الدفاع يتجه للطعن أمام محكمة النقض ويصف الحكم بالقسوة
تفاصيل جلسة النطق بحكم الإعدام للمدانين بقتل سوزان تميم


إحالة أوراق المتهمين بقضية سوزان تميم إلى المفتي

نبيل شرف الدين من القاهرة: حتى أكثر المتشائمين لم يكن يتوقع أن يصل الأمر إلى حده الأقصى، بإحالة أوراق رجلين كانا قبل اتهامهما بقتل المطربة اللبنانية سوزان تميم، مل السمع والأبصار، فالأول هشام طلعت مصطفى ليس مجرد رجل أعمال بالغ الثراء، لكنه أيضاً برلماني بارز ولاعب كان مبشراً على الساحة العامة، والثاني محسن السكري عمل ضابطاً في جهاز أمني مهم للغاية في مصر، وهو سليل أسرة من الضباط، وحين غير مسار حياته من الأمن إلى البيزنس، حقق قفزات كبيرة في وقت قياسي، بغض النظر عن الطريقة التي اتّسمت بالغموض والمغامرة، وحملته من quot; خندق الموظفين quot;، إلى ساحة أصحاب الملايين.

ولعل المأساة تكمن في تلك الطريقة التي نجحت عدة مرات سابقة مع محسن السكري، ليقفز بها خطوات واسعة في مشهد مصري راهن، يتعاظم فيه دور رجال المال والأعمال، فالضابط السابق التحق بالعمل لدى رجل أعمال مصري بارز أوكل إليه مهمة الحفاظ على شركته في العراق، قبل أن يقيله بعد أن اكتشف تورطه في التآمر مع بعض الإرهابيين هناك في عمليات اختطاف مدبرة، سبق أن جنى منها السكري أموالاً طائلة، مع أنها كانت مجرد مسرحيات تتم بالتنسيق مع عصابات الخطف في العراق، لكن ما إن اكتشف رجل الأعمال المصري أنه كان ضحية لعمليات احتيال حتى قرر التخلص من السكري.

لم يعدم السكري الحيلة وبطريقة ما استطاع السكري اختراق دائرة رجل أعمال جديد، هو هشام طلعت مصطفى، رجل الأعمال البارز والبرلماني الذي كلفه بقتل سوزان تميم للانتقام منها بعد ما تردد عن تخليها عنه وخداعه، كما تردد من أنباء وقيل في هذا السياق من روايات لا حصر لها. ويقول محامو الدفاع عن المتهمين وخبراء في القانون إن الحكم الصادر اليوم بإحالة أوراق هشام والسكري للمفتي، تمهيداً لإعدامهما، ليس الفصل الأخير في هذه القضية المثيرة للجدل، والتي دأبت الصحف المحلية المصرية على وصفها بأنها quot;محاكمة المال والسلطةquot;، وقد بدأت فصولها حينما ألقت أجهزة الأمن المصرية القبض على الضابط السابق محسن السكري في ٨ آب (أغسطس) من العام الماضي بعد أن تلقت خطاباً من إدارة الإنتربول في دبي بتورطه في واقعة مقتل المغنية اللبنانية سوزان تميم.

ومحاكمة السكري وهشام طلعت المدانين بالقتل للأول، والتحريض والاتفاق والمساعدة على القتل للثاني، استغرقت 27 جلسة على مدى خمسة أشهر، ونفى المتهمان في أول جلسة لهما ما هو منسوب إليهما من اتهامات، فيما طالبت النيابة بعقوبة الإعدام لهما في ضوء قرار الاتهام الصادر ضدهما. واستمعت المحكمة خلال جلسات المحاكمة لعدد كبير من شهود النفي والإثبات، من بينهم ضباط بالإدارة العامة في شرطة دبي ووزارة الداخلية المصرية، وخبراء من وزارة العدل والطب الشرعي في مصر ودبي، وعدد من العاملين في مجموعة شركات طلعت مصطفى، وأصدقاء مقربين للفنانة سوزان تميم.

