الفريق الركن وفيق السامرائي

يؤكد الفريق الركن وفيق السامرائي، رئيس الجانب العراقي في اللجنة العسكرية المشتركة مع ايران، التي تشكلت بعد انتهاء الحرب بينهما عام 1988، والمستشار العسكري للرئيس العراقي الحالي جلال طالباني قبل أن يتقاعد اخيرًا، أن حقل الفكة لم يكن ضمن المناطق الساخنة المتنازع عليها مع الجانب الإيراني، وعندما حاول العراق اتخاذ تدابير سيطرة ومراقبة على حدوده اعترض الإيرانيون على إنشاء مركز للشرطة في المنطقة، لكنه اصر على ذلك وانشأ المركز عام 1972.

لندن: تواصل القوات الايرانية اتخاذ مواقع لها داخل الاراضي العراقية على الرغم من انسحابها 50 مترًا من حقل فكة النفطي الجنوبي، الامر الذي ما زال يثير ردود فعل غاضبة في العراق، اعادت الى الذاكرة حرب الثماني سنوات بين البلدين التي مضى على توقفها 21 عامًا، إذ تبقى تساؤلات وسط الصخب السياسي والاعلامي الذي رافق الحدث من قبل الجانبين تثير حقيقة عائدية الحقل والنزاع الحدودي في هذه المنطقة، حيث توقع خبير عسكري وقوع تجاوزات جديدة في مناطق اخرى تستدعي قيام بغداد بتأمين حماية كافية لحقولها النفطية الاستراتيجية.

ويقول الناطق الرسمي بإسم الحكومة العراقية علي الدباغ أن المجموعة الصغيرة من القوات الإيرانية التي كانت سيطرت على بئر الفكة النفطي في محافظة السماوة (375 كم جنوب بغداد)، لم تعد مسيطرة عليه حيث جرى إنزال العلم الإيراني ليل السبت. وتراجعت القوات الإيرانية 50 مترًا، لكنها لم تعد أدراجها خارج الاراضي العراقية مما يبقي الازمة قائمة.

وطالبت وزارة الخارجية إيران في بيان بسحب جميع قواتها من الأراضي العراقية واصفة انسحاب القوات الإيرانية من بئر الفكة بالخطوة الإيجابية ولكن غير الكافية. وقد انتقد سياسيون ونواب عراقيون حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي بسبب ردها الضعيف على احتلال ايران للحقل لمدة ثلاثة ايام، وعدم سحب قواتها الى خارج الاراضي العراقية لحد الان. وما زال الغموض يكتنف الحقيقة في معرفة خط الحدود بشكل واضح في مثل هذه المنطقة النائية وغير المأهولة، خاصة وان هناك تاريخ طويل من النزاعات الحدودية بين البلدين التي تفجرت في حرب دامية بينهما عام 1980 استمرت ثماني سنوات.

ايلاف طرحت عددًا من الاسئلة على الفريق السامرائي نظرًا لخبرته العسكرية في موضوع الحدود ومواقف البلدين منها، فكانت اجاباته عليها في ما يأتي :

*هل كان حقل الفكة النفطي من ضمن المناطق المتنازع عليها؟

لم تكن منطقة الفكة ضمن المناطق الساخنة المتنازع عليها. مع ذلك، عندما حاول العراق مطلع السبعينات اتخاذ تدابير سيطرة ومراقبة على حدوده اعترض الإيرانيون على إنشاء مركز للشرطة يقع على عارضة تعبوية حدودية عراقية شمال الفكة، لأنها تشرف على طريق للتنقلات الجانبية للقوات الإيرانية وهو حق سيادي عراقي، وأصر العراق على إنشاء المركز عام 1972 وسمي مركز صدام، لأنه كان قد زار المنطقة شخصيًّا وأصر على إنشائه وحسم الأمر.

