من مواليد 1957 في باقة الغربية - المثلث الفلسطيني. اصدر خمس مجموعات شعرية بين السنوات 1979 و 1997. له عدد من المؤلفات في نقد الثقافة العبرية. ترجم عشرات الكتب من الادبين العبري والعربي الى اللغتين. يعمل في الاعلام
الفلسطيني كباحث في "المركز الفلسطيني للدراسات الاسرائيلية" في رام الله ويحرر سلسلة من الكتب المترجمة عن العبرية للغة العربية. يكتب في صحيفتي "الايام" (رام الله) و"فصل المقال" (الناصرة). يعيش في باقة الغربية (المثلث)، متزوج + 3
انطلق، يا عفناً في لُغة!
اطفح بالألوان المكعبة لأخلق سوريالية ملتزمة تخلصني من حساب قديم مع التاريخ ، وأجيز لنفسي اعتبار "هاملت" بطلا سوريالياً، لأن رقم 6 صليب معقوف تتستر خلفه ارقام لا حصر لها، خلف مساحات ضاق بها جلد اللغة، خلف معان حصرناها، تتململ. لن أسأل نفسي: الى اين يمضي الانسان؟ ذلك انني عارف جدا ان الخراب الجميل مادة خام لاخلاقيات جديدة في الفن، هي وحدها النتيجة الحتمية لحالة ذهنية يمر بها الوعي ولا يمكن له استيعابها بسهولة . وبهذا فقط تصنف الاجناس. لن، هذه، اقصر من صبر فلسطيني يهرول بعيداً عن الهدف. لن، كلمة كافرة، جَنين ينمو في جسم مخيم، وناس المخيم ذها جسم موصل للانسانية، ولكن.. ما اغبى العالم!
لنا شجرة واحدة لن ينخرها سوس، لذا سأسمح لنفسي بقطف ثمرة حفر كارل كراوس اسمه عليها بمشقة : "انا لست بشاعر حتى اتعامل مع النفايات، انني احول النفايات الى قصائد، وهكذا انظم تجمعات لمساندة الشعر". ثم ان العفن الذي سمحنا له بشق بطن كلماتنا، جرثومة عارية في اسطوانة فارغة. والفنان الحقيقي من يجعل الاخرين يعترفون لانفسهم بحقيقتها العارية، وما نفعله نحن لا يصل حتى الى تحسس شفاه كلماتان ببرودة!
لو كنت رجلا ضالا في غابة ولجأت في الليل الى اول بيت اصادفه، لاستبدت بي الدهشة لاكتشافي ان البيت بيتي، ولتنحيت, ولكنني اخاف الا اشهد اليوم الذي سيعترف العالم فيه بأنه حمار.
هنا، لن اقطف ثمرة اخرى.
اتلفت حولي لاصادف حجرا في القدس القاه هربرت ريد، كتب عليه ما كان الجد ادم قد جهله، لغبائه: "ان الطبيعة من الضخامة والتنوع، بحيث يبدو لأول وهلة انه من المستحيل تماما اختيار معالم عامة يمكن اتخاذها مقياسا لشكل الاشياء التي نصنعها. وفي واقع الامر لم يبحث الفنانون عن مثل هذا المقياس وانما احسوه ووجدوه بالفطرة، ثم ان الاشكال الاولية التي يعطيها البشر لاعمالهم الفنية، هي نفس الاشكال الاولية الكائنة في الطبيعة". سأضيف، اذن، ان كل كتابة لا يكون هدفها الانسان، زائفة، ولو كانت طلقة تتفسر. هكذا اتعامل مع الكلمة، لأمتلك المقدرة على رفض كوني خيطا احمر في قطعة قماش بيضاء! "وكيف يعرف الحجة من الشبهة من لا يعرف ما يعلم معتقداً، ولا يعلم يقيناً، مما يعلم، ولا يعلم معتقداً" - كما قال الجاحظ؟
*
فيا أيها الشعراء!
