من مواليد العراق 1960. حاصل على شهادة البكالوريوس في الترجمة من الجامعة المستنصرية/ بغداد 1987. زاول العمل في الصحافة الأدبية في العراق محررا ومترجما حتى مغادرته الوطن 1992.حائز على جائزة مجلة "الأقلام" للشعر في دورتها الأولى 1993.
أقام في اليمن للفترة من 1992-1998. أصدر ديوانه الأول " حالما أعبر النشيد" عام 1993 في بيروت/ لبنان. أصدر ديوانه الثاني " آثاريون" عام 1997 في عمّان (الأردن). له العديد من المخطوطات في الشعر والترجمة والنقد والمسرح بانتظار النشر.
الشعر العربي الآن
يقتضيني، لكي ألخص مفهومي للشعر الآن، أن أستحضر جميع مجرات الشعر، محليا وإقليما وعالميا. وهب انني تمكنت من فعل ذلك بمساعدة مصباح سحري ما للقيام بهذه المهمة؛ فان الأمر يبقى في حدود الافتراض، ما دامت مساحة الكتابة المتاحة هنا لا تمكنني من المضي قدما في متابعة ذلك الجدل. لن أتعرض، إذا، للشعر من مفهومه العام، وسأقصر هاجسي الشخصي للحديث عن المنجز الشعري في الكتابة العربية. من خلال استقراء شامل لتجربة التحديث الشعري، كما اشر النقد انطلاقتها بأواخر أربعينات القرن الماضي، فان محصلة هذا الاستقراء ستولد الكثير من الأسئلة، التي من أهمها: الى أين تتجه الشعرية العربية؟ ما الذي أنجزته ثورة التحديث على صعيد الواقع الاجتماعي العربي؟ بماذا نفسر العزلة الشعرية واتساع الهوة بين منجز الشعر ومتلقيه؟ وهل المسألة فعلا هي مسألة "... ولماذا لا تفهم ما يقال؟" وغير ذلك الكثير من الاسئلة. أحيانا يلتمس المرء عذرا للقارئ الذي لا يجد ما يجذبه الى الشعر الذي يكتب حاليا. البعض منا ما يزال يعيش حكمة الشعب المصري القديم في تحنيط المومياوات! لهذا يكتبون نصوصا موميائية ظنا منهم انها الوسيلة الوحيدة لضمان خلودهم، بالرهان على أجيال قادمة ستفكك رموزهم للوصول الى منابع العبقرية! أين قوة الشعر الآن مما يحدث في الواقع العربي الآن؟ وهل "يرى" الشاعر العربي، مثلا، ان اسم "العرب" سيزول من التداول في المستقبل وسيكون بديله " المواطنون الأصليون" تماما كما هو واقع الحال بالنسبة لمن يسمون في أمريكا حاليا بـ"الهنود الحمر"!
انخطاف
في الطريق الى السماء
كانت الطائرة تغصّ بركاب صامتين
الطريق تغري بأكثر من رحلة
والشاعر يتحفّز كنسر!
كان عقله مستغرقا بفكرة شاسعة
قلبه يمهد لنمو جناح أبيض
وعيناه مثبتتين بمايكرفون مشاكس!
تنضج الفكرة
يكتمل الجناح
يزداد الصمت كثافة!
يتنحنح الشاعر,
يغادر مقعده بهدوء
يتوجه نحو قمرة الطائرة
يستولي على المايكرفون بطرفة عين!
أرجو الانتباه!
على الجميع التزام الصمت
وعدم مغادرة المقاعد
لا داع للبكاء سيدتي..
وأنت أيها السيد الزم مكانك..
واصل طريقك بسلام أيها الكابتن..
ليس هناك ما يدعو الى الخوف..
أعدكم بشرفي, سينتهي كل شيء بعد دقائق..
أعد بشرفي, أيتها السيدات, أيها السادة!
كانت العيون زائغة..
الآذان مرهفة..
والقلوب شديدة الخفقان...
دسّ الشاعر يده في جيبه..
أصوات همهمة واستغاثات..
لا تزال يد الشاعر في جيبه..
نجنا يا ربّ..
وحين تتسع حدقتا الشاعر..
يكتم المسافرون أنفاسهم..
تخرج يد الشاعر من جيبه..
العيون تتبعها..
في اليد ورقة..
العيون تتبعها..
يفرد الشاعر الورقة..
العيون تتبعها..
يبدأ الشاعر الترنم بقصيدته الجديدة
التي كتبها قبل أن ينام!
يزداد اللغط من حوله..
صوت أصوات.. صوت رصاص.. صوت كلمات..صوت لكمات..
