة غير الشرعية من الجناية العمدية على المصطلحات الشرعية، وتحميل نصوصها ما لا تحتمل، بل زاد الأمر حيث اكتسى هذا المصطلح الغريب حصانة منتحلة، في حين خالفته نصوص الشرع ونقضت مفهومهquot;.

وبالعودة إلى التصنيفات يقول الأستاذ في المعهد العالي للقضاء الشيخ محمد النجيمي في تصريح خاص بإيلاف: quot;بشكل عام التصنيفات نوعان, تصنيفات سياسية مثل الحزب الإسلامي في العراق أو المنبر الديمقراطي في الكويت وهكذا وهناك تصنيف ديني وهو مكمن الخطر , وبرأيي أن التصنيف السياسي لا مشكلة فيه باعتباره سياسياً ونراه في التجارب الغربية, ولكن التصنيف الديني ينطوي على تشخيص مثل فلان رجعي وفلان وهابي وجامي أو فلان ليبرالي وعلماني وهكذا وهذا أمر خطر جداً لأنه يمزق المجتمع ويفرقه ما يهدد بنية المجتمعquot;.

ويضيف:quot; ما أسمعه الآن في المملكة هو تصنيف ديني وهو الأمر الخطر وهو ما تكلم عنه الشيخ السديس بحسب ما وصلني. ولكن جامعة الملك عبد الله لا أرى فيها سبباً لهذه التصنيفات لأن القضية أبعد من هذا بكثير وقد يكون المشروع استغل من طرفين متطرفين أحدهما ديني لا يقبل الخلاف ويرى كل شيء حراما والآخر متطرف ثقافياً وليبرالياً لا يقبل من يخالفه ويشنع على منتقديه.وفي النهاية هناك ولي أمر يحسم الجدل ونحن لا نؤيد المنهج الذي يتخندق في طرف واحد لا يرى إلا من خلالهquot;. والمتتبع لمسيرة التصنيفات التي ظهرت بقوة منذ التسعينات بعد حرب الخليج الثانية يرى أن المرحلة الذهبية لها كانت بعد أحداث 11 سبتمبر وحينها بدأت التصنيفات تظهر علانية وبالأسماء أحياناً وكانت في غالبها تدور حول قضايا تعليمية أو ثقافيةquot;.