... وإنقاذها من الإعدام

برغم أن "الإرهاب" كلمة ارتبطت في ذهن جميع الناس بذلك المتشدد الملتحي قصير الثوب أو البنطال الذي تطرف دينياً حتى وصل حاله إلى العنف والدم والتدمير، إلا أن هذا الإرهابي ليس بعيداً أو غريباً عن ذلك الرجل الذي شاهدته على متن طائرة الخطوط السعودية عند عودتي من الإجازة الصيفية. الفرق بينه وبين الأول أنه لم يكن ملتحياً ولم يكن قصير الثوب كان يسحب وراءه ثلاث نساء ملتحفات بالسواد اختار لهن مقاعدهن ومن ثم جلس على الطرف ممسكاً بجهاز هاتفه مستغلاً الوقت قبل صعود الطائرة لإرسال رقمه عبر البلوتوث لعله أن " يصيد شيئاً " لم يكن شاباً صغيراً كي يطلق عليه " مراهق " وكان واضحاً أن الرجل تجاوز الخمسين من عمره، ما حصل أن الرجل ما إن أغلق جهاز هاتفه بعد طلب من مضيف الطائرة حتى أصبح يتلفت يمنة ويسرة لإيذاء النساء من حوله. كان مطمئناً فقد أحكم إغلاق نساءه بينما هو يملك الحق بأكمله لإيذاء أي امرأة كاشفة الوجه، عندما جاء وقت الطعام تعالت الأصوات من جهته فالنساء الثلاث جائعات ومن حقهن تناول الوجبة بينما كان الرجل يعلن تحذيراته لهن بتوخي ظهور أي معلم من معالم الوجه أثناء الطعام وانتهى الأمر باتخاذ كل واحدة منهن زاوية مُحكمة تضمن بها أن لا يظهر شيئاً من وجهها أثناء تناول الطعام. هذا المشهد ليس غريباً أبداً ويتكرر بشكل أو بآخر في أي مكان عام أو مطعم خارج السعودية إذ أن أنظمة المطاعم في الداخل والتي وضعت الحواجز اتقاءً لهذه المشاهد تجعلنا لا نراها كثيراً وإن كنا قد نرى مثل عينة هذا الرجل محكماً إغلاق الحواجز أو السواتر في هذه الأماكن إلا أنه لسوء حظ هذه الفئة الكثيرة أنه لا مكان في الطائرة لوضع الحواجز .
الإشكالية في هذا المشهد أو ذاك يمكن أن يراها الشخص العادي ولا يُمكن أن تحجب مهما كان فالرجل السعودي العادي الذي لم يرتدِ ثوباً قصيراً يرى أن الحياة من حقه وحده وعندما يمنح امرأته جزءاً منها فإنه يتفضل عليها بهذه الهدية والغريب في الأمر أنها راضية وخانعة مع أنها في داخلها رفض لمثل هذه التصرفات وهذا يتضح من خلال المشهد ذاته وقت الطعام.
" ثقافة الغلو " التي تبنى محاربتها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وحذر منها في مواضع عدة أخرها كان في لقاءه مع مسئولي التعليم قبل عدة أيام يجب أن نتبناها جميعاً كمواطنين ومثقفين وكنساء خصوصاً وأن لا نوجهها إلى فئة معينة نحصر تركيزنا بداخلها فنمسك بذلك الطرف ونترك الأساس، فالأساس جاء من هذا الفكر الذي ينبذ الآخر والأخر الذي أقصده ليس أمريكياً ولا أوروبياً، الأخر هو المرأة السعودية الذي يحلو لرجلها نبذها وتقليلها وتحقيرها دون وعي حتى بات هذا التصرف وغيره من مُسلمّات التعامل مع المرأة في بلادنا، الحاصل أن هذا ليس من تطورات الأوضاع بالمملكة وإن كان النقد قد ظهر مؤخراً فإنه نتيجة التململ التي تمر بها المرأة السعودية من خلال إيقافها عن الحياة خمسون عاماً ماضية على الأقل فحضارة البلاد من حولنا في شوارعنا وعمارتنا إلا أنها لم تدخل بعد إلى أفئدة الناس وعقولهم وتعاملاتهم معها إضافة إلى معاضدة الانفتاح والشفافية التي تمر بها الصحافة بشكل عام ببلادنا في هذه المرحلة لقضايا المرأة، تجدر الإشارة في هذا الموقع إلى قصة فتاة خميس مشيط التي دافعت عن شرفها فحُكم عليها بالقصاص ليست بعيدة عن ذلك المشهد الذكوري السعودي البحت. أنا هنا لست لتبرير جريمة قتل الفتاة لهذا الشاب أو قبولها إلا أنه لو وضعت هذه الجريمة تحت مجهر المساواة بأسلوب أكثر عدالة من زاوية " المجرم الضحية " وأعني بذلك الفتاة لما كان القصاص حقاً لها خصوصاً وأن المتأمل العادي للأحكام الإسلامية لا يمكن أن يلمس فيها الجمود وفي حال فتاة خميس مشيط التي تعرضت أساساً للابتزاز والتهديد فإن حكم الإعدام ينتفي مع القاعدة الدينية المعروفة بدرء الحدود بالشبهات. من وجهة نظري الشخصية أرى أن حكم القصاص لهذه الفتاة ليس بعيداً عن الرجل الذي يقتل زوجته أو أخته أو ابنته رداً لشرفه إلا أن هذه المرة جاء القاضي بهذا الحكم في زمن حقوق الإنسان !!
هذا هو واقع المرأة عندنا اليوم و هذا هو حالها يتضح بالمشهدين السابقين, لكن هذا الحال ليس قدراً لا يمكن الانفكاك منه, فإن كنا نؤمن حقاً بإنسانية المرأة و حقها في الحياة فعلينا أن ننطلق من وسط المجتمع الذي ظلم المرأة, الآن وليس غداً, لكي نحارب كل الإرهاب الفكري والنفسي والعاطفي والجسدي أيضاً نحوها، علينا أن نضع الحياة أمام الإنسان ( المرأة ) لتختار وتقرر وتعيش وتأكل وجبة الطعام في الطائرة دون فضل أو منة " الرجل ".

صحافية سعودية

[email protected]