صوت شرطة.. صوت نحيب.. صوت صمت.. صوت محققين..
صوت دفن.. صوت أموات.. صوت ملائكة..
صوت مضيفة.. صوت قبطان.. صوت طائرة..
صوت سماء.. صوت حلم.. صوت قصيدة!!!
أبــــراج بابــــل
حين هبت عواصف الطوفان
قلت: احملوا في السفينة
من كل زوجين أثنين،
وابحروا الى مشارق الأرض ومغاربها.
حملنا في السفينة نهرين ونخلتين
جبلين وهورين
برجين وقبتين.
امتطينا ظهر المجهول،
قاطعين صحارى التيه والمسكنة،
مررنا بقوم أقزام في الروح،
استضافنا كرماء حد البهاء،
شتمنا أخوة لنا من نسل آدم،
وسامونا سوء العذاب،
وقعنا في حب الغيوم والسجائر والمدن الفاضلة،
رأينا من الغرائب ما يشيب الحواس،
وبكينا كثيرا كثيرا في مفترقات الطرق!
كنا نصيخ السمع لصوتك الواهي،
يأتينا عبر المسافات القاحلة وشقوق الأثير
نتلمس تهدج الصوت
وزفرات الألم
كانت مخالب الطوفان تمزق شغاف قلبك!
تعصرك خلية خلية،
نفسا نفسا
وكنت تعلو على فحيح العاصفة
ودوي الأعاصير
كنت تعلم أن مخالب الطوفان
سترتخي يوما ما
وتندحر العاصفة
وان فجرا أشما سيغسل جبينك المتغضن
وكنت تدري أن سفينتنا الحيرى
لا بد ان تعود الى مرفئها الآمن!
أوصيتنا أن نبتعد كثيرا
عن مرمى الطوفان
أن ننسى كثيرا من الأغاني
نحذف الكثير من الأشجار
نغض الطرف عن عتب الامهات
ولا نذكراسمك الا في جوازات السفر
وبطاقات الاقامة،
خشية أن يرتاب بكم الغرباء
انه الطوفان يا أولادي
فاجتنبوا مخالبه الدامية.
قلت لنا الكثير الكثير، أبتاه!
لكننا لم نقو على تنفيذ مشيئتك،
غفرانك أبتاه، غفرانك!
كنا كلما نظرنا حولنا، أبتاه؛
لاحت لنا أبراج بابل!
انها تحدق بنا من كل الجهات
وكنا كلما ابتعدنا قليلا،
ازدادت تلك الأبراج سطوعا!
كانت تعلو......
تعلو.......
تعلو......
وتتجسد أمامنا
في قمم الأمواج وأجنحة الطيور
قامات الأشجار وهياكل الجبال
أمتداد الأرصفة وتقاطع الطرق
ظهور المباني وناطحات السحاب
كانت أبراج بابل تعلو،
أبتاه،
تعلو حتى تملأ الأفق بقاماتها
وتسد جميع المعابر
كنا نراها في أسواق البالة
وفنادق الدرجة الخمسين
ووجوه متسولينا في ساحات الغرباء
نراها في مكاتب اللجوء
ووجوه المخبرين السريين
وعيون المحسنين
نراها في النوم واليقظة
في الحلم والحقيقة
تعلو أبراج بابل، أبتاه!
لتجثم على صدور القارات
وتفسد علينا حتى متعة أن نذرف دموعنا
حين نصطدم بصفاقة وجه العالم!
قطوف التين
(خاصة بإيلاف)
أيتها الناضجة كالحلم
والمشتهاة كقطوف التين
اني لأمدّ أشجاني
لأهصر خصر فضائك الفسيح
فتزلّ بي النجوم
ويهوي بي المدى!
انه الدوران في فلك المحنة
أيتها الغافية على سطوح الرنين
أيتها الرخية كالينابيع!
منذ متى وأنت تحترفين السماء
منذ متى وأنت مغرمة بالزرقة
منذ متى وأنت ضجة سيسبان
منذ متى وأنت قوافل زنبق
منذ متى وأنت شديدة السطوع
منذ متى وأنت باسقة!
حدّقي فيّ مليا
فسحة من نهار
أو جلبة من ليل
في أغواري السحيقة
ورموشي المدلاة على شفير البوح
في العواصف التي تهب بلا هوادة
من شقوق ذاكرتي ونسياني!
ولا أغنيك!
بل أنسجك دالية
تلتف على أكتاف مياهي
بل أتجرد ساهرا
لأفسر معنى عذوبتك
معنى أنك جلّنارة
ومعنى أنك قريبة كالريق
أنت أيتها الممشوقة
أيتها الناضجة كالحلم
والمشتهاة
كقطوف
التين!