من مواليد الطائف بالسعودية. مدير التحرير للشؤون الثقافية بصحيفة الرياض بالسعودية. المشرف على الملحق الثقافي وكتاب الرياض الشهري. صدر له: "خيمة أنت والخيوط أنا" (1976)، "ضحاها الذي " (1986)، "وتنتحر النقوش أحياناً " (1990)، "أيورق الندم" (1995)، "وللرماد نهاراته" (2000).
الإحاطة بما حوالي الشاعر وسبر أغوار الحياة
بداية أحب أن أشير إلى شيء هام، وهو أنه على الشاعر أن يعي مسؤوليته ويقدرها كشاعر من حيث وجوب المعرفة، ومحاولة الشمول، كي يستطيع أن يملك ناصية التعبير ويعلم بالتأكيد أن الشعر يُعلّم ويسُر ويثري، كما قال أحد المهتمين بالشعر عالمياً، أو كما قال شاعرنا العربي القديم:
ما أرانا نقول إلا معاراً
أو معاداً من قولنا مكرورا !!
ومن هنا تأتي حساسية موقف الشاعر إذ أن عليه أن يحيط بما حواليه ويسبر أغوار الحياة، مدفوعاً بحسه الشاعري النافذ إلى أعماق الأشياء بحيث يصل إلى الجذور ويتسامى إلى الأعالي في آن، ولكي يبرهن على ذلك فإنه يجسد مشاعره في شرائح حياتية جميلة بمعنى الكلمة لكي تصل إلى غاياتها، مصورة للمعاناة بألوانها أمام الآخذ الذي يجد نفسه فيها دون أن يعلم، كما أن المعطي قد مدّ ما لديه وبسط علامة مشاركة وجدانية، وهي تجيء كعملية تنفيس عن الذات بغية الإطلالة عن طريق البوح المنسجم والمنسق تلقائياً، إذ يأتي متعاملاً مع الكل نظراً لما يحمل في ثناياه من صور صادقة مقبولة، وتأتي أيضاً عملية التجلي عند الشاعر في لحظات لايعد نفسه لها، إذ أنها تباغت وتفاجئ وتحاصر لتفرغ ما بها من شحنات متواليات، وفي أي وقت فما يكون للشاعر إلا الرضوخ، ومن ثمّ تجسيم المعتملات في جوانيته وتقديمها للآخر، وفي هذه الحالة حالة التعامل مع التوالد المتوالي للدفقات الشعرية تبرز في لحظة الاعتمال ممتلكات اللاشعور التي تختزن في الذات على مدى سنوات وشهور، فتظهر بدورها معلنة حضورها كرافد لما هو حاصل، فيحدث التواشج بينها وبين المعتملات، فتدخل الممتلكات ضمن العمل، وهي من عمل آخر، وهذا برأيي هو جوهر التضمين، هنا بعد الإلماعة البسيطة الآنفة، واليت كان لابد منها لتبيان المسار الذي يجذب الشاعر .
وعن الكيفية التي استطعت فيها أن أوظف الموروث الشعبي في نصوصي الشعرية، فأول شيء بعد الوعي الشعري الذي يتحتم وجوده إضافة إلى الموهبة أن تكون هناك معايشة حقيقية للأشياء التي أدخلها ضمن القصيدة (النص) زيادة على ذلك فإنني لم أدخل أشياء لم أجربها، وأتعامل معها، أو أشاهدها في حياتي فهي مخزونة في الذاكرة كما هي محبوسة في اللاوعي، إذ أنها تزيد عن الحد فتأتي عندي وقت التعامل مع الكتابة وتدخل قسراً دون إحساس بها، وأنها من ممتلكاتي الخاصة، وأعاملها كذلك دون قسوة لأنني أرى في تواجدها حالة خاصة، وأنها يجب أن تكون وإلا أصبح العمل مبتوراً، فأطاوعها دون حذر، ثم تذهب وأنا في حالة اتصال بالفعل الشعري دون أن أدري إلى أن ينتهي النص، وعند المراجعة التي تأتي في وقت متأخر جدا، تبدأ عملية التشذيب إمعاناً في تأصيل الجماليات التي يحتاج إليها النص عندما أريد إظهاره، ونشره، وأعتقد جازماً أن التضمين بالموروث الشعبي لايستطيع على توظيفه جيدا وبشكل مقنع من لم يعايشه، تجربةً أو مشاهدةً ومشاركةً أيضاً لأنني عندما أذكر مثلاً (المزمار) فمعنى ذلك أنني قد شاركت/ حملتُ العصا ( الشهون) ونقلت خطواتي على وقع أحداث ودرت حول النار المشتعلة وأن أردد والعصا تلف بين أصابعي :
وسقوني .. شربة من زمزم
يامالي .. شربة من زمزم
فقصيدتي جوقة الزار، لم تدخل التضمينات فيها متعسفة أو متهورة بل جاءت في التسلسل، وكانت لي أول تجربة في تضمين أبيات شعبية على مستوى الشعر الحديث في الداخل، فعندما أقول :
خوّفوني وأنا ماخافء
وأحسب الضلع يزبني
ودار، ودار كالحذروف حتى شلت الحركة
تمنطق ثغر حاديهم :
قفوا ياقوم ..
