دبي تواجه أزمة سيولة

دخلت الأزمة الأخيرة التي عصفت بدبي مرحلة الانحسار، بعدما بات جليًا أنَّ خطّة مجموعة دبي العالميَّة لإعادة الهيكلة سوف تشمل جزءًا محدَّدًا من شركاتها. ومن المتوقَّع أن يستقبل سوق المال السعودي الذي يفتتح أولى جلساته غدًا بعد عطلة عيد الأضحى هذه التطوّرات الآتية من دبي بإيجابيَّة، وسط تطمينات المراقبين بأنَّ دبيّ مهيَّأة للتعافي. وينبِّه هيثم عرابي، الرئيس التنفيذي في شركة غلف مينا للاستثمارات البديلة، لـ quot;إيلافquot; إلى أنَّ دبي العالميَّة لم تبلغ مرحلة التخلّف عن الدفع، وأنَّ كلّ ما تطالب به إعادة جدولة لديونها، وهذا أمر شائع في عالم الشركات.


أبراج بحيرات الجميرا

بيروت: استقبلت الأسواق إعلان مجموعة دبّي العالميَّة عن أنَّ خطتها لإعادة الهيكلة سوف تشمل جزءًا من شركاتها فقط بصورة إيجابيَِّة، خصوصًا بعدما أضحى واضحًا أنَّ الديون التي قد يعاد هيكلتها لن تتجاوز 26 مليار دولار، أي أنَّها لا تقترب حتى من نصف إجماليّ ديون المجموعة والبالغة 59 مليارًا.

وبتحديد حجم الديون، تضع دبي قدمًا ثابتة على طريق حلّ المشكلة التي أرَّقت الأسواق الإقليميَّة والعالميَّة طوال الأيام القليلة الفائتة، وتفاعلت معها مؤشِّرات الأسهم بسلبيَّة بالغة في البداية، قبل أن تعكس مسارات مؤشَِّراتها لتغلق بورصات قطر والكويت والبحرين العاملة يوم أمس الخميس على ارتفاعات طفيفة في ظل تداولات مستقرة.

ويقول هيثم عرابي الرئيس التنفيذي في غلف مينا للاستثمارات البديلة، إنَّ دبيّ حقَّقت نجاحًا على مستويين أساسيين حتّى الآن، أولهما أنَّها تمكنت من الفصل بين الديون السيادية وديون الشركات الخاصَّة أو شبه الخاصَّة، وثانيهما أنَّها بعثت برسالة طمأنة قوية إلى الأسواق حين قامت سلطة جبل علي للموانئ والمنطقة الحرّة أخيرًا بتسديد قسط مديونيَّة بقيمة 250 مليون دولار، الأمر الذي أكّد التزام حكومة دبيّ بدفع المستحقات المالية المترتبة عليها. ويضيف عرابي: quot;الحلول للمشلكة القائمة كثيرة والنتيجة ستكون مرضية لجميع الأطرافquot;.

برج دبي

ويتوقَّف المراقبون طويلاً عند الانعكاسات الإيجابيَّة المحتملة للقسط الأخير الذي سدَّدته دبي. يقول عرابي: quot;بخطوتها تلك تؤكد دبي أن لا شيء سيمنعها من مواصلة تسديد ديونها في المستقبلquot;. ويلفت عرابي إلى أنَّ الخطوات التي اتّخذتها الإمارة حتى الآن نجحت في تحديد المشكلة بالمجموعة المتعثّرة، الأمر الذي قاد الأسواق الإقليميَّة الى التحسن، ورفع معنويات المستثمرين.

