مرشح عروبي يتفوق على المجلس الأعلى بمعقله في كربلاء
فوز المالكي بالإنتخابات يضعه أمام تحديات ومواجهات صعبة

المالكي أكبر الفائزين يليه العلمانيون... والمجلس أكبر الخاسرين

العلمانيون يقتحمون معاقل الاسلاميين العراقيين

الانتخابات مرت آمنة والعراقيون عبروا عن خياراتهم للمستقبل

أسامة مهدي من لندن: يرى مراقبون لمرحلة ما بعد الإنتخابات المحلية العراقية أن النتائج الأولية لها والتي تشيرحتى الآن إلى تفوق رئيس الوزراء نوري المالكي بشكل كبير ستضعه أمام تحديات ومواجهات صعبة خلال الاشهر العشرة المتبقية على موعد الانتخابات العامة، خاصة في مجال مواجهته مع قوى كبرى تختلف معه في الرؤى لمستقبل البلاد وتحديات ناشئة عن تفشي الفساد المالي ونقص الخدمات الاساسية التي شكلت عاملاً مهمًا في خيارات الناخبين.. في وقت شكل انهيار المجلس الاعلى الاسلامي في محافظات الجنوب الشيعية وخاصة في معقله بكربلاء امام مرشح عروبي كان نائبًا لمحافظها في عهد الرئيس السابق صدام حسين تغييرًا في المزاج العراقي تجاه الاحزاب الدينية.

واشار المراقبون الذين تحدثوا الى quot;ايلافquot; اليوم ان فوز المالكي في انتخابات مجالس المحافظات يضعه امام تحديات كبرى مع قوى لها مكانتها في السلطة الحالية وخاصة المجلس الاعلى الاسلامي بقيادة عبد العزيز الحكيم والقيادات الكردية وفي مقدمتها رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني. ومن الواضح ان الناخب العراقي قد أكد بمنحه صوته للمالكي تأييدًا لتوجهاته التي اعلنها وشدد عليها خلال جولاته الانتخابية على مدى الاسابيع الاربعة الماضية التي سبقت الانتخابات في جنوب العراق وشماله.

فقد شن المالكي خلال هذه الحملة حربًا شعواء على الطائفية ومحاصصتها السياسية والطائفية التي اكد انها سبب مشاكل العراق الحالية وعمليات القتل على الهوية التي شهدها خلال السنوات الثلاث الاخيرة. كما اكد ضرورة تعديل الدستور بما يتماشى مع التحولات التي شهدتها البلاد منذ ان كتب قبل اربع سنوات مشددا على ضرورة قيام حكومة مركزية قوية قادرة على حفظ امن وسيادة العراق وتقديم الانجازات التي يتطلع اليها المواطنون. يضاف الى ذلك قيام المالكي بتشكيل مجالس الاسناد العشائرية في مختلف المحافظات العراقية والتي اكد انها ستساعد الاجهزة الامنية على حفظ امن تلك المحافظات.

يوسف الحبوبي

ويضيف المراقبون ان فوز المالكي في الانتخابات يعني تأييدا جماهيريا لطروحاته هذه وتعزيزا لها في مواجهة معارضة القيادة الكردية والمجلس الاعلى لها وهو ما سيضعه امام مواجهات معهما متسلحا بالتاييد الذي حظى به. فالمجلس والاكراد يعارضان تغيير الدستور بشكل يقلل من صلاحيات وسطوات الاقاليم التي بدأت تعرقل مهام الحكومة المركزية وتضعفها.. كما انهما يقفان ضد مجالس الاسناد التي يعتبرانها غير قانونية وان المالكي شكلها من اجل الحصول على الاصوات في الاننتخابات. اما بالنسبة إلى المحاصصة الطائفية فإن رفض المالكي لها قد استجاب من خلالها لمشاعر المواطنين الذين يرفضونها بشدة ويرون انها دخلت الى العراق مع الاحزاب التي عادت الى البلاد بعد سقوط النظام السابق وخلقت اوضاعا ماساوية جرت عليهم عمليات القتل وقطع الرؤوس والتهجير الى داخل البلاد وخارجها.

