شاعر و كاتب مسرحي. ولد بالمحلة الكبرى عام 1946. حصل على بكالوريوس الفنون التطبيقية 1972، و دبلوم الدراسات العليا في الصحافة 1981. يعمل بمؤسسة دار المعارف و تولى إدارة النشر الثقافي بها قبل تفرغه للكتابة. عضو لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة، اتحاد الكتاب المصري، نادي القلم الدولي، أتيلييه القاهرة للكتاب و الفنانين، لجان التحكيم في بعض المؤسسات الثقافية وجماعة "إضاءة 77" الشعرية.
مثَّل مصر في مؤتمرات و مهرجانات الشعر العربية و الدولية. عمل مخرجاً فنياً لمجلة "المنهل" السعودية و مديراً لتحرير "وكالة الصحف العربية" بالقاهرة. و يعمل الآن مديرا لتحرير مجلة "رواق عربي". حصل على جائزة الشعر من وزارة الثقافة عام 1969. حصل على جائزة الدولة التشجيعية في الشعر، و وسام الفنون و الآداب من الطبقة الثانية عام 1993، على جائزة اتحاد الكتاب (في المسرح ) عام 2002. ترجمت بعض أعماله إلى الفرنسية و الإنجليزية. تناول تجربته في الشعر و المسرح كبار النقاد في مصر.

جِّرب أن تمسك الضوء!

أعتقد أن دوري كشاعر هو إذكاء الذاكرة الجماعية عبر ولادتها مرّة أخرى من خلالي. إن الشعر الرديء هو الذى يستجدى التواصل مع الآخر، و ينتج عن الرغبة فى انتاج حلوى جاهزة، يمكن استهلاكها مباشرة و بدون خوف على أسنان القاريء.
بهذه الحلوى نصبح أمام شاعر العموم، شاعر يكنب قصيدته من الشائع والعام و المتوقع، يكتب بلغة هجينة مزيجا من لغة الشاعر و لغة الجماعة، و بخيال هجين هو خيال الشاعر و خيال الجماعة، و برؤى هجينة هى رؤى الشاعر و رؤى الجماعة. و هذا ما يجعله بالضرورة متعسفا مع تجربته ومقصيا من ابداعه ما لا يتوائم و ما تراه الجماعة.
أتصور الكم الهائل من الأبيات و القصائد التى حذفت من الشعر العربى، الأبيات التى لم تكتب أبدا و ظل وجودها (بالقوة) مؤرقا للشاعر قبل أن يطامن من طموحه و يخضع لآلية التواصل فيطردها أسيفا.
أتصور هذا الشعر البديع الذى أقصاه الشعراء من قصائدهم خلال ألفى عام لا لسبب إلا لأنه مدهش، غريب، غامض، فاتن، لا تستوعبه مخيلة الجماعة أو لغتها، و كلما تأملت الدور الذى مارسته الجماعة لترويض الشاعر النافر، خلال هذه القرون، أمتليء بالأسى لضياع أجمل القصائد,
إن إغناء حياتنا لا يأتى من تكرارها هى هى و انما يأتى من جعل الفرد يعيش حياته و حيوات الجماعة كلها فى آن، و لن يتم ذلك إلا بالفن.
الشعر ذاكرة لجموح النوع البشرى و هو الحضور الطاغى للجماعة في حيواتها المتعددة عبر الصيرورة فى الزمان و المكان.. ذاكرة تسعى للوجود و الخلود باللغة، و ما أفعله كشاعر هو مساعدة الجماعة على التذكر من جهة، و على إعادة اكتشاف العالم و امتلاكه من جهة أخرى، بجموح من يحاول الإمساك بالضوء.
بكلمة أقول : أنا جموح الجماعة.