لكن هل تخرج دبيّ سالمة من الأزمة الحاليَّة، وما الدور الذي قد تقوم به أبوظبي؟ يؤكّد عرابي أنَّ دبي مهيأة للتعافي، على الرغم من الصعوبات التي قد تفرضها مرحلة تبلور مسائل المديونيات والسيولة، ويرى في التطمينات الصادرة عن الشيخخليفة بن زايد تأكيدًا وجهوزيَّة من جانب حكومة ابوظبي للتدخل من أجل مساندة دبي. يقول: quot;إنها مسألة وقت قبل أن نلمس تدخّلاً فعّالاً من قبل الحكومة الاتّحاديةquot;. وهو يذكِّر بأنَّ أبو ظبي، وعن طريق المصرف المركزي ومصارف تشرف عليها الحكومة، اكتتبت منذ مطلع العام الجاري بأكثر من 15 مليار دولار في سندات ديون أصدرتها دبي، جرى الإعلان عن أحدثها قبل ساعات قليلة فقط من إعلان دبي أنَّها بصدد إعادة جدولة ديون مجموعة دبي العالميَّة.

يتوقّع الرئيس التنفيذي في شركة غلف مينا للاستثمارات البديلة أن تعود الأسواق المحليَّة في دبي وأبوظبي إلى الارتفاع مطلع الأسبوع المقبل. أمَّا السوق السعوديّ، فمن المتوقَّع ألا يتأثر بصورة ملحوظة جراء أزمة الديون.

ويشكو المراقبون من أنَّ بلدان المنطقة، ومنها دولة الإمارات، لا تملك إطار العمل القانونيّ المناسب للتعامل مع أزمات المديونيَّة التي قد تعصف بالشركات، خلافًا لما هو عليه الوضع في الولايات المتحدة الأميركيَّة مثلاً. فبموجب الفصل الحادي عشر، يمكن لأيّ شركة أميركيَّة متعثِّرة أن تعلن إفلاسها وتحتمي من الدائنين فترة كافية حتى تستقيم أوضاعها.

وكان آخر مثال على ذلك لجوء شركة جنرال موتورز إلى إعلان إفلاسها تحت الفصل الحادي عشر، ما منحها فرصة إعادة هيكلة ديونها والانطلاق من جديد بصورة أقوى. أمَّا في دبيّ، فليس ثمَّة من قانون يوفِّر للشركة المتعثّرة فرصة الاحتماء من الدائنين بغية إعادة جدولة الديون المترتبة عليها، ما يجبرها على سلوك الطريق الذي سلكته مجموعة دبي العالميَّة.

وعلى الرغم من ذلك، فإنَّ اقتصاد دبي بحسب المحللين أكثر مناعة من أن تسقطه أزمة مديونيَّة مجموعة دبيّ العالميَّة. فالإمارة ما زالت تعتبر بيئة الأعمال الأكثر تقدمًا في الشرق الأوسط، وهي تتمتَّع ببنية تحتيَّة بالغة التطوّر تنافس دول المنطقة العربيَّة كلها. يقول عرابي: quot;على المستوى التنموي، تسبق دبي أيّ دولة عربية أخرى بما يتراوح بين خمس إلى عشر سنوات على الأقلquot;. وبالتالي، فإنّ تعافي الاقتصاد العالمي سينعكس حكمًا انتعاشًا في دبي التي تحظى بأحدث المطارات والشوارع وتتمتع بأكبر طاقة استيعابية في المنطقة.

صورة للشيخ محمد بن راشد بالقرب من موقع بناء في نوفمبر 2009

وغني عن القول إن عدد السياح الذين يزورونها سنويًا يزيد عن ستة ملايين سائح، فيما يستخدم مطاراتها أكثر من 35 مليون مسافر سنويًا. يقول عرابي: quot;لن تتبخر كلّ هذه المنجزات لأنَّ شركة دبي العالمية طلبت تأجيل تسديد قسط من ديونها إلى 30 أيار (مايو) المقبلquot;.

بلدان المنطقة لا تملك إطار العمل القانونيّ المناسب للتعامل مع أزمات المديونيَّة التي قد تعصف بالشركات، خلافًا لما هو عليه الوضع في الولايات المتحدة الأميركيَّة مثلاً.

