غالبية قراء quot;إيلافquot;تراها مجرد خطوة لتحسين صورة الولايات المتحدة دوليًا
رؤية متشائمة حول النتائج العملية لكلمة أوباما المرتقبة في القاهرة

نبيل شرف الدين من القاهرة: العلاقة بين العالم العربي والإسلامي من جهة، والغرب عمومًا والولايات المتحدة خاصة، من جهة أخرى، تبدو مسألة بالغة الالتباس، وتكاد تستعصي على الفهم من فرط تناقضاتها، فالعرب من المحيط إلى الخليج، ومعهم الفرس والترك والباتان والأفغان وغيرهم من الأمم الإسلامية، يرون في الولايات المتحدة quot; الشيطان الأكبر quot;، ولو شئت أن تنتزع آهات الإعجاب والتهليل ليس عليك سوى أن تعتلي المنبر، ثم توجه للولايات المتحدة أقسى عبارات النقد، وحينها سيصفق لك ملايين الناس، وربما يحملونك على أعناقهم باعتبارك quot; بطلاً قوميًا quot; .

لكن في الجانب الآخر من هذا المشهد الملتبس، فإن كافة النخب السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية في كافة الدول العربية تقريبًا، لا تتوانى لحظة عن الطواف حول البيت الأبيض والكونغرس ودوائر أميركية أخرى، كما يستثمر كبار رجال الأعمال مليارات الدولارات في شتى الولايات الأميركية وتباهي الطبقات العليا في كل المجتمعات العربية بتعليم أبنائها في الجامعات الأميركية، وهو تناقض لا يبدو مفهومًا بين الذائقة الشعبية الشائعة من ناحية، وسلوك النخبة المتنفذة في صناعة القرار السياسي والاقتصادي في المنطقة .

سمة أخرى تبدو واضحة في الذهنية السائدة عربيًا وإسلاميًا، وهي سوداوية الرؤية في التعاطي مع الغرب، فبالرغم من أطنان الكلمات التي بشرت ببداية عهد جديد من مساعي بناء جسور الثقة مع إدارة الرئيس باراك أوباما، الذي يحظى بشعبية كبيرة في المنطقة، قياساً بسلفه جورج بوش، وأن كثيرين من أبناء المنطقة يحلمون ببناء علاقات أفضل مع الولايات المتحدة ويتطلعون لكلمته التي سيلقيها في زيارته المرتقبة للقاهرة في الرابع من حزيران (يونيو)، غير أن سؤال استفتاء quot;إيلافquot; هذا الأسبوع أسفرت عن نتائج مغايرة لهذه الصورة الوردية، بل وربما جاءت مناقضة لها تماماً .

وفي استفتائها الأخير وجهت quot;إيلافquot; سؤالاً لقرائها عما يتوقعونه من الكلمة المقرر أن يلقيها أوباما عبر منصة جامعة القاهرة إلى العالم العربيّ والإسلامي من مصر، ووضعت ثلاثة خيارات: الأول يتوقع تغيرًا كاملاً في السياسات الأميركيَّة، وقد ذهبت لهذا الخيار نسبة قوامها 12% فقط من بين المشاركين .

أما الخيار الثاني في الاستفتاء والذي حاز نصيب الأسد من أصوات المقترعين، فهو الذي رأى في هذه الزيارة وتلك الكلمة المرتقبة مجرد محاولة لتجميل صورة الولايات المتحدة ، فقد صوتت لهذاالخيار نسبة 49%، ويكاد يصبّ الخيار الثالث في الاتجاه ذاته، إذ لا يتوقع أن يأتي أوباما بأي جديد، وقد حصد أيضاً هذا الجواب نسبة كبيرة لا يستهان بها إذ بلغت 39% من مجموع المشاركين في هذا الاستفتاء .

أوباما بين رؤيتين

القراءة المدققة لنتائج هذا الاستفتاء تضع أيدينا على عدد من المؤشرات، في صدارتها أن جسور الثقة بين الشارع العربي والولايات المتحدة على اختلاف تنوعاتها مازالت هشة، وأن الطريق لم يزل طويلاً لتجسير الهوة التي ساهمت أسباب كثيرة في تعميقها خلال العقود الماضية، وهي تراكمات لا يتصور أن تزول آثارها بعد خطاب يلقيه رئيس أميركي، مهما بلغت درجة التفاؤل بشأن نواياه ومدى تعاون المؤسسات الأميركية الأخرى معه في هذا المضمار .