إشراق
أسرف في الشرب
متجاهلا أوامر الطبيب
كانوا قد ذهبوا عندما
فاجأته النوبة
راح يجأر
و يترنح
و قضى عمراً ليصل إلى الباب
أراد بعض الهواء
أراد أن يراه أحد
أراد أن يهبط السلم
لكنه تعثر
و طار
لولا أن أمسكت بجلبابه أكرة الباب
فظل معلّقا فى الهواء
هكذا رآه أصدقاؤه في اليوم التالي
مائلا بجسده
عيناه جوهرتان
و يداه تمسك بالفراغ

عادة يومية

تكوّمت الجرائد عند الباب
و كان عندما يأتي فى الليل
أو يخرج في الصباح
يخطو من فوقها
كما لو كانت جثّة
محاذرا أن تلمس قدميه
يذكر هذا الصباح
عندما صنع قهوته
و فتح الباب ايأخذ الجرنال
يذكر تماما
كأنه الآن
كيف لوّث الجورنال قميصه بالدم
و كيف سقطت منه جثث طرية
تحدق فيه
و قبا أن يصرخ
أو يغلق الباب
كانت تهرول على السلالم
ثم تختفي

وليّ
بدا كل شيء في مكانه
فى الوضع الذى تُرك عليه
الكتب مبعثرة على الطاولة
و الملاءة مستوية
و التليفون خارج الخدمة
ربما تقف أمام المرآة
تحدق فى عينيها
أو ترسم شفتيها بلونين
ستفعل شيئا بالتأكيد
ستكتب
أو تقرأ
أو تسمع أغنية
لكنها في النهاية
ستتخفف من ملابسها
و تتمدد على السرير شاردة
و تفكر فيه
فى هذه اللحظة تماما
سيخرج لها من الحائط
و عندما تفيق
ستجد كل شيء فى مكانه
الكتب على الطاولة
و الملاءة مستوية
و أنها فقط
فى حاجة إلى الحمام

هواء
علّقني بشصه
و رفعني فى الهواء
طفت خارج جسدي خفيفة
و رأيت المشهد من أعلى
عريان عند باب المطبخ
يجلس القرفصاء بين ساقيّ
أنا العريانة
أحمل قهوتين
و أقف على صفيح ساخن

أحوال
صحا على بكاء يديه
من افتقاد
نهديها
فى الليل
اقتربت المدينة من نافذتي
تفرطح أنفها على الزجاج
( تراقبني بفضول العوانس )
ثم تختفي
فى تنفّسها
عزلة
كانت وحيدة تماما
تدخن
و تحدث نفسها أحيانا
و تخشى إذا تمطّت
أن تكشط السماء
وحيدة
في الطابق السابع
الكراسي لا تكفّ عن الثرثرة
و المرايا
تعاني من النمش المزمن

زجاج
على الحائط
بين الآيات القرآنية
و صور العائلة
كانت الشمس تمشي شاردة
ثم تتوتر فجأة
مثل كلب
يباغت نفسه فى مرآة

شيخوخة
في الأربعين
يصعد الماضي
حارّا كبخار الظهيرة
و جميلا
كتنهّد امرأة
تحت أصابع مدربة
إذعان

درجات السلم
المنحولة على شكل قدمين
حاول هذا الصباح
أن يتفاداها
درجة
درجتين
ثلاثين
ثم وجد رجليه تخونانه
و تقوده الأقدام المنحوتة
كما لو كان يقتفي أثرا

دائما

أمام التليفزيون
كنت مشوّشا
مثل شلة خيط
هل يتوقف القصف بانقطاع التيار
و إذا غادرت الغرفة
هل يتوقف الدم
عن ملاحقتي
كومبارس

أنا الكومبارس العتيد
الذى
عاش أكثر من حياته
و التقى بكل الشخصيات
حتى التى لم توجد قط
أنا الذى عشت في الماضى
قريبا من الرشيد
و أنبياء العهد القديم
و استدعيت إلى حيوات اخرى
لم تأت بعد
أنا الذى أفهم اللعبة تماما
لن أسمح بهذا العبث أبدا
إذ كيف أتمدد كجثة
طوال العرض
حتى لو كان كل شيء
كما يقول المؤلف
ليس إلا أخيلة تمرّ برأسي
و أن الشخصيات و الوقائع
ليست سوى حلم طويل
سينتهي
عندما أنهض أخيرا
بين تصفيق الجمهور
لا
لن تجوز عليّ حيلة كهذه
فما الذى يحدث
لو أنني فاجأت الجميع
بالدخول فى النص
سعيدا
بارتباك الأبطال أمامي
و بالشتائم التي تأتي
من خلف الكواليس
فى الليل