مشاهد من الجلسة

في قاعة المحكمة وبعد أن نطق القاضي بالحكم في أقل من دقيقتين، أصيبت شقيقة هشام طلعت مصطفى بحالة إغماء، واضطر طاقم الحراسة الخاص بها إلى حملها خارج قاعة المحكمة ومنها إلى سيارتها. في جانب آخر من المشهد اعتدى أفراد الحراسة الحاضرين مع شقيقة طلعت مصطفى على المصورين الصحافيين الذين تدافعوا فور رفع رئيس المحكمة للجلسة لتصوير محسن السكري وهشام طلعت، وأقاربهما، وبادر مدير أمن القاهرة اللواء إسماعيل الشاعر - الذي كان متواجدا لحظة النطق بالحكم - بالطلب من حرس المحكمة حماية الصحافيين ومرافقتهم إلى خارج قاعة المحكمة بعيدا من أهالي المتهمين الغاضبين.

أما والد السكري، فأصيب بحالة انهيار وتعالت صرخاته وأقربائه عقب صدور قرار إحالة نجله على المفتي تمهيداً لإعدامه، في ما تلفظ العديد من الحضور من أقارب ومعارف المتهمين السكري وطلعت مصطفى بألفاظ نابية، وسباب بحق الصحافيين والإعلاميين، متهمين إياهم بأنهم قاموا بتضخيم القضية إعلاميا والتأثيرفي المحكمة. وشهدت جلسة النطق بالحكم حضورا إعلاميا وصحافيا كثيفا،إذ احتشد مراسلو وكالات الأنباء ومصورو الفضائيات المحلية والعالمية والصحافيون منذ فجر الخميس أمام مقر محكمة جنوب القاهرة الابتدائية، واحتشدت قوات الأمن بكثافة داخل وخارج قاعة المحكمة وشكلت كردونات أمنية على امتداد الطريق إلى داخل القاعة التي تم مسحها بواسطة كلاب الحراسة المدربة على كشف المفرقعات، فضلا عن التدقيق في هوية كافة الحضور إلى حد التفتيش الذاتي ومرورهم على ثلاث بوابات الكترونية لكشف المعادن والأسلحة وتسجيل أسمائهم ووظائفهم أكثر من مرة.

وحتى بين الصحافيين أنفسهم حدثت مشادات لفظية وصلت لحد الاشتباك بين مصوري الفضائيات والصحافيين نتيجة الزحام الشديد وعدم اتساع القاعة للحضور الهائل، ووصل الأمر إلى حد الاشتباك العنيف بين أحد الصحافيين في جريدة خاصة وأحد مصوري الفضائيات، حيث تبادلا اللكمات والسباب في حق بعضهما البعض، قبل أن يتدخل الأمن لإخراجهما معا من القاعة.
وضمت القضية عددا كبيرا من الأحرار قامت المحكمة بفضها، منها التقرير الفني وتقرير البصمة الوراثية وتسجيلات صوتية، وأقراص مدمجة، وملابس المتهم التي استخدمها أثناء تنفيذ الجريمة، وأشرطة فيديو منذ لحظة دخول المتهم دبي حتى مغادرتها، وكذلك الرسائل المتبادلة بين المتهمين على ثلاثة هواتف محمولة، والأسماء المسجلة على تلك الهواتف، وإحراز أخرى بلغت أكثر من ٢٥ مظروفا، وتقارير فحص هاتف المجني عليها وتفريغ الصور وكذلك جهاز التخزين الخاص بكاميرات المراقبة الخاص ببرج الرمال الذي شهد جريمة قتل المطربة اللبنانية.