اضبطوا اوراقكم المفخخة
على قدوم الحيرة
واحملوا قصائدكم الانشطارية
الى ساحات الذكرى
فالكلمات المهجورة تنضو ثوب العزلة عن كواهلنا
والليلك يغزو احتمالات الدم
اذ يتبوأ مآفينا المشبعة بالتلاشي
*
اخيراً، هل يمكن خلق سوريالية ملتزمة ؟
سبق العُمر العذل
"سبق - العمر - العذل"
فالثلاثاءُ اتت في الاربعين،
لحظة، قبل المدار الصعب في ايلولَ..
،
لو اني تأخرت الى موعدها دهرين ضوئيين،ِ
لو ابقيت في سِفري قليلا من حنينِ الطَّلّ للوردةِ،
والهدهدِ للرحلةِ،
لو اني تأخرتُ قليلا،
دورة او دورتين.
،
لكن الثلاثاء اتت بعد الخميس...
،
سبق العمرُ العَذل!
(1997)
يا هدهدها.. ثمَّ أقِمني !
زيفٌ هذا المشهدُ، قَدَرٌ كافر
ظِلّ سحابٍ اسوَد، هذا المشهد،
مسقط حتفٍ غادِر.
*
سيدة البرق انتحرت
سقط الضلع الثالث في الخيمة
وارتحل الطير الزاجل.
وتصَدّعَ حجرُ الزاوية الاخضر.. فَرَقاً،
هبّت ريحٌ صفراءُ على جذَل الساحل
وابتدأ العدّ العكسي الى منفاي.
*
زيفٌ هذا الموقف. حظ عاثر.
شرطُ المنفي الازليّ الاحمق،
وضباب الوطن الساخر.
نحرُ غزالٍ برّيّ ينبش قبرَه،
ويكابد امرَه،
فرسٌ بيضاءُ مكللة بالغار
.. وتسرقها مني
قافلة بريد عبَرَت صوب الصحراء العربية
حمَلَت وجعي قرب المتوسط،
وَهَنَت، حائرة،
واضاعت شاماً خصبا بالوهمِ، اضاعتني.
*
كم يحزنني هذا الرجع على ناي الذكرى
وأنا إذ اذكرُ
اذكرُ منفايَ زمانا وحدي
اسأله اسمي، واكابر في سرّي:
بلدي لا يذكرني!
*
وانا إذ أسأل،
أسأله يوم "سداد الثأر"،
ولا يسمعني.
*
يا هُدهُدها المنتوف الريش انهض
وأقِمنا،
ثم اقمها،
ثمُ أقمني!
(2002)
عروسُ البحر
حين يهجر البكاء ارصفتنا الشاحبة
وتكتحل المقاهي الغريبة بالسخرية المرة /
تتأرجح شمسها بالمقاصل المنتشرة
في سماء الأبد المدمَّر -
يأتينا البحر بأشرعته البيضاء
تشق الأفق كالسيف المتوهج بالألق البَدئي.
*
هو ذا البحر يستوفي مراثيه الخريفية
لتكبه العاشقات بالحبر السري
نشيداً على نهودهن الخزفية.
*
- اينها عروس البحر
تقربني من اللجة الضائعة مني
منذ قرون؟
في رحم اللغة الحجرية
كنا نهبط ساحات الفقراء الوردية بالفقمات المرة /
كانت انثانا المخبوءة في شجر اللجأة مستسلمة للعصف
متوحدة، تطفئ وقدة هيكلي الليلي/
تقيم على جذع الماء خرابَ الماء.
متصادية، تبعثني بين رماد اصابعها
محموما من فزع الشهوة
ابصرتُ بلادا تسلخ عن سعفة وجهي خضرتها
لا تأمر باسمي عنقاء الكلمات المثلومة بالوحشة
ان تدخل سجدتها /
حين تكاشف بالمد كهوف الرأس اللزجة.
،
اذ ادلف للعالم بالشعر يُصَيّرني بالوحدة صَمتُ الروح خرابا
وانا خرِبٌ بالرقدة يا أيتها الراقدة الأبدية.
بادية قدامي الطرق المحتارة بالناس ِ
وما من احد يتحسس في جذل العزلة صخرته
ويسجل للأذن العصرية مارشات تعب.
ما من احد ينتزع الذاكرة المعقوفة بالشفرات
ولا يتكرر كالسحب المغرورة بالفوضى.
ما من أحد لا ينفش كالطاووس.
،
أصوات،
يا سارية الأيام المهجورة،
لا تتوحد في ليل الانسان.