ويتوقع المراقبون ان تشكل هذه القضايا محور تطورات العملية السياسية خلال الاشهر المتبقية على الانتخابات العامة التي ستجري اواخر العام الحالي لاختيار مجلس نواب جديد ورئاسات ثلاث جديدة للجمهورية والحكومة والبرلمان. ويقولون ان المواجهات بين المالكي وحزبه الدعوة وقوى علمانية ستؤيده ستأخذ ابعادا اكثر حدة مع المجلس الاعلى والقيادة الكردية قد تدفع الى تغيرات سياسية ليست في صالح رئيس الوزراء اذا لم يحسن ادارة المواجهة.

كما يرون ان امام المالكي تحد كبير يكمن في مدى قدرته على الاستجابة الى تطلعات المواطنين في القضاء على الفساد المالي والاداري الذي يسود اجهزة الدولة ويعرقل قيام مؤسساتها القوية.. وكذا الخدمات الاساسية التي يحتاجها المواطنون والتي كانت وراء معاقبة الناخب العراقي لمجالس المحافظات الحالية التي فشلت بشكل كبير في توفير هذه الخدمات. ويوضحون ان فوز المالكي يضعه امام تحد صعب في تحقيق متطلبات المواطنين هذه من الان وحتى الانتخابات العامة المقبلة لفهو في حال فشله في ذلك فأنه سيحبط امال مواطنيه به والذين سينقلبون عليه مستقبلا ويصوتون ضده مثلما صوتوا حاليًا ضد مجالس المحافظات التي فشلت في توفير هذه الخدمات اليهم.

ويضيف المراقبون ان النسبة المتدنية لمشاركة المواطنين في الانتخابات برغم الاجواء الامنية التي سادتها والتي لم تتعد 51% وهي اقل من نسبة المشاركة في الانتخابات السابقة اواخر عام 2005 والتي وصلت الى 56% تؤكد فقدان ثقة المواطنين بالاحزاب الدينية التي سيطرت على الاوضاع السياسية والادارية في البلاد طيلة الخمس سنوات الماضية. فلم يشترك في الانتخابات سوى 7 ملايين ونصف المليون ناخب من بين 14 مليون و900 الف ناخب يحق لهم التصويت.

ولاحظ المراقبون تغيرا في رغبات المواطنين في المحافظات الشيعية للمشاركة في الانتخابات الحالية عنها في السابقة حيث ان محافظة صلاح الدين الغربية السنية وعاصمتها تكريت مسقط رأس الرئيس السابق صدام حسين قد سجلت النسبة الاعلى في المشاركة فيما سجلت محافظة ميسان الشيعية الجنوبية وعاصمتها العمارة ادنى نسبة. وكانت مشاركة المحافظات الشيعية كما يلي : المثنى وعاصمتها السماوة 61 في المئة.. وكربلاء 60 في المئة.. والقادسية وعاصمتها الديوانية 58 في المئة.. و بابل وعاصمتها الحلة 56 في لمئة.. والنجف 55 في المئة.. وواسط وعاصمتها الكوت 54 بالمئة.. و ذي قار وعاصمتها الناصرية 50 في لمئة.. والبصرة 48 في المئة.. و ميسان وعاصمتها العمارة 46 في المئة بينما كانت نسب مشاركة محافظات العرب السنة كما يلي : صلاح الدين وعاصمتها تكريت 65 في المئة و نينوى وعاصمتها الموصل 60 في المئة و الانبار وعاصمتها الرمادي 40 في المئة. أما المحافظات المختلطة فسجلت نسب مشاركة كما يلي : بغداد حوالى 40 في المئة و ديالى وعاصمتها بعقوبة 57 في المئة.

