عامر الحنتولي من الكويت: سجّل رئيس الوزراء الأردني نادر الذهبي شجاعة لافتة وهو يتوجّه إلى العاصمة العراقيّة بغداد، على الرّغم من ملامح الانهيار الأمني العراقي التي تؤكّدها أجهزة استخبارات في الإقليم، إلاّ أنّ الذهبي حاول أن يصطاد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وأن يجذبه ليكون حليفًا أردنيًّا بعدما شرد الأخير من حلقة الائتلاف الشيعي الحاكم في العراق أخيرًا، وإعادة الحيويّة الحقيقيّة إلى العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنيّة بين عمّان وبغداد التي تراجعت على نحو ملحوظ منذ سقوط النّظام العراقي السابق بقيادة صدام حسين الذي كان يفضل الأردن إقتصاديًّا كجار موثوق على الرّغم من إيثار عمّان في عدّة محطات الفصل بين التقرّب إلى نظام صدام إقتصاديًّا ولضرورات محضة، وترك مسافة معقولة عن نظامه السياسي الذي كان يختصم مع محيطه القريب، وكذلك محيطه الدولي الأوسع، إلى أن سقط نظامه عام 2003 حيث خسرت عمّان حليفًا إقتصاديًّا مهمًّا لم يعوّضه حتّى الآن أيّ جار ثري لعمّان.

ووفقًا لمصادر quot;إيلافquot;، فإنّ الذهبي قد حمل إلى بغداد ثلاثة ملفّات مهمّة وشائكة من شأن النجاح فيها أن يبقيه رئيسًا للوزارة في بلاده، وهي النفط وتجديد الشراكة الإقتصادية مع القطاعين العام والخاص في العراق وملفّ المعتقلين الأردنيين في السجون العراقية. إلاّ أنّ نظيره المالكي فاجأه تمامًا في ملفّ المعتقلين حين أفهمه أنّ لبغداد أيضًا معتقلين ومطلوبين، وهذه مسائل تحسمها اللّجان الفنيّة بين البلدين، وهي إشارة تعني أنّ بغداد تتحدّث عن قادة بعثيين طلقاء في عمّان سبق أن طالبت بهم بغداد رسميًّا ومن بينهم عائلة الرئيس العراقي السابق صدام حسين، إذ تحدّث المالكي أيضًا عن أنّ القانون يسود في النّهاية شارحًا لضيفه الأردني أنّ من تطالب بهم عمّان هم مساجين صدرت بحقّهم أحكام قضائيّة وليسوا معتقلين بلا محاكمة، مؤكّدًا على أنكثيرين منهم تورّطوا في تنفيذ وتسهيل عمليّات إرهابيّة وهؤلاء لا مجال لإطلاقهم أبدًا، وهناك من تورّطوا بجرائم سرقة وتزوير ومخالفات إداريّة وهؤلاء من الممكن جدًّا أن يتمّ النّظر في عقوباتهم وتخفيضها في مرحلة لاحقة، علمًا بأنّ تأكيد محمد الدباغ الناطق باسم الحكومة العراقية على أنّ السجناء الأردنيين لن يطلق سراحهم بمناسبة زيارة الذهبي كان يعني أنّ بغداد لا تريد النقاش حول هذا الملفّ مجدّدًا.

وفي الملفّ الاقتصادي، أرسلت بغداد رسالة إلى الذهبي عن أنّ مسألة النفط لا تستطيع الحكومة الانفراد بقرارها بشأن تزويد عمّان بأسعار تفضيليّة تقلّ عن سعر السوق الدوليّة، لكن في مسألة الدخول في شراكة إقتصاديّة حيويّة يمكن لبغداد أن تساعد عمّان كثيرًا في هذا الإطار من خلال الطلب إلى رؤوس أموال عراقيّة للقطاعين العام والخاص التوجّه إلى البيئة الاستثماريّة الأردنيّة، وهنا أيضًا، وفقًا للمالكي، تستطيع عمّان أن تجذب وتغري رؤوس الأموال العراقيّة وتوطّنها في الأردن من خلال تسهيلات تجارية وإستثمارية، إذ تحمّس الوفد الأردني لهذا النوع من التعاون الذي من شأنه أن ينعش الإقتصاد الأردني، إذا ما نجحت الحكومة الأردنيّة في اصطياد الأموال العراقيّة المتدفقة بقوّة إلى الإمارات وتركيا وكردستان وإيران، لكن على عمّان أن تنتظر الآن إلتفاتة إستثمارية عراقيّة جادّة إلى الأردن، وهو انتظار قد يطول، لا سيّما أنّ الملفّ النّفطي بقي جامدًا بين عمّان وبغداد، علمًا بأنّ العراق يزوّد الأردن بنحو 18 ألف برميل نفط يوميًّا بوساطة الشحن البري عبر خزانات ناقلة، لكنّ حاجة الأردن فعليًّا هي أكثر من مئة ألف برميل.

وفي الشقّ السياسي للزيارة التي ينتظر أن تحصد نجاحات قد تتأخّر وقد لا تأتي، ظهرت تصريحات للذهبي من شأنها أن تفخّخ العلاقات الأردنيّة - السوريّة المهدّدة أساسًا تحت لافتتي الملفّ المائي وترسيم الحدود، حين ظهر رئيس الوزراء كما لو أنّه يساند الاتّهامات العراقيّة لسوريا بالمسؤوليّة عن الهجمات الإرهابية الأخيرة التي وقعت في العراق قبل نحو أسبوعين، وتثير حتى الآن عواصف شديدة على العلاقات العراقيّة - السوريّة، إذ طالب جيران العراق بدعمه ومساندة استقراره الأمني، وهي إشارة قد تبدو لاحقًا أنّها سقطة سياسيّة غير متّفق عليها في عمّان كأحد مخرجات الزيارة إلى بغداد، لأنّ نهج الاعتدال في السياسة الأردنيّة المتّبع بصرامة في تقاليد الحكم الأردني لا يساند هكذا تصريحات من شأنها أن تثير عواصف سوريّة تجاه الأردن، لكنّ عمّان تتمنّى الآن ألاّ تثير تصريحات الذهبي توابع أسئلة سوريّة، وأن تمرّ في دمشق مرور الكرام، علمًا بأنّ المالكي قد يكون تقصّد أن يثير هذا الموضوع أمام الذهبي للحصول ولو شكليًّا على تصريحات من مسؤول أردني على هذا المستوى ليعزّز بها معركة بلاده مع دمشق، خصوصًا أنّ المالكي بات يعمد إلى تدويل اتّهاماته لدمشق، وهو الأمر الذي اعتبر الرئيس السوري بشار الأسد أنّه يفتقر إلى المصداقيّة والأخلاقيات السياسيّة.