في الذكرى الرابعة لتفجيرات لندن 7/7
لندن بلا استراتيجية فاعلة للتعامل مع المسلمين


عادل درويش من لندن
:بمناسبة الذكرى الرابعة لتفجيرات لندن في ( 7/7/2005) التي دبرها ونفذها اربعة اسلاميين بريطانيين وراح ضحيتها 52 قتيلا واكثر من مائة جريح،عرض تلفزيون القناة الرابعة فيلما وثائقيا لشخصيات حقيقية بعنوان quot; الهامات : المدرسة الاسلاميةquot; عن الحياة في مدرسة بنات اسلامية، جميع تلميذاتها ابتداء من عمر الخامسة محجبات.

ورغم انشغال الاعلام في لندن باقامة حلقات نقاشية وتحليلات بالمناسبة، الا ان برنامج المدرسة الاسلامية فجر قضايا مهمة وبين التناقضات السياسية والاجتماعية وخاصة سوء الفهم والتفاهم بين المجموعات العرقية الاسلامية المختلفة وبعضها البعض؛ وبين الجيل الجديد ndash; وكلهم من مواليد بريطانيا- وجيل الاباء واكثريتهم مهاجرون لبريطانيا ؛ وبين المواطنين المسلمين والحكومة التي تتخبط وليس لها سياسات واضحة، سوى السير بحذر quot; او على قشر البيض خشية تفجير غضب المسلمينquot; في قول معلم مسلم استقال من المدرسة الاسلامية التي كان يعمل بها بسبب ما اعتبره quot; افسادا لعقول الصغار والعمل على عزلهم في غيتو ثقافي منفصل عن سياق المجتمع الذي يعيشون فيه.quot;

مسلمات في سوق لندن

الملاحظ ان المعلم ( الذي يعمل الان مدرسا للغة العربية والدين الاسلامي في مدرسة تابعة للكنيسة الانجليكية) رفض ان تنشر ايلاف اسمه او اسم المدرسة quot; حرصا على سلامتهquot;، وهو امر تكرر مع عدد من المسلمين الذين انتقدوا بشدة المناهج التي تدرسها المدارس الاسلامية، وايضا ما اسموه quot;بلوي وزارة المعارف البريطانية اللوائح والقوانين لمجاملة المسلمينquot;، حيث اصروا هم الاخرون على عدم ذكر اسمائهم.

والواضح ان هناك خوفا حقيقيا بين المسلمين العاديين، او السابحين في التيار العام البريطاني ( والذين يسميهم الاعلام بالمعتدلين) من ردود فعل عنيفة من الاقلية الراديكالية، واغلبهم من اصول باكستانية يمكنها الحاق الايذاء بهم. الملاحظة الاخرى ان خشية هؤلاء من نشر اسمائهم في صحيفة عربية اللغة كايلاف، يدل ايضا على عالمية هذا الخوف او اعتقاد الليبراليين المسلمين ان ذراع المجموعات الارهابية، كالقاعدة او حزب المهاجرين مثلا، هو طويل جغرافيا ومتعدد الالسن.

فيلم القناة الرابعة، والذي اسماه بعض النقاد quot; نار جهنمquot; من تكرار ترديد العبارة باللغة العربية اثناء الدروس التي تلقى على التلاميذ بالانكليزية او بلغة الاردو الباكستانية، يقدم سواء عن قصد عن طريق الاسئلة المطروحة، او عن دون قصد بسبب تعمد منتج الفيلم عدم طرحها quot;خشية اغضاب المسلمينquot; ، حسب قول احدى العاملات المسلمات في الانتاج ( هي الاخرى اشترطت على ايلاف عدم ذكر اسمها) يقدم لوحة متعددة الالوان والظلال والشخصيات، لكنها واقعية ومعبرة عن العلاقة غير المسبوقة بين طائفة ndash; متعددة الاعراق والطبقات- من المواطنين، بالمؤسسة السياسية ( الحكومة والاحزاب السياسية الاخرى) وببقية طوائف المجتمع.

السؤال الذي لم يطرحه الفليم، ماذا كان يحدث لو ان مدرسة تابعة للكنيسة الكاثوليكية، درست مناهج مسيحية متشددة، ورفضت تدريس نظريات مخالفة للعهد المقدس وتعاليم الكنيسة؟

الاجابة طبعا ان وزارة المعارف كانت ستغلق المدرسة فورا ويفقد ناظرها والمدرسون وظائفهم؛ لكنها تتغاضى عن منهج خاص مناهض للمنهج الدراسي المعتمد في المدارس البريطانية، كما تفرق المناهج بين المسلمين ( بانتقاء ايات واحاديث نبوية تميز المسلمين على غيرهم) وبين بقية طوائف المجتمع في انتهاك لقانون المساواة البريطاني ولائحة الاتحاد الاوروبي.

هذه الملاحظة المتعلقة بتخبط الحكومة العمالية بزعامة غوردون براون في التعامل مع المسلمين تثير حنق الكثيرين من المسلمين ومن غيرهم.