فذي ليست "نشيدته " )
فإن كلمة نشيدته معناها " قصيدته " وهذه دارجة على ألسنة الراقصين، وسمعتها مراراً بطرق مختلفة .
والتدقيق في الحاصل وما هو جارٍ أما أن يعتقد أن يضمن الشاعر بما لايعرف ويدرك فإنه يقع في أخطاء فاحشة، لاتستطيع إلا أن تصفها بالجهل لأنها جاءت للتحذلق، والإيهام بمعرفة ما لم يعرفه ويكثر ذلك في أشعار البغض من المقلدين، وجاءت تضمينات أخرى في قصائد كثيرة في مجموعتي " ضحاها الذي" شملت أهازيج البنائين ونداءات البياعين، وترقيص الأطفال ومداعبتهم، وهي أشياء عشتها وشاهدتها، يحدوني إليها إحساس داخلي يفرضها في مواطنها دون معارضة مني لأنني أراها في حاجة إلى محافظة لكي تبقى في الصورة للجميع فإن لم يحصل ذلك، فإنني أعتز بها، وافتخر بجزء من تراث أمتي الشعبي، وما كان أسعدني عندما رأيت كثيراً من أشيائي التي كنتُ أظنها ذهبت، تمثل بصورتها الحقيقة في مهرجانات الجنادرية .
أخيراً أرى أنني وفقتُ في استثمار الموروث الشعبي تضميناً في نصوصي الشعرية مما أدى إلى إتباع هذا المسار من قبل زملائي من الشعراء، فمنهم من كان موفقاً نظراً لتجربته، وتمثلها، أما البعض فقد كشف مكوناته الرخوة، إذ وضع اللبنة محل الحجر .
القرطاس الأسود والحبر الرمادي
القصيدة غير منشورة وخاصة بإيلاف
خدعوك بالقرطاس
ماكتبوا سوى سطرين
ما وهبوا سوى رقمين
وما نشروا سوى الخبر الملفق من حثالات
الوكالات المبرمجة الرتيبة
وما بثوا إلا خطابات مغلفة
بالطين والحلتيت والصبر المروب في دلال الجالسين
من عهد ما قبل وما بعد
وما قد خط في لوح الأماني
اللوح محفور بازميل التذكر
عند نافذة المدون
قرب قارعة الطريق
فتش ونقب
لن ترى إلا محاذير الهواة
هم يجمعون نفاية الافكار
بعد كنس الأرصفة
تأتي معلبة بجهد الخائر النعسان من هنالك
من هنا
السوق مفتوح لكل الباعة المتجولين
مع الضمانة للزبون
لولا الذي قد جاء يخبر بالقدوم
لتحطمت كل الأطر
وتبخرت كل الصور
وتعكرت كل الأمور على الخيوط الواهنة
نسجت بأطراف الأصابع عند حياك البيوت
بيوت من كانوا على القرطاس حراسا
يلفون الحروف لكي تعثر كل سطر ذاهب يبغي الكمال
لتشنق الكلمات قبل تمامها
****
السقف مشقوق على هاماتهم
فتقرفصت قاماتهم
وتقزمت
ذابت فما عادت تقاوم
صكت نوافذهم
تداعت كل حجرات المنازل
فغدا الفراغ على مدى
مدى النظر
فتناثر الإشعاع في الأركان
عم الساحة القصوى
فأمعن يرسم الصور المقزمة الملامح
يمحو القواعد دون أن يبني المغاير
ويمر بالإبهام يبصم قانعا بالأمر
حتى بالإشارة
يجثو على خد الطريق
يعاين الصور التي بثت بجانبه
مرمدة المقابض
من أكف الناحتين
حفروا على هام الصخور علامة الفهم المعتق
في قدور المارقين الأولين محدودي القامات
ممتلئ البطون السائلات على الركب
بركوا وتبرك قربهم
وعيونهم خلف الغيوم
تنسج العتم المذوب في حروف القطعة الأولى
من المحفوظات في صدر الزمن .