رأى كل شيء يختفي
البيوت
الكباري
النهر
الشوارع
لم يعد سوى الإعلانات المضيئة
معلّقة فى سقف المدينة
و تتحاور بحماس
كمجموعة من الخرس
أبجدية
قال
هذه أبجديّتي
أ الجسدُ
وقتُُ يجلس منتظراً
ب سماءُُ من القصدير تلهثُ خلف
نافذتي
وحيطان تحتكّ بأعضائي
ت ساعدني أيّها الرجلُ الجميلْ
ارفعْ بيديك قليلاً هذا الهواءْ
أريدُ أن أستديرَ
إلي جهةٍ
ث اقتربتْ المدينةُ من نافذتي
تفرطحَ أنفها على الزجاج
تراقبني
ثم تختفي في تنفّسِها
ج في الصباحْ
هواءُُ يصحو على توجّعِ الإسفلت
ح يصعدُ الماضي حاراً
كبخار الظهيرةِ
وجميلاً
كتنهّد امرأةٍ تحت أصابع
مدربةْ
خ شارداً
كان يتفقّدُ عمره من أعلى
مثل منطقةٍ منكوبةْ
د قطةُُ تموء خلف صباحٍ وجلْ
صدأ ُُ
يتساقطُ من السماءِ
ويطيرْ
ذ صحا على بكاء يديه
من افتقادِ نهديها
ر كلما رأيت قمراً محتقناً
يطلعُ من الشرق
أحسستُ أن امرأةً ما
في مكانٍ ما
تحرّرُ نهديها
وتموءْ
ز كان بين أصدقائه
عندما طار بهِ الدخانُ
ووقع به
في زمن آخرْ
س رأيتُ فيما يرى اليقظانُ
خمسةَ عشر عبداً
يزفرونُ تحت الكنكةِ
وعيونهم
معلقة بالبياضْ
ش تجعـّدَ وشُ القهوة
وانعقد على شكل حلمةٍ
تتململُ فوق بخار
وتلهثُ :
خذني
ص الصحفُ تتساقطُ علينا نتفاً
كأصابع مجزوم
ودمُُ يبقع قمصاننا
ولا ندرى من أين !!
ض حاول أن يثنيَهُ
لكنّ الدمَ كان قد بدأ يسيلُ
من سماعةِ التليفون
وينقّطُ على قميصهْ
ط قلت : هل يمكن استعادةُ الحبيبة
كوردةٍ
تتفتّحُ بالحركةِ البطيئةْ
ظ احذرينى
سيكون في مقدوري
أن أطاردَ الملائكةَ من النافذةِ
و ألقي بخطافي عليكِ
ع ستركضُ أحصنةُُ في الهواء الخفيف
وتأتى ملائكةُُ
فتزيح البيوتَ قليلاً
لترقصَ كلُ الوحوش التي خرجتْ
من توحّشها
غ الرقصُ آيةُ الجسدْ
الحركةُ التي تخدشُ الفراغ
أبنيةُُ ومجازات
ف كان يستعيدُ ما حدث
في المسافةِ التي قطعهَا
بدون رأسْ
ق أنا خيمةُُ
ثبّتْ بأطرافكَ أطرافي
وانصبْ عمودَ الخيمةِ
حتى أطيرْ
ك جسدي بيتُ إيل
ل أعضاؤكِ ألسنةُُ
وقلبي ترجمانْ
م كيف تحرّكت الأصابعُ
وراح الواحدُ يتلمّسُ الآخرَ
مثل
ضريرْ
ن أيها الجسدُ المعتصمُ
بالجيم والنونْ
تكلّم لأراكْ
ه صرنا
يتنقّلُ فينا الوجدُ كدمعٍ
يتنقل بين أوانٍ مستطرقةٍ
يأتيك ويأتيني
و أنتِ أنا
بجدلُنا الربُّ
كما تجدل أمُُ شعر ابنتها
أنتِ أنا
كضفيرة شعر تعلكُها النارْ
ى سوف نمضى
بين هذا الدمع والدم
مثلما يمضى التقاةُ
على السّراطْ
قال للسماء
ترجمي عنّي
جسدي بيتُ إيل
*
الجسدُ
وقتُُ يجلس منتظراً
*
أيها الجسدُ المعتصمُ
بالجيم والنونْ
تكلّم لأراكْ
*
سوف نمضى
بين هذا الدمع والدم
مثلما يمضى التقاةُ
على السّراطْ
***
صرنا
يتنقّلُ فينا الوجدُ كدمعٍ
يتنقل بين أوانٍ مستطرقةٍ
يأتيك ويأتيني
*
أنتِ أنا
بجدلُنا الربُّ
كما تجدل أمُُ شعر ابنتها
أنتِ أنا
كضفيرة شعر تعلكُها النارْ
هناك
الأنبياء القدامى؟
إنهم لا يزالون هناك
نعم
نعم
يجتمعون في الآحاد تحت السدرة
يشربون الحلبة و اليانسون
و يتحدثون عن الماضي
لا
لقد كبروا جداً
نعم
نعم
فهم يذكرون الحكايات نفسها كل مرّة
و بنفس الحماسة !!