فبين المسلمين من يحذر بان سياسة الحكومة التي تتلخص في عبارة quot; خذوهم على قد عقلهمquot; كما يقول الدكتور وفيق مصطفى، رئيس الشبكة العربية في حزب المحافظين البريطاني، تأتي بتائج عكسية، فهي سمحت لمجموعة صغيرة جاهلة بالاسلام ان تختطف الاجندة الاسلامية وهم لايمثلون الا انفسهم.

مسلمون خلال مظاهرة في لندن

وتتضح النقطة في برنامج المدرسة الاسلامية حيث تجد التلميذة المحجبة ابنة السابعة quot;زهرةquot; تلح على امها غير المحجبة واختها الكبرى، وهي غير محجبة تذهب الى الديسكو مع اصدقاء من الجنسين، ( الام ارتدت اليونيفورم البريطاني العادي دون حجاب عندما كانت تلميذة قبل ربع قرن والاخت الكبرى قبل ستة اعوام) بارتداء الحجاب والا quot;ستحترقان في نار جهنمquot;، رغم ان الاخت الكبرى والام تصومان رمضان وتحرصان على اوقات الصلاة. والام عبرت عن قلقها مما اعتبرته تطرفا من الابنة الصغرى التي تسير quot; مع التيار بضغط البنات الزميلات في الفصلquot;.

ولاحظت سانيتا عبد الحق، وهي صحافية مسلمة من بلاكبيرن، شمال غرب انكلترا، ان كثيرا من الصغار، مثل quot;زهرةquot; يتصرفون بعقلية القطيع او التظاهرة دون وعي او تفكير، فمن المؤكد، والكلام لعبد الحق، ان ام زهرة واختها الكبرى تعرفان عن الاسلام وقواعده واركانه اكثر مما تعرفه زهرة بسنوات كثيرة، لكن الخطورة ان ارتداء زهرة للحجاب، مثل يونيفورم الجيش، يعطيها زهوا وغرورا يجعلها تشعر بانها مسلمة اعلى درجة واقرب الى الله من امها واختها. وتلوم الحكومة على تقاعسها في عدم التصدي لانتشار الظاهرة، ليس عن قناعة بفوائد الحجاب مثلا ndash; ان كان له فوائد- وانما بتدجين واعادة تكرار تعبير quot; نار جهنمquot; على الاذهان تماما مثلما يبرمج الجندي عند دخوله الجيش على اطاعة الاوامر دون ان يجرؤ على التفكير في حكمة هذه الاوامر.

ويحتج ايضا العديد من المسلمين على ان الحكومة تتعامل مع المسلمين وكأنهم لم يبلغوا سن الرشد مثل الطفل الذي تريد ان تصرف انتباهه بلعبة، وهي هنا المدارس الاسلامية.

الدكتور مصطفى ينتقد سياسة الحكومة العمالية في السير ببرنامج اليسار المسمى التعددية الثقافية والعرقية بدلا من العمل على دمج المسلمين من ثقافات مختلفة، في ثقافة بريطانية واحدة للمجتمع. وكان المرحوم الدكتور السير زكي بدوي، عميد الكلية الاسلامية يتزعم الحركة الداعية الى وجود اسلام بريطاني متميز، وكان يقول انه مثلما يتواجد اسلام مصري واسلام مغربي واسلام فلبيني، اي ان لكل بلد ثقافة اجتماعية تتطور مظاهر الاسلام لتلائمها، فهناك ايضا اسلام بريطاني.

وسياسة اخذ المسلمين quot; على قد عقلهمquot; بدت ظاهرة بوضوح بعد احداث 7/7 ، فمن ناحية شددت الحكومة اجراءات الامن، واصبح المسلمون، خاصة من ابناء شبه القارة الهندية الذين تبدو ملامحهم واضحة وهم شباب من سن معين، هدفا لاشتباه رجال الامن للقيام بتفتيشهم واحراجهم في محطات القطارات والمطارات. ومن ناحية اخرى، تمتص الحكومة الرد الفعل الغاضب من استهداف اجراءات الامن للمسلمين، بالتسامح معهم في امور ثقافية مثل تعدد الزوجات او ارغام البنات دون سن الرشد على الزواج رغم ارادتهن من اقارب باكستانيين.

والنقطة الاخيرة تثير غضب المسلمات اللواتي رفعن الامر لعدد من نواب البرلمان لمساءلة الحكومة عن الاجراءات المتخذة لحماية البنات المسلمات، بينما تتستر الحكومة وراء quot; احترام تقاليد المسلمين.quot;

محاباة المسلمين، كما يقول البعض ادت الى نقمة البريطانيين من غير المسلمين مما اعتبروه هجمة غير حضارية على ثقافتهم، مثلما يقول نيقولاس غريفين، زعيم حزب الجبهة القومية، وهو حزب يميني فاشي عنصري، نجح في احراز مقعدين في انتخابات الاتحاد الاوروبي، التي خاضها باجندة سياسية تهاجم المسلمين وتحذر من خطرهم على الثقافة القومية، ويدعو الى وقف الهجرة ويرفض التحاق غير البيض بالحزب.