*****
يمشي وينقل خطوه فوق الجماجم
ويفحُ في استفساره الأبدي
أنا لست أعرف من أنا
ويردد المعنى مرارا
أأنا أنا
تاهت خطاي تعثرت
وخوت فما عادت تقاوم
لفها قيدوم قصدير الزمان المهتريء
فتجشأت حبلى بأورام الطريق
هذا أنا .. أم أن غيري قد تستر في أناي
فمشى خطاي
ومضى ولم أمض أنا
حفر السؤال على السؤال
فتقطعت كل الحبال الموصلات إلى جواب للسؤال
سيظل في الخطاف بين سمائه
ولأرض
تعلق/ علقوه
فترمد المعنى بعينيه
تآكل مثل عقب سيجارة المهموم عند آخر مزة
طفقت بها شفتاه عند سماعه الخبرالمباغت
ويوزعون الصورة الأخرى
بلا لون
ولا برواز
باهتة ملامحها كما العفريت
بانت لمن نظروا ومن شاخوا
تبدت في مخيلة الجميع
قسرا تراءت
دون دستور وإذن ممن يملكون القول
في الكرسي أو في الساحة الصغرى
تبلد هاجس قد خانهم في فرز ما يدريه/ غائبه
هذا زمان القول واللافعل قد حامت نسوره
فوق أجواء المساحة
والبوم ينعق في الخراب
والدود ينغل في التراب
حتى الرماد تطاوت خطواته
فمشى إلى خط السحاب
عجبي من الملاك كيف تباشروا
عن يوم قحط قد يجيء
جلسوا على عتبات دار الوهم
يفترشون أمتارا من الأوراق
والأخبار عن حال الموانئ
صادرا/ واردا عبر الجهات الأربع
الأصلية المتوارثة
لافرع فيها غير م ايمليه دولار ويورو
فتهالك الدينار وانتحب الريال
وصاحت ليرة مع أختها :
أواه ماهذي الفضيحة ؟
من منكمو قد قالها
لا شيء يدنو غير أصداء الكلام
قد بح صوت الناعق الغلبان في سوق الكراج
كم نقول
كم نقول
كم نقول
من يشتر مني بضاعة صاحبي
من ألفها للياء فيها
قد علبت وتحدد العنوان فوق غلافها
لم يبق إلا رسم شاريها
يخط بالكوفي عند شرائها
من قبل تسليم النقود
كم نقول
كم نقول
كم نقول
هيا تعالوا
ساوموا
من قبل أن يأتي المساء
رسوم على الحائط
تجيئين قلت مع الغيم , قلت .. تجيئين عند
احتدام الرعود وقلت .. تجيئين عند المساء
وعند بداية كل صباح وقلت .. وقلت وكان انتظار
***
بنيت على الدرب كوخ انتظار لعلِّي أراك بفصل
الربيع مع العشب حين يجيء المطر .. وهبَّت رياح
الشمال مرارا .. مرور القطار .. الخريف وليس هنالك غير انتظار .
***
وأيوب .. كان الكتاب .. الجريدة, ترحل
قرب الصباح بوادر حلم اللقاء البعيد .. وتنسج ثوبًا
***
ويا باكورة الأحلامِ
إن جاءتكم آهاتي
تسيل على دروب التيه رنّانه .
أجيبي بالنداء الغائر النبراتْ
وقولي عندها : كان اللقاء البكر حادينا .
وكم ماجت ظلال عرائش الذكرى
علينا عندما كنا
***
يرود بقاع التذكر سحر الجفون, يشد حزام
اللقاء الذي كان يومًا قصائد تتلى, يؤطرها الشوق
والحلم واللهفة المخملية بين بريق العيون وهمس الشفاه .
***
وتطفو على السطح كل القشور , يعوم بها الموج
.. والموج يحدو الأولى ضاع منهم على الشط سِفْرُ
التذكر .. يعصف .. يعلج .. يخطف .. كل
الحكايا .. حكايا انتظار
***
يجيء غناء الأحبّة قبلاً - قفا نبك أو - يافؤاديّ
رفقا - علامات حبٍّ يلقنها الوجد للصبِّ وقت الرجوع
***
أنا ما زلت أحفر في الجدار ,
أحدِّد الأيام .
لعل خيالك الليلي ..
يرسف في قيود العين .
وألمس نشوة التذكار
فليت نهاية الأشياء
تعود إلى بدايتها
تجيء حبيبتي الأولى