مبارك ينفي رغبته في توريث نجله الرئاسة

نبيل شرف الدين من القاهرة: في ختام أول زيارة قام بها الرئيس المصري حسني مبارك إلى العاصمة الأميركية بعد فترة انقطاع دامت خمس سنوات بسبب ما اعترى تلك العلاقة من فتور خلال إدارة الرئيس السابق جورج بوش، بدا أن الاجتماع بين مبارك وأوباما انتهى لاتفاق على أمر واحد هو إبراز مدى صعوبة ملفات عملية السلام في الشرق الأوسط وتعقيدها، وعدم إمكانية تحقيق تقدم ملموس في المدى المنظور، كما برزت أيضًا معضلة التعاطي مع المسألة الإيرانية بتداعياتها الإقليمية.

ثمة أمر آخر وإن كان الطرفان ( المصري والأميركي ) ينكرانه بشدة، لكنه كان حاضرًا في تعليقات المحللين وكواليس اللقاءات، وهو المتمثل في ما بات يعرف في مصر بعملية quot; التوريث quot;، والواضح أن إدارة أوباما تنهج سلوكًا سياسيًا مغايرًا لسلفه جورج دبليو بوش، الذي كان قد تعاطى مع الأمر بخشونة، حينما دعم أيمن نور وغيره من الشخصيات المثيرة للجدل ، كما تفاوض مع جماعة quot;الإخوان المسلمينquot;، غير أن أوباما حرص على البحث عن ضمانات تكفل استمرار فعالية الدور المصري كحليف أساسي في المنطقة.

واتضح هذا في صلة الإدارة الأميركية الجديدة بالتغيير في مصر، حيث اعتمدت الدبلوماسية الهادئة، والهمس في الآذان داخل الغرف المغلقة، وتحولت إلى تقديم النصائح والاقتراحات وربما تدريب المجموعة المحتملة في كيفية إدارة الصراع على السلطة في مصر، وهو بالضرورة داخل كواليس السلطة ذاتها.

ويقول دبلوماسي غربي يقيم في القاهرة إن قوة السلطة المصرية تكمن في حقيقة بسيطة مؤداها أن أحداً لا يجرؤ على التشكيك في شرعيتها، فربما يختلف معها البعض، وربما يعارضونها، لكن الجميع في النهاية يخضعون لها، ولو حتى من باب الرغبة في إصلاحها من الداخل، فكافة نصوص الدستور والقوانين والأعراف السياسية تقف في صالح السلطة، كما أن الحريات في مصر تمنح بقدر محسوب يسمح بالحفاظ على النظام القائم بعيدًا عن أي تهديدات جدية.

لغز الخلافة

وبينما رفض مبارك كافة التكهنات بمن سيخلفه في الحكم مؤكداً أن الناخبين المصريين هم الذين سيختارون خليفته في الوقت الذي يتهمه معارضوه بالإعداد لتوريث نجله جمال الحكم، وقال في حديث لشبكة التلفزيون الأميركية (سي.بي.اس): quot;لا أحد يعلم من سيكون خليفتي، فإن لدينا انتخاباتquot;، وأضاف مبارك الذي رفض أكثر من مرة اتهامات المعارضة بالسعي إلى إعداد نجله جمال لتولي خلافته قائلاً إنه quot;عند الانتخابات الناس هم الذين سيقررونquot;، ولم يكشف الرئيس مبارك عما إذا كان ينوي ترشيح نفسه في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها عام 2011 وقال quot;لا أفكر في ذلك الأمر في الوقت الراهنquot;.

ومع أن الأفكار تتحرك في الشارع المصري محملة بالأسى على الحال الذي وصلت إليه مصر، ومع هذا فإن بقاء حكم مبارك يظل حكمًا مستقرًا، هناك معاناة هائلة، لكن لا مشكلة طالما هناك استقرار، حتى ولو كان مثقلاً بالفساد، ليظل غيابه المشكلة الرئيسة، وبالتالي يأتي سؤال عن السيناريو السلمي الذي يمكنه تجاوز اضطراب غيابه في ظل رفض لتوريث ابنه (جمال مبارك)، وعدم وجود نائب له؟ ولا تنتهي الأسئلة التي تطرح بقلق، ليس خوفًا من جهة أمنية أو أي شيء آخر، ولكنه الخوف على ما يمكن أن يحدث لو غاب الرجل فجأة من دون ترتيبات تكفل على الأقل هذا الاستقرار.

وعلى الرغم من اللغط المحتدم عبر الفضائيات وفي أروقة الأحزاب وجماعات الضغط المصرية، لكن يبدو واضحاً أن المصريين غير مهتمين كثيرًا بالشأن السياسي لسببين: الأول هو عدم قدرتهم على أن يصبحوا مؤثرين في الدائرة السياسية التي تتحكم في بلادهم، أما السبب الثاني، فهو أنهم لا يجدون أمامهم أي بدائل حقيقية للحكومة، وهو ما يخنق أي محاولة للتغيير في مهدها، فكيف يتم التغيير إذا كان لا يوجد بديل، وكيف يتم أيضاً، إذا لم يكن هناك أمل، أو سبيل للوصول إلى الحكم عبر طرق سلمية للتداول على السلطة.

وإن كان ثمة أمور يمكن أن تؤخذ على فترة حكم مبارك التي امتدت زهاء ثلاثة عقود، إلا أنه استطاع الحفاظ على مصر وحمايتها من مخاطر كبيرة مرت بها المنطقة العربية خلال سنوات حكمه، لكن يبرز سؤال عما إذا كان العسكري المحترف والسياسي المحنك وبدا في ظهوره الأخير مجهداً بحكم التقدم في السن لا يزال قابضا بشدة على زمام الأمور، وماذا يمكن أن يحدث في حالة غيابه لسبب أو آخر ؟.