ووفقاً لاستطلاعات رأي حديثة أجرتها مراكز رصينة في الولايات المتحدة، فإن المصريين ـ على سبيل المثال ـ يعتبرون أن الولايات المتحدة تشكل أكبر خطر ضدهم، وبنسبة قدرتها دراسة لمؤسسة quot;فريدوم هاوسquot; الأميركية المعنية بمتابعة الحريات العامة حول العالم، بنحو ٨٨٪ من العينة التي أجرت عليها الدراسة تعتبر الولايات المتحدة quot;دولة معاديةquot; للعرب والمسلمين ولبلدهم مصر أيضاً، وذلك على الرغم من كافة التصريحات المتواترة للمسؤولين في الجانبين عن وصف العلاقات المصرية ـ الأميركية بأنها quot;علاقات إستراتيجية ومهمة للبلدين والمنطقة برمتهاquot; .

وفي خطاب تنصيبه يوم 20 كانون الثاني (يناير) الماضي، قال اوباما إنه يسعى للتوصل لسبيل جديد للعلاقات مع العالم الإسلامي في المستقبل على أساس المصلحة والاحترام المتبادلين، وكرر العبارة خلال زيارته لانقرة في نيسان (أبريل) حيث ذكر ان العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي لا يمكن ان تعتمد فقط على مكافحة الارهاب، وأكد أنه سيكشف عن خطط محددة لدعم التجارة والاستثمار والتعليم والصحة في المنطقة في الشهور المقبلة، كما ادلى بأول حديث تلفزيوني كرئيس للولايات المتحدة لمحطة عربية وكان أحد أول قراراته عقب توليه مهام منصبه اغلاق سجن غوانتانامو .

لكن في المقابل هناك من يرى زاوية أخرى لأداء أوباما حيال العالم العربي والإسلامي، كما تقول الدكتورة إيفون حداد أستاذة التاريخ الإسلامي في جامعة quot;جورجتاونquot; الأميركية، إنه في الوقت الذي يشعر فيه كثيرون بالتفاؤل تجاه ما صدر عن أوباما خلال أول مئة يوم من رئاسته، وبعد وعوده بصياغة جديدة لعلاقات طيبة مع العالم الإسلامي تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، فإن المحك الأساسي لتقييم أداء أوباما ـ بالنسبة إلى العالم الإسلامي ـ يستند إلى معيارين: الأول هو كيف سيتعامل أوباما مع المسلمين في الولايات المتحدة، والثاني: كيف يتعامل مع القضية الأهم بالنسبة إلى المسلمين عامة وهي القضية الفلسطينية ومسألة القدس، وغيرها من القضايا الشائكة المتصلة بهذه المسألةquot;، على حد تصريحاتها في ندوة نظمها مركز الحوار مؤخراً .

تبقى أخيراً الأهمية لكلمة رجل الشارع العادي، غير المحمل بأي حسابات سياسية أو اعتبارات معقدة كالتي ينوء بها عاتق الساسة، وهذه الكلمة من تعليق عبر الإنترنت لمواطن عربي يقيم في الغرب قال فيها مستخدماً اسماً مستعاراً على ما يبدو، quot;إن المواطن العربي لا ينتظر الكثير من الرئيس أوباما لأنه يعلم جيداً أن بلداً مثل الولايات المتحدة تحكمه المؤسسات، والرئيس هناك ليس بوسعه أن يفرض التغيير الذي ينشده بمفرده كما هو الحال في عالمنا العربي، وغاية ما قد يأمله العرب أن تنتصر رؤية أوباما في دوائر صناعة القرار الأميركية، ليس فقط لأنها تشكل الأمل الوحيد المنشود خلال المدى المنظور، ولكن لأنها أيضاً وربما هذا هو الأهم تمثل خطوة على طريق ترويض قوة دولية جبارة، لتكون أقل عدوانية تجاه الشعوب الأخرى.