ويُعزى جزء كبير من الصدمة التي عاشتها الأسواق العربيَّة خلال الأيام الأولى من أزمة ديون دبيّ إلى الجروح التي لم تلتئم بعد والناتجة عن أزمة المال العالميَّة، إضافة إلى الالتباس الذي حفل به البيان الأساسي الصادر عن مجموعة دبي العالميَّة، والذي أعطى انطباعًا بأنَّ المشكلة تتعلق بالدين السيادي الخاص بحكومة دبي، وليس بدين إحدى الشركات المنتمية إلى القطاع الخاص. وقد أفسح هذا الواقع في المجال لبروز الكثير من التكهنات، في وقت كانت الأنظار منصبَّة على احتمال ظهور مرحلة ثانية من الأزمة الماليَّة العالميَّة يظَّهرها تعثر بلد ما عن سداد ديونه السيادية.

ويشير عرابي إلى أنَّ حالة الذعر التي استقبلت بها الأسواق طلب تأجيل السداد جاءت quot;وليدة عدم الشفافيَّة المطلوبة في مرحلة كهذهquot;، ويستدرك quot;أنَّ التوضيحات اللاحقة التي صدرت عن جهات رسميَّة عليا في الإمارات أدت إلى تهدئة الأوضاع على الصعيدين المحلي والعالمي. وبهذا جرى سريعًا احتواء المسألة، ودُحضت فكرة أنَّ مسبحة الأزمة قد تكرّ وتنسحب على باقي الدول، وخصوصًا ذات المديونية العالية مثل ماليزيا وغيرهاquot;.

وينظر عرابي إلى الأزمة الحاليَّة بإيجابيَّة، ويتوقّع أن تعود الأسواق المحليَّة في دبي وأبوظبي إلى الارتفاع مطلع الأسبوع المقبل. أمَّا السوق السعوديّ، فمن المتوقَّع ألا يتأثر بصورة ملحوظة جراء أزمة الديون، وأن يباشر تداولاته غدًا كالمعتاد مع وجود ضغط طفيف على القطاع المصرفي خصوصًا، في ظلّ نسبة معقولة من التداولات. ويشير عرابي إلى أنَّ التحسن الملحوظ في سوق الامارات وابوظبي قد يساعد على ذلك.

وعلى الرغم من المخاوف المتعلقة بانكشاف القطاع المصرفي على ديون المجموعة، إلا أنَّ عرابي يفرق بين الانكشاف على ديون شركة متعثرة ومفلسة وبين الانكشاف على ديون شركة تقول إنَّها ترغب في تأجيل السداد بضعة أشهر كي ترتب أوضاعها بما يكفل عودتها إلى السداد. يقول: quot;علينا ألا ننسى أن تأجيل دبي العالمية لديونها لا يدخل ضمن تصنيف quot;التخلف عن الدفعquot;، على الرغم من أن وكالتي موديز والـ إس اند بي عاملتا المجموعة من حيث التصنيف وكأنها شركة متعثرة، وهذا خطأquot;.

الحلول كثيرة

لافتات لشركة نخيل على طريق الشيخ زايد في دبي

لكن أي مصير ينتظر ديون مجموعة دبي العالميَّة؟ يقول المراقبون إنَّها كثيرة، وأوَّلها تدوير الدين. يقول عرابي: quot;حصل أمر مشابه في لبنان في منتصف التسعينات، وحينها، فرض البنك الدولي على المصارف اعادة جدولة الديون السيادية اللبنانية بفائدة صفر في المئة، وتبيّن لاحقًا أن هذه البنوك استفادت باعتبار أن تصنيف الدين السيادي اللبناني قد تحسّنquot;.

ويؤكّد عرابي أنّ دبيّ العالميَّة لم تصل بعد الى مرحلة التخلف عن الدفع، وهناك العديد من الحلول التي يمكن دراستها والوصول الى نتيجة ترضي الدائنين والمستثمرين على حد سواء، ولا تضرّ بالشركة. وهو يذكِّر بأنَّ شركة نخيل كمثال، والمملوكة من المجموعة، تملك أصولاً ذات قيمة عالية مثل جزر النخيل، ويمكن استبدال الديون بأصول تملكها الشركة أو استبدالها بأصول أخرى.