* بعد انتهاء حرب السنوات الثماني كنت رئيسًا للجنة العسكرية المشتركة، فما هي انطباعاتك عن الموقفين الإيراني والعراقي من مشاكل الحدود بينهما؟

بعد انتهاء حرب السنوات الثماني كنت أول ضابط عراقي يزور طهران على رأس وفد يضم ضباطا ودبلوماسيين من وزارة الخارجية، ولم يكن الطرفان قد تخلصا من عقد الحرب، حيث كانت هناك حساسية من اجراء الاجتماع الأول على خط الحدود، الى حد حساب من يحضر أولاً ومن يبدأ بالسلام على الآخر. وكان على الإيرانيين استقبال الوفد وليس استقبال العراقيين لوفد إيراني وهكذا رُتبت الأمور.

كانت الطروحات العراقية واضحة بضرورة حل الإشكالات الحدودية وفقًا لاتفاقية الجزائر عام 1975 الموقعة بين العراق وايران، ومنها إقرار إيران بملكية العراق لبعض المواقع الحدودية، والتي كان نظاما الشاه والخميني قد رفضا إعادتها وكانت أحد أسباب الحرب. وطبعت المماطلات المواقف الإيرانية بوضوح أثناء التفاوض حول هذه النقاط وغيرها. وكانت موافقتهم تبدو سطحية، وكنا عندما نطلب منهم شيئًا كانوا يعلنون الموافقة ثم يعقبها ترديد الوفد الإيراني مجتمعين وبصوت عال quot;اللهم صل على محمد وآل محمدquot;، لكنهم لم ينفذوا شيئًا أبدًا.

وبعد زيارتين متتاليتين الى طهران وعقب جولتين من المباحثات قمت بابلاغ القيادة العراقية بعدم جدية الإيرانيين في حل الخلافات بقدر ما كانوا ينتظرون ما ستؤول إليه نتائج حرب الخليج الثانية التي اعقبت احتلال العراق للكويت عام 1990.

*لكن الظروف تغيّرت الآن وأصبح في العراق نظام آخر؟

صحيح أن النظام في العراق قد تغيّر إلا أن الأهداف والمطامع الإيرانية لم تتغير، بل ازدادت خطورة. فقبل أيام كنت أستمع من إذاعة بي بي سي الى محلل استراتيجي من طهران يسمي شط العرب (أروند رود)، وبما أنه قريب من دائرة النظام، فقد ذكرني ذلك بما قاله علي اكبر ولايتي وزير الخارجية الايراني الاسبق لوزير الخارجية العراقي، خلال جولات التفاوض في جنيف بعد وقف الحرب عام 1988، حيث كنت عضوا في الوفد العراقي المفاوض، بأنه سيستخدم تسمية quot;أروند رودquot; quot;بدل شط العربquot;، إذا استخدم تسمية quot;المحمرةquot; بدل quot;خرمشهرquot;، ومع الاختلاف بين الحالتين فإن السياسيين العراقيين الحاليين ليسوا استفزازيين كي يتطلب تغيير تسمية شط العرب.

ان إيران لديها مشاكل اقتصادية كبيرة وفشلت كل محاولات النظام القائم في بغداد لاستحصال كلمة واحدة من القيادة الإيرانية بطي صفحة الماضي من كافة الجوانب خصوصا مسألة التعويضات، ولم يحصل تقدم يذكر في مجال تثبيت خط الحدود المشتركة ولا شيء عن أعادة نحو 130 طائرة عراقية ودعت في إيران بموجب اتفاق مسبق تفاديا لتدميرها خلال حرب الخليج الثانية.

*وماذا تستنج من كل هذه التطورات ؟

ما يمكنه استنتاجه أصبحت معالمه واضحة بالتجاوز على حقل الفكة، فينبغي على الحكومة العراقية التحسب، بعيدا عن النظرات قصيرة الأمد، وضرورة تأمين الحماية الكافية لحقل نفط مجنون الاستراتيجي شمال البصرة، لأن من المرجح ان يكون ايضا هدفاً لتجاوزات إيرانية في المستقبل، خصوصا إذا ما تمكنت إيران من الحصول على سلاح نووي أو في حال حصول مجابهة عسكرية لها مع المجتمع الدولي لأنها تدرك استحالة حصولها على تعويضات حرب من العراق.