صفقة
كان يشعر أنه عاش أكثر من اللازم
و كان يتساءل
عن الذنب الذي جعله يعيش
ثلاث حيوات
في عمر واحد !!
قال إنه : يريد أن يموت
لكنه لا يستطيع أن يفعلها بنفسه
سكت قليلاً
ليمسح نظارته
ثم قال :
لجأت إلى قاتل مأجور
نعم
و اتفقنا على أن يفعل ذلك فجأة
و بدون أخطاء
فأنا لا أحتمل ألماً إضافياً
عاد يمسح النظارة
ثم تنهّد :
لكنني
فقدتُ الاتصال به
عمرُُ طويلُُ مرّ و أنا خائفُُ
لا أعرفُ
متى ستأتي الضربةُ
و لا أين
خائفُُ و تعيسْ
صدّقني
فالموتُ لم يعد ممكناً
و لا الحياة..
أيضاً !

مصيدة
خرجتْ في الصباح
و تركتْ
كعادتها
على الكنسول
ورقة بما ينبغي عليه عمله
كان يفتح الشرفة عندما سمع التكَّة
إنه الفأر
اندفع بفضول إلى المطبخ.
كان
كله في الخارج
و زيله الطويل في المصيدة
أخذ يجرُّها و راءه
مصطدماً بالأشياء
دون جدوى
راح يعضَّ زيله
ليقطعه و ينجو
لكنه كان يتألم
و تخور قواه مع النزيف
لماذا أتذكر
رجال التنوير
مؤلفات فريد ابو سعدة

أولا : الأعمال الشعرية
* السفر إلى منابت الأنهار ( مطبوعات الرافعي / طنطا / 1985 )
* وردةُُ للطواسين ( الهيئة العامة للكتاب / القاهرة / 1988)
* الغزالةُ تقفز في النار ( دار الغد / القاهرة / 1990
الديوان الحائز على جائزة الدولة )
* وردة القيظ (الهيئة العامة للكتاب / القاهرة / 1993)
* ذاكرة الوعل (الهيئة العامة للكتاب / القاهرة / 1996)
* طائر الكحول ( دار قباء للطباعة و النشر/القاهرة/ 98)
* معلَّقةُُ بشص ( الهيئة العامة لقصور الثقافة/ 1998 )
* في صباح جميل كهذا (الهيئة العامة للكتاب / مختارات/2001 )
* جليسُُ لمحتضر ( الهيئة العامة لقصور الثقافة/ 2001 )
* ألعابُ البحر (الهيئة العامة للكتاب / مختارات/2003)
* سماء على طاولة (الهيئة العامة للكتاب/2003)
ثانياً : الأعمال المسرحية

* حيواناتُ الليل ( الهيئة العامة لقصور الثقافة/ 1995و تضم بالإضافة إلى مسرحية العنوان)
* مساءُُ ثقيل

* روليت عائلي
* عندما ترتفعُ الهرمونيكا ( الهيئة العامة لقصور الثقافة/ 1996و تضم بالإضافة إلى مسرحية العنوان)
* ألعابُُ ليلية
* ليلةُ السهروردي الأخيرة ( المجلس الأعلى للثقافة / 2002 )
المسرحية الحائزة على جائزة اتحاد الكتاب عام 2002