ونجاح غريفين هو نتيجة مباشرة لتخبط الحكومة وانحيازها للمسلمين لاسترضائهم خاصة بعد ان اقنعت الحكومة نفسها ان احداث 7/7 هي نتيجة السياسة الخارجية البريطانية، وهو هراء حسب قول مؤرخين يستشهدون بهجمات متطرفين اسلاميين في مناطق خارج نفوذ السياسة البريطانية ( مثل بالي والارجنتين واندونيسيا ولبنان) او عندما كانوا يعملون في الخفاء مع الاجهزة البريطانية التي دعمتهم وقاما بعمليات ارهاب قبل قيام اسرائيل ( كالاخوان في مصر في الثلاثينات بدعم مخابرات بريطانيا). لكن من اخطاء وزارتي الداخلية والخارجية البريطانية عقدهما اجتماعات ولقاءات دورية مع quot; ممثلي الطوائف الاسلاميةquot; وهم اشخاص لم ينتخبهم احد ولا يمثلون الا انفسهم، في حين انها تتجاهل نوابا منتخبين لمجلس العموم كخالد محمود، وشاهد مالك مثلا. وهذه النقطة يثيرها اللورد احمد ( احد خمسة لوردات يمثلون اكبر ثلاثة احزاب في مجلس اللوردات).

الشرطة البريطانية تطوق موقع التفجيرات التي هزت العاصمة عام 2005

وكان اللورد احمد، والنائب خالد محمود انتقدا وزيرة الداخلية السابقة جاكي سميث لمنعها، في فبراير، النائب الهولندي غريت فيلدار من دخول بريطاني لعرض فيلمه quot; فتنةquot; عن الاسلام في هولندا ولوصفه القرآن بانه quot; كتاب فاشيquot;. وقال اللورد احمد لايلاف انه كان يريد مواجهة فيلدار ومناقشته وفيلمه في المجلس اما لاقناعه بخطئه او لهزيمة منطقه بالجدل العقلاني البريطاني المشهور، لكن منعه جعل منه بطلا شهيدا يعاني في سبيل حرية التعبير؛ وكانت النتيجة احراز حزب فيلدار عددا قياسيا من المقاعد في انتخابات الاتحاد الاوروبي في شهر مايو، ايضا على برنامج يعادي الاسلام.

وما زاد من شعبية غريفين، زعيم الجبهة القومية، ان الحكومة العمالية ضغطت على النائب العام لتقديمه للمحاكمة بتهمة اثارة الفتنة والشغب واهانة الاخرين عندما وصف الاسلام بانه quot; ايديولوجية شريرةquot; في احد اجتماعات الحزب. ودافع محامو غريفين عن حرية التعبير خاصة وانه لم يسب شخصا معينا، كما ان القول جاء في لقاء خاص للحزب للاعضاء فقط. وبرأت المحكمة ساحته، وكسب دعاية هائلة لم يكن يحلم بها.

وهناك مثقفون عاديون لايضمرون للاسلام او المسلمين شرا، حولتهم سياسة الحكومة التي تحاول استرضاء المسلمين الى ناقمين على المسلمين. فمثلا مؤرخ هاو ( طلب هو آلاخر عدم نشر اسمه) كان يعمل في مركز ابحاث المعهد البريطاني، كتب سلسلة مقالات تاريخية في صحيفة الديلي تلغراف يجادل فيها، بالتواريخ والوثائق والمراجع، ان الفتوحات الاسلامية تمت على يد جيوش يقودها مسلمون تمكنت من دخول بلاد كانت مسيحية في عهد الامبراطورية الرومانية وما بعدها كبلاد الشام ومصر وشمال افريقيا واسبانيا. ورغم ان ماذكره الرجل هو حقائق تاريخة حسب مخطوطات وكتب المؤرخين الاسلاميين انفسهم الذي ارخوا لفتوحات خالد لبن الوليد وعمرو العاص، فان المجموعات الراديكالية الاسلامية عالية الصوت صرخت محتجة، وماكان من المجلس البريطاني الا ان فصل الرجل من عمله رغم توقيعه باسم مستعار في الصحيفة.

وحول هذه النقطة يجادل الدكتور مصطفى بضرورة تنشيط البريطانيين المسلمين من اصول من البلدان العربية، لانهم اكثر قدرة على فهم الاسلام والعودة لمراجعه والاجتهاد في تفسير القران والحديث، بدلا من سيطرة الباكستانيين حاليا على المشهد الاسلامي في بريطانيا.

ويتفق جميع المسلمين الذين شاورتهم ايلاف، بان هناك حاجة ملحة لاخراج المسلمين من عزلتهم الثقافية التي تكرسها سياسات الحكومة الخاطئة. ويطالب هؤلاء بضرورة تطوير وتحديث طريقة تعامل المسلمين مع تقاليدهم وتطويرها لتلائم العصر والمكان، السبيل الافضل لذلك هو تقدم البريطانيين العرب لقيادة المشهد الاسلامي بدلا من باكستانيين لايفهمون لغة القران والنصوص السلفية التي يعود اليها الراديكاليون في تفسيرهم للقرآن وللاسلام.