كل المؤشرات التي يجمعها رجل الشارع اعتمادا على الحدس بالدرجة الأولى وبعض القراءات والآراء التي تذاع هنا وهناك على الفضائيات وتبث على مواقع الإنترنت تؤكد أن نظام مبارك مازال قادرا علي الاستمرار في كل الحالات، ربما لأن أذكي ما فيه هو أنه هو نفسه يحمل لمحة من كل التيارات السياسية التي تواجهه.. فهو نظام مدني، لكنه لا يتجاهل الدين، ونظام سلطوي لكنه لا يقمع الحريات بفجاجة، ودائما ما يترك النظام مساحة في داخله، لكي يتحرك فيها من يختلفون عنه، وهو ما اشتهر باسم quot;سياسة الاحتواءquot;، وهي السياسة التي جعلت مصر تتوقف مكانها.. أن تحيا حالة من quot;الثباتquot; نطلق عليه إذا أردنا أن نمدحه لقب استقرار فإن شئنا ذمه قلنا quot;حالة جمودquot;.. ركود.. تحجر.. الفكرة كلها أن النظام يحاول دائمًا أن يصلح أوضاعه لكن دون أن يغير بنيته، ويدع المعارضة تتطور وتتنوع ما بين حركة كفاية والإخوان والأحزاب، ولكن دون أن يكون لها تأثير فعلي، أو ثقل سياسي حقيقي يمكن أن يهدده، باختصار فإن سياسة مبارك في حكم مصر تتلخص في جملة quot;دعهم يقولون، ولكن لا تمنحهم الفرصة كي يفعلوا شيئاًquot;، هي طريقة تكفل استقرار الحاكم على سدة الحكم بأقل قدر من الخسائر، وبقدر كافٍ من المرونة لا يسمح بتصاعد الاحتقانات إلى حد يشكل خطراً حقيقياً على النظام والدولة.

معضلات إقليمية

أما في الشأن الإقليمي فقد تجلت ملامح المعضلة الشرق أوسطية حين توجه أوباما إلى نظيره المصري قائلاً: quot;في نهاية المطاف، ستقتضي الحاجة قدرًا من الشجاعة ليس فقط من جانب الإسرائيليين والفلسطينيين باعتبارهما طرفي الصراع، ولكن أيضًا من الدول العربية الأخرى والتي ينبغي عليها تقديم المساندة والدعم لجهود السلامquot;، على حد قوله. ورد مبارك في محاولة لتفادي تحميل بلاده أي أعباء إضافية، بقوله: quot;إذا بدأت المفاوضات، فإن ذلك سيدفع الدول العربية لمساندة عملية السلام، وأستطيع أن أقول لكم إن كافة الشعوب المنطقة ضاقت ذرعًا بالفترة الزمنية الطويلة التي استغرقتها تلك القضية دون أن يتم التوصل إلى حل لهاquot;، حسب تعبيره.

وفي الفترة الأخيرة، ظهرت مصر باعتبارها أهم حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط، وهو ما يرجع إلى العلاقات القائمة بينها وبين إسرائيل، وتأثيرها على الفرقاء الفلسطينيين، وقدرتها واستعدادها للتصدي للجهود الإيرانية الرامية للتغلغل وبسط النفوذ في المنطقة، ولهذا عمل أوباما منذ بداية ولايته على تعزيز وتقوية أسس العلاقة التي تربط بلاده بمصر، وهو ما ظهر من خلال اختياره لها لتكون المنبر الذي يلقي منه خطابه التاريخي الذي توجه به إلى العالم الإسلامي في حزيران (يونيو) الماضي، وهو الخطاب الذي كانت له أصداء واسعة أشار إليها مبارك خلال زيارته الأخيرة حين أكد أن ذلك الخطاب كان قويًا للغاية، وأنه أزال كافة الشكوك التي كانت تحيط بالولايات المتحدة في دول العالم الإسلامي، كما ألمح مبارك أيضًا إلى الخلافات بين بلاده وبين إدارة الرئيس السابق، حين قال: quot;على الرغم من الصراعات التي دارت بيننا حول بعض الموضوعات والقضايا، فإن ذلك لم يؤدِ إلى تغيير طبيعة العلاقات الثنائية القائمة بين بلديناquot;.

وكانت سياسات الإدارة الأميركية السابقة قد ساهمت في إقصاء مصر عن جهودها الرامية لتحقيق تسوية للصراع في الشرق الأوسط وذلك بسبب الانتقادات التي دأبت على توجيهها للقاهرة بشأن قضايا الإصلاح الداخلي، والتحول الديمقراطي، بالإضافة إلى ما قيل عن ملف تعامل السلطات المصرية مع المعارضين السياسيين وكان الغزو الأميركي للعراق الذي تم في ربيع عام 2003 سبباً آخر من الأسباب التي أدت لزيادة الجفوة بين الجانبين، وعندما قام أوباما بعكس هذا الموقف، قوبل ذلك بانتقادات واتهامات ومزاعم، بأنه يغض الطرف عن سجل مصر السيئ في معاملة المعارضة وغيرها من القضايا الحساسة التي كانت سبباً في الفتور الذي اعترى العلاقة بين واشنطن والقاهرة طيلة السنوات المنصرمة.

وفي ختام الاجتماعات أدلى أوباما بتصريح له دلالاته قال فيه إنه عقد محادثات مكثفة مع الرئيس المصري حول معضلة الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وإن البلدين يمكنهما العمل معًا من أجل حل العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، وعلى رأسها ذلك المتعلق بكبح طموحات إيران للحصول على أسلحة نووية.