نحو تكريس سيطرة الموالاة وحكومة جديدة بلاعبين متغيرين
الجزائر: أي خارطة سياسية لما بعد التاسع أبريل؟

كامل الشيرازي من الجزائر:وسط كل الذي تلوكه الألسن في الجزائر عن مؤدى الإنتخابات الرئاسية المقررة هذا الخميس، تطرح كثير من الأسئلة حول ملامح الخارطة السياسية لمرحلة ما بعد التاسع من نيسان/أبريل، فهل سيؤدي استمرار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة حتى العام 2014، إلى هيمنة مؤيديه على مختلف دواليب الحكم؟ أم أنّ الشوط المقبل سيشهد quot;سطوعquot; نجم قوى جديدة، وهل ستتمظهر الوزارة الأولى بثوب مغاير؟ أم ستستمر السرايا في المراهنة على اللاعبين الأكثر جدلاً في تاريخ الجزائر الحديث؟

تُجمع غالبية المحللين السياسيين ومراقبي الشأن الجزائري على أنّ الخارطة السياسية لن تتغير كثيرًا بعد الاقتراع الرئاسي التعددي الرابع في تاريخ البلاد، بل والأكثر من ذلك، يتوقع متابعون أنّ الفترة الرئاسية الثالثة لبوتفليقة ستكرس سيطرة بمؤيديه أو ما يسمى هناك بأحزاب التحالف الرئاسي (جبهة التحرير، التجمع الديمقراطي، حركة مجتمع السلم)، وبشكل أوضح فإن ّ الوزارة الأولى بقيادة quot;أحمد أويحيىquot; مثل ممثليات الجزائر الدبلوماسية ومختلف الهيئات التابعة للحكومة، ستشهد غزوًا مركّزًا لأتباع الرئيس، هذا الأخير سيردّ الجميل على طريقته لمن تفننوا في التزلف إليه خلال المرحلة الماضية، على الرغم من كل الضجة التي سيحدثها خصومه السياسيون.

وفيما يرتقب تقديم أحمد أويحيى استقالة حكومته السبت القادم، أكدت مصادر حسنة الإطلاع، أنّ الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، سيقدم بعد الانتخابات مباشرة، على إجراء تغيير حكومي واسع يشمل ترحيل بين ستة إلى تسع وزراء، ناهيك عن حركة تغييرات واسعة تطال المدراء المركزيين وكذا الولاة ورؤساء الدوائر، فضلاً عن السفراء والقناصلة، وهي خطوة يسعى حاكم البلاد من ورائها، إلى تجاوز حالة الاحتباس المزمن التي تطبع حركية الجهاز التنفيذي منذ ظرف ليس بالقصير وتعطلّ عجلة النمو على الرغم من إنفاق مخصصات قياسية فاقت المئتي مليار دولار خلال الثماني سنوات المنقضية.

وأوضحت مراجع جزائرية لـ quot;إيلافquot;، أنّ الأمر يتعلق بتغيير حكومي واسع وليس بتعديل جزئي، مشيرة إلى أنّ التغيير المرتقب على مستوى الجهاز التنفيذي سيحافظ على تمثيل أحزاب الائتلاف الحاكم، لكنّ الخطوة ستعيد النظر في توازنات الفريق الحكومي، من حيث احتمال عودة قوية للحرس القديم، مع احتمال انضمام وجوه محسوبة على المرافقين الخمسة لبوتفليقة في استحقاق الخميس وآخرين من الجمعيات والأحزاب المساندة، كما كشفت مصادر مطلعة لـ quot;إيلافquot;، أنّ الرئيس بوتفليقة، سيعلن عن حركة واسعة تمس لائحة إضافية للولاة وسائر الأسلاك الإدارية، تشمل إنهاء مهام 250 رئيس دائرة قبل نهاية الشهر الجاري.

وتتموقع ورشة مراجعة معمّقة للدستور، في مقام ذي أولوية، تبعًا لتصريحات العديد من المسؤولين المتنفذين، من منظور رغبة حاكم المرادية لتعزيز أركان النظام الرئاسي واحتمال استحداث منصب quot;نائب رئيسquot; وإلغاء مجلس الشيوخ (الغرفة العليا في البرلمان) والاقتصار على مجلس الشعب وحده، في وقت يتوق بوتفليقة إلى الانتصار لنظام رئاسي مغلق يقوم على تركيز شديد للصلاحيات بيد رئيس الجمهورية وإعادة الاعتبار لمؤسسة الرئاسة وإضعاف صلاحيات المؤسسات الأخرى، على منوال تجريد الوزير الأول من كثير من صلاحيات رئيس الحكومة، وإضعاف دور البرلمان عبر انتزاع صلاحية مراقبة ومحاسبة الحكومة منه، وما ترتب عن ذلك من عدم استطاعة النواب سحب الثقة من الجهاز التنفيذي وإسقاطه.

فالرئيس بوتفليقة منذ وصوله إلى الحكم في ربيع العام 1999، لم يدخر جهدا في تغيير القاعدة التي تحكم النظام السياسي الجزائري وجعل مؤسسة الرئاسة هي المؤسسة الأم و بقية المؤسسات تابعة لها بما في ذلك العسكر، تماما مثل ما ينص عليه دستور عليه البلاد وعكس ما هو حاصل في الواقع.

وثمة محذور تتوجس منه أطراف سياسية، وهو احتفاظ الرئيس لنفسه بصلاحية حل البرلمان، الأمر الذي سيخل بتوازن السلطات، ويحول مؤسسات الدولة إلى مجرد نجوم في سماء رئاسة الجمهورية، بعدما لم يحز التعديل الدستوري quot;المحدودquot; وإقراره جعل العهدة الرئاسية المفتوحة أسوة بالنموذج التونسي، لم يحظ بالإجماع اللازم بين الرئيس وبين مختلف أطياف الطبقة السياسية، بحكم أنّ مثل هذا التعديل لا يتماشى مع رياح الحكم الراشد والإصلاحات السياسية التي أعقبت تبني الجزائر لنهج التعددية قبل 21 عامًا، وبات واضحًا، أنّ الذي يصنع الفارق في الجزائر هي طبيعة عمل النظام وتوازناته، التي ليست بمعزل عن التقلبات والتحالفات وصراعات الأجنحة.