قصة المحاكمة

وبدأت أولى جلسات هذه المحاكمة المثيرة في ١٨ تشرين الأول (أكتوبر) الماضي بإجراءات أمنية مشددة، منذ الساعة الثالثة صباحا، وحجزتها المحكمة للحكم في يوم ١٨ آذار (مارس) الماضي، أي بعد خمسة أشهر متواصلة، وبإصدار الحكم تكون المحكمة قد فصلت في القضية بعد سبعة أشهر. واستمعت المحكمة إلى ١٣ شاهداً، بينهم ضباط في الإدارة العامة في شرطة دبي، ووزارة الداخلية المصرية، وخبراء وزارة العدل وخبراء الطب الشرعي في دبي ومصر، وعدد من الموظفين العاملين في مجموعة شركات طلعت مصطفى.

وقررت المحكمة في ثالث جلساتها لنظر القضية حظر النشر فيها بجميع وسائل الإعلام، وقصر النشر على منطوق قرارات المحكمة وما يصدر منها من أحكام سواء كانت تحضيرية أو تمهيدية وكذلك الحكم النهائي، وحصرت تسجيل ما يدور في الجلسة على التدوين في محضر الجلسة فقط دون النشر.

وسبق للنيابة العامة أن أحالت المتهمين على المحاكمة الجنائية عقب انتهاء تحقيقاتها في القضية، حيث نسبت لمحسن السكري أنه ارتكب جناية خارج البلاد، إذ قتل المجني عليها سوزان تميم عمدا مع سبق الإصرار، بأن عقد العزم وبيت النية على قتلها فقام بمراقبتها ورصد تحركاتها في العاصمة البريطانية quot;لندنquot; ثم تتبعها إلى إمارة دبي في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث استقرت هناك.

وأوضحت النيابة أن المتهم أقام في أحد الفنادق بالقرب من مسكن سوزان، واشترى سلاحا أبيض (سكين) أعده لهذا الغرض، ثم توجه إلى مسكنها وطرق بابها، زاعما انه مندوب عن الشركة مالكة العقار الذي تقيم فيه لتسليمها هدية وخطاب شكر من الشركة، ففتحت له باب شقتها إثر ذلك، وانهال عليها ضربا بالسكين محدثا إصابات شلت مقاومتها وقام بذبحها قاطعا الأوعية الدموية الرئيسة والقصبة الهوائية والمرئي ما أودى بحياتها.

وذكرت النيابة أن هذا الأمر مبين وموصوف بتقرير الصفة التشريحية والتحقيقات، وكان ذلك بتحريض من هشام طلعت مصطفى مقابل حصول السكري منه على مبلغ نقدي بلغ مليوني دولار مقابل ارتكاب الجريمة، كما حاز بغير ترخيص سلاحا ناريا (مسدس ماركة CZ عيار 35.6)، وحاز أيضا ذخائر (29 طلقة عيار 6.35) حال كونه غير مرخص له بحيازته على النحو المبين بالتحقيقات.

ونسبت النيابة العامة إلى هشام طلعت اشتراكه بطرق التحريض والاتفاق والمساعدة مع محسن السكري في قتل المجني عليها سوزان تميم انتقاما منها، وساعده بأن أمده بالبيانات الخاصة بها والمبالغ النقدية اللازمة للتخطيط للجريمة وتنفيذها وسهل له تنقلاته بالحصول على تأشيرات دخوله إلى بريطانيا والإمارات، فتمت الجريمة بناء على هذا التحريض وذلك الاتفاق وتلك المساعدة، كما ورد في قرار الاتهام.

وانتهت المحكمة في ١٨ مارس الماضي من سماع مرافعة دفاع هشام طلعت، وعقبت النيابة على مرافعة دفاع المتهمين، قُدمت خلالها الدفوع القانونية والمادية، ومذكرة تحتوي على ٨٠ صفحة بمضمون الدفاع الشفوي، وطالبت النيابة في نهايتها بتوقيع أقصى عقوبة ومصادرة السلاح الناري والمبالغ المالية، وجميع المضبوطات في تلك القضية.