1 ـ
بداية لسنا في صدد التقليل أو النيل(لاسامح الله)من شأن و مکانة المراجع الشيعية من أصل عربي، ذلك اننا نکن لهم أشد الاحترام و نعتبرهم أو عزم و بصيرة لها مکانتها الخاصة على مختلف الاصعدة، لکننا في شأن التصدي لضرورة و أهمية أن تکون هنالك مرجعية سياسية فکرية عربية بحتة شکلا و مضمونا ذات علاقة و المام و دراية تامة بمجريات و مسارات و تطورات الملف الشيعي عربيا و کيفية و سبل التحرك لمواجهة تلك المرجعيات السياسية الفکرية التي تبوأت مکانة خاصة لها وفق إملائات سياسية و ضرورات أمنية تخدم مصالح و طموحات من هم خلف الحدود.


المرجعية السياسية الفکرية للشيعة العرب، تتأتى ضرورتها أنها تقوم بإستعراض المسائل الآنية العاجلة مع تلك التي تلقي بظلالها و تداعياتها على المستقبل و تسعى من خلال تتبع مساراتهما و إستقطباتهما، تحديد مکانة و موقف الفرد و الجماعة الشيعية في ضوئها وما سيصب في المحصلة النهائية من فائدة في جعبتيهما، وان أهمية المرجعية السياسية الفکرية للشيعة العرب تنطلق في خطها العام من کونها تهدف الى إعلان موقف واضح ما بين الحالة القومية بشکل عام(أي بکل الإنتمائات الدينية و الطائفية و الفکرية) و مابين الحالة الطائفية حيث أن مسألة الانتماء الطائفي قد شکل دوما واحدة من العقب و الحواجز أو على أقل تقدير إشکالية بوجه الاصطفاف القومي و النظرة الوحدوية للأمور.

إننا مع إيماننا و إفتخارنا بإنتمائنا الطائفي کشيعة عرب و نکن إحتراما و تقديرا لأبناء طائفتنا من الاعراق الاخرى، لکننا نرى ان مسألة إنتمائنا القومي تتقدم على الانتماء الطائفي ذلك أن هنالك مسوغات تدفعنا لذلك أهمها الانطلاق من القاعدة الفقهية المعروفة(الاقربون أولى بالمعروف)، کما ان التفاسير الواردة بحق الآية 215 من سورة البقرة(يسألونك ماذا ينفقون قل ماأنفقتم من خير فللوالدين و الاقربين) تجعل مسألة تفضيل الحسنى للأقربين هي الاولى سيما وانه يشار الى أن نبينا الاکرم صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم قد قال في هذه الاية وهو يخاطب أبي طلحة(أرى أن تجعلها في الاقربين)، ومن هنا فإننا نرى أن تفضيل الانتماء القومي على الطائفي له أيضا مايبرره في الميزان الشرعي ذاته، ذلك أن الاغلبية العربية وان لم تکن شيعية فإنها سنية أي أنها تنتمي للدين الاسلامي مما واننا نفضل عربيا سنيا على شيعيا إيرانيا أو أفغانيا أو أي کان عرقه مع تقديرنا له و لعرقه ذلك أن الذي يجمعنا بالعربي السني بالاضافة الى الرابطة الدينية الجمعاء، رابطة الدم و القربى وهذا يدفعنا للإنحياز أکثر(إنسانيا و عقلانيا و منطقا)للإنتماء العربي. وعندما يکون هنالك إضرارا أو أذى ما أو أية مضاعفات سلبية أخرى تلحق بأبناء جلدتنا من جراء تفضيل الانتماء الطائفي على القومي(کما هو الحال لدى العديد من التنظيمات الشيعية الموالية لغير أوطنها و شعوبها)، فإن الشرع الاسلامي يدفعنا لکي و بناءا على المنطلق الاول الذي حددناه لکي نتخذ موقفا دينيا و عقلانيا من هذا الامر و العمل ليس فقط على وضع حد لهذا الضرر وانما حتى على تغييره نحو سياق إيجابي.


اننا في المجلس الاسلامي العربي، قد تدارسنا هذه المسألة و بحثنا فيها من مختلف الاوجه الفقهية و الشرعية و وجدنا بأنه الاولى و الاکثر و الاعم فائدة لديننا الاسلامي الحنيف أولا و لقوميتنا العربية ثانيا هو تفضيل الخيار القومي على الطائفي و حديد المسائل و المتعلقات الاخرى کلها وفق هذا المفهوم، وقطعا لم يکن من السهل على مناوئينا و خصومنا السياسيين و الفکريين تحبيذ هکذا طرح ولذلك فقد واجهونا و منذ البداية بأنواع المضايقات و المواجهات المتباينة ظنا منهم بأن ذلك سيدفعنا لکي نغير من موقفنا من دون أن يمنحوا لأنفسهم عناء مطالعة و دراسة الاساس الراسخ الذي بنينا عليه موقفنا الثابت هذا.


ان المراحل التأريخية التي مرت بها أمتنا العربية بشکل عام، قد أعطتنا الکثير من الدروس و العبر الغنية حتى لانقع في الاشکاليات و المطبات و المزالق الضيقة ذاتها التي وقع فيها آبائنا و أجدادنا من قبل، خصوصا عندما حدث تصادم أو تباين مضر بين الحالتين قادت في النهاية الى إلحاق الضرر بالجانبين ومن أجل ذلك فإننا نسعى لبناء حاضر و واقع جديد بإمکانه أن يکون جامعا للحالتين الطائفية و القومية و يتجاوز أية ثغرات من الممکن أن تستغل في إثارة عوامل الفرقة و الاختلاف بين الطائفة و القومية و نعمل وفق مبادئ و مفاهيم عملية و واقعية جديدة تضع المصلحة الثنائية المشترکة فوق أي إعتبار آخر وذلك ما سيقودهما ومن دون شك بإتجاه يصب في النهاية في مصلحة و خير الجانبين.

محمد علي الحسيني

*الامين العام للمجلس الاسلامي العربي في لبنان.