*كيف تنظر الى الردود العراقية الرسمية والشعبية على التجاوز الإيراني على حقل الفكة ؟

طبعًا ليس من الحكمة تجييش الجيوش، إلا أن الرد الرسمي العراقي كان فاترًا وضعيفًا وخجولاً. بسبب العلاقة الوثيقة بين حكومة بغداد ونظام المرشد، وضعف الحكومة والقوات المسلحة نتيجة إقصاء الكفاءات العسكرية. وكان مفترضًا أن يكون رد الفعل السياسي حازمًا سياسيًا، وكان ممكنًا إرسال وحدة استطلاع خفيفة الى المنطقة، وتهيئة الأجواء اللازمة لاتخاذ موقف شعبي من خلال التظاهرات والشجب وتكثيف النشاط الإعلامي. أما على المستوى الشعبي العفوي فقد كانت التحركات والمواقف جيدة، ومن المرشح خروجها عن سيطرة الدولة في حال بقاء التجاوز الإيراني او تكراره. ومن الردود الإيجابية تسجيل نواب كثيرون لمواقف جيدة سريعة وهو ما يثبت أصالة التعاضد الوطني مع أبناء محافظة ميسان ويعيد قوة ومتانة النسيج الوطني.

* ما هو تقديركم لاختيار الإيرانيين لوقت احتلالهم للحقل النفطي ؟

الجنرال مولن رئيس الاركان الجيوش الأميركية ربط التجاوز الإيراني بالانتخابات العراقية المقبلة، إلا أني أستبعد ذلك تمامًا، لأن الحكومة الحالية تحظى بدعم سياسي ومعنوي إيراني وإحراجها ليس هدفًا إيرانيًا. ومن المرجح ان يكون توقيت التجاوز قد خطط ليكون مع توقيع العراق اتفاقات نفطية، وكذلك لإثبات الوجود في الملفات العراقية.

*هل تعتقد قيام القوات الأميركية بمعالجة التجاوز إذا ما استمر أو تكرر؟

يصعب توقع تدخل عسكري أميركي طالما بقيت التجاوزات ضمن حدود تعبوية محدودة.

*هل تعتقد أن رد الفعل العربي على التصرف الايراني قد ارتقى الى مستوى المسؤولية؟

كيف يمكن توقع رد فعل عربي حازم وموقف الحكومة العراقية بهذا الفتور! اليوم المالكي في القاهرة وكان موقف القيادة المصرية واضحاً وثابتا في ضرورات المحافظة على هوية العراق. كما أن الموقف السعودي واضح ويدل على حرص عميق على هوية العراق ومصالحه. والمطلوب رسالة عراقية واضحة تمام الوضوح، وبدل حفر الخنادق على الحدود مع الدول العربية وتوجيه الاتهامات إليها، كان المفترض تقوية ترتيبات الحماية على الحدود الشرقية.

وفي النهاية لا يمكن لأحد الحلم بجعل العراق ضيعة إيرانية. فلا العراقيون ولا العرب يسمحون بذلك. ويوما بعد آخر يتنامى النفور الشعبي من من الدور السلبي الإيراني. وستجد الحكومة العراقية، أي حكومة، نفسها ملزمة في الدفاع عن العراق بوجه التجاوزات الإيرانية.

ويقول العراقيون إن البئر الفكة هي واحدة من سبع آباررتمثل حقل الفكة وهو حقل صغير نسبيًا وينتج حاليًا نحو عشرة آلاف برميل يوميًا. ويضيفون أنَّ البئر لم تعمل سوى فترة قصيرة قبل الحرب الإيرانية العراقية في أواخر السبعينات، ولم تعمل منذ ذلك الحين لكن إيران تؤكد أنَّ الحقل يقع داخل حدودها.

وطرحت وزارة النفط العراقية على الشركات العالمية عقد تطوير حقل الفكة والحقول القريبة في مناقصة في حزيران/يونيو الماضي غير أن ائتلاف من شركات صينية رفض العرض المالي من الوزارة لقاء إدارة الحقول.