واشارت اخر النتائج الاولية للانتخابات الليلة الماضية الى ان المجلس الأعلى الإسلامي برئاسة عبد العزيز الحكيم والحزب الإسلامي بزعامة نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي هما أبرز الخاسرين في انتخابات مجالس المحافظات في وقت حقق رئيس الوزراء نوري المالكي تقدما في 6 محافظات جنوبية. وقال مصدر في مفوضية الانتخابات العراقية المصدر ان نتائج الفرز تظهر خسارة كبيرة للمجلس الأعلى والحزب الإسلامي في معاقلهم. واوضح ان الحزب الإسلامي المسيطر على محافظة الانبار والشريك القوي في مجالس محافظات صلاح الدين ونينوي وديالى يتعرض الى خسارة مواقعه في الانتخابات.

واشار الى ان تجمع المشروع العراقي الوطني بزعامة صالح المطلك والقائمة العراقية الوطنية بزعمة رئيس الوزراء السابق اياد علاوي تتقدمان على الحزب الاسلامي في محافظة ديالى بينما تتفوق العشائرعلى الحزب الإسلامي في الانبار فيما تتفوق قائمة الحدباء العربية في الموصل. واكد المصدر إن قائمة ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي تتفوق بنسية كبيرة على قائمة شهيد المحراب للمجلس الاعلى في النجف والبصرة وواسط وبابل والديوانية والعمارة وبغداد وكربلاء. وأضاف أن قائمة المالكي تتصدر في ست محافظات جنوبية بينها البصرة لكنها تحل بالمرتبة الثانية في محافظة كربلاء بعد قائمة يوسف الحبوبي..

وقد اثارت ظاهرة فوز الحبوبي اهتمام المراقبين حيث واجه بمفرده قوى كبرى في محافظة كربلاء معقل المجلس الاعلى حيث جاء ثالثا بعد قائمتي المالكي والتيار الصدري متقدما على المجلس. ويقول المراقبون ان فوز الحبوبي يرجع الى قربه للمواطنين وخدمتهم خلال عمله السابق في الادارات الحكومية كان من بينها منصب نائب المحافظ في عهد الرئيس السابق صدام سين ثم شغل منصب المستشار الاداري والقانوني لمجلس المحافظة الحالي لكنه استقال منه بسبب الفساد المالي في المجلس. وينتمي الحبوبي الى عائلة عربية عريقة ظهر منها سياسيون وتجار وفقهاء وادباء.

ومن الواضح ان المواطنين قد اداروا ظهورهم الى المجلس الاعلى لاسباب عدة منها فشله في تسيير مجالس المحافظات الجنوبية التي يسيطر على معظمها منذ الانتخابات السابقة وتحالفه الوثيق مع ايران اضافة الى عدم معارضته للمحاصصة الطائفية التي لم يشر اليها في حملاته الانتخابية.. يضاف الى ذلك تركيز المجلس على شعائر عاشوراء التي يرى الكثير من المواطنين انها لم تعد تتماشى ومتطلبات بناء دولة عصرية حديثة، خاصة أن ايران الشيعية المجاورة قد تخلت عنها وحرمت مثلا شج الرؤوس التي مازالت تمنارس في بعض مدن العراق الجنوبية.

ومن المحتمل ان تسفر نتائج الانتخابات عن خسارة المجلس الاعلى ست محافظات لصالح قائمة المالكي من اصل سبع يسيطر عليها كما قد يخسر التيار الصدري محافظة ميسان لصالح المالكي ايضا. وفي مناطق العرب السنة، تسجل العشائر تقدما كبيرا باتجاه عودتها الى الساحة السياسية وخصوصا في الانبار حيث قد يخسر الحزب الاسلامي سيطرته على المحافظة.. كما يمكن ان يخسر الاكراد سيطرتهم على نينوى لصالح قائمة الحدباء. اما قائمة quot;العراقيةquot; بزعامة علاوي فإنها تحقق تقدمًا على حساب الحزب الاسلامي في محافظتي ديالى وصلاح الدين. وكان المجلس الاعلى وحزب الدعوة والتيار الصدري قد فازوا في الانتخابات التشريعية العام 2005 تحت قائمة الائتلاف الشيعي الموحد.