في الواجهة الصحراوية للانسان.
في ليل الشاعر مثلاً،
تتوحد اقمار الابدية.
في رحم الغابة ايضاً
تقترب الأشياء من الانسان.
والحجة،
عند حضارات البسايكاديليكي
تتخلل كالشعر على نافذة المقهى
وتراهق بالأرقام الكنعانية / بالارهاب.
الحجة،
إذ تخترع لغات تتنزه بالضّوأة
تتزين بالباروكات الذهبية.
لا تذهب للنوم بحلتها الصلعاء،
تقيم على استذكار اللعنات /
وتبكي !
الحجة،
في رحم اللغة السوريالية
قامات فرح.
هموم هملت فلسطيني
هملت!
منتفخ بالثمرة
يقضم عشبة موتي
ينطرني في خطو الريح على الاسلاك
المني ان انساه
يخطو في فاصلة او نقطة
يترصدني وانا احللته
في بلد يتحاماه،
فأعوذ به مني
من غضبي، لو فجّرَه الرّب لما نفذَت كلماتي
فالبحر مليء صدفاً، لا كلمات.
،
فلتنفذ كلماتي دونك يا بحر
يكفيني نهر الدمع الممتد الى قلبي
يكفيني حزني.
،
- هملت!
من ينفيني من حزني؟
هملت!
توّجني ملكا كي لا يقتلني عمي!
فاعوذ به مني
لو فجرت البحر لأتعبني حزني!
واحد من هؤلاء
... وكان / ياما كان / هذه حكاية عن زهرة تحس بالفقدانِ كلما خضّب وجه الله روحها بالوجد / كلما ايقظ في اهدابها الشوق الى التفتح الناعم / للحُب / وللتأمل الوحيد / حينما ينهار هذا الليل في بوابة الصباح
*
وللصباح / يا ما كان / نحلـُه ُ / قهوتـُه المرة:
اخر القهوة صبح /
اول الروح صلاة.
*
(سأصلي, للتي اطعمت نحل روحي رحيق القِرى /
ايقظت في عبق الهدب شوق النظر.)
*
- تريد قهوة؟
تسألني الاصابع التي تخفق بالحبر
- - وعمرنا؟
- مُرٌّ
- اذن,
تريد قهوة الصباح مُرّة ترومها الروح, ترمم المدائحَ الداهرة الأكيدة.
تكتبها / قصيدة للعاشق الوحيد في مسالك الزهور.
- واخر القهوة؟
- خفاقة بالاثم،
اخر العمر اطار داكن
تسري على أمواجه الجريدة
- واخر الاحلام
من اغفاءة الصبح -
حكاية كانت -
حكاية اكيدة كانت
اخرها بيت يفسر القصيدة.
تمتلك الربيع من فوهة الشتاء، توثق الفجر على بيادر الليل، وتغسل الطل
بقامة داهرة / يبرحها الظل
بقامة اكيدة.
،
وآه يا عذاب المدن التي تشربها القهوة مُرة /
لها المكان راحة لليد
والزمان بحر الزبد الغارق في المتاهة البعيدة
،
يا عذاب المدن التي تذوي على الشفاة محرقة:
بوصلة غارقة في البحر
علَم / ما عاد خفاقا
وراية منكسة،
برج وعاشقان يهوديان
او حمامة زاجلة / مرتحلة،
وطلعة تمارس العناق / او تخترع الكشف لكي تصغي اليك / انت / كي تصغي اليك / واحداً من هؤلاء؟
كم
يجذبك الذهول / والروتين / هذا الامتلاك الفظ للشيء / اذ انت عبدت الطيف / او كنت انعتاقا لحفيف ناعم الخطو / ينوّم الجراح / يُدني لوعة الروح / يسميها بلون الاقحوان:
هاك /
طلعة المُحب,
واحدا من هؤلاء
واحدا من هؤلاء.
(القصيدتان، الاولى والثانية، لم تصدرا في كتاب، وهما تنشران هنا لأول مرة، بينما اختيرت بقية القصائد من مجموعتين للشاعر: "نون وما يسطـُرون"، منشورات اتحاد الكتّاب العرب في الداخل (1988) و "الغرائبي"، منشورات وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله 1997).