استوقفني مقال للزميل كفاح محمود كريم، نُشر في إيلاف اليوم الجمعة، تحت عنوان quot;ايزيدي لرئاسة العراق ومسيحي لرئاسة الحكومة؟quot;. يبدأ الكاتب مقاله بquot;عراق المواطنة المفترضةquot;، ويقترح ضرورة quot;تجاوزquot; الراهن من العراق quot;العرقي، والديني، والطائفيquot;، وبالتالي حاجة المواطنين العراقيين إلى الإنتقال أو التحول من quot;العراق المتخلفquot;، إلى عراق quot;أكثر تحضراً ورقياً في البناء الإنساني للمواطنة الحقة والإنتماءquot;. عليه، وتأسيساً على فرضية quot;العراق الحضاري المنتظرquot;، يقترح الكاتب ضرورة quot;الإبتعادquot; من quot;البطاقة العرقية، والدينية، والطائفيةquot;، وquot;الإكتفاء ببطاقة المواطنة الصالحةquot;، لquot;ترشيح إيزيدي لرئاسة العراق من معتنقي الديانة الايزيدية، وآخرا من معتنقي المسيحية لرئاسة الحكومة، وعراقياً صميمياً من الصابئة المندائيين لرئاسة مجلس النواب وامرأة عراقية لوزارة الدفاعquot;.

كلام جميل، أو الأصح هو quot;حلم جميلquot;، لعراق أجمل، في عراقٍ بات من أوله إلى آخره ملكاً لثلاثة كبار، من فوقٍ كبيرٍ، هو الكل في الكل، في فوق كل العراق، من البصرة إلى زاخو، مروراً بالفلوجة والموصل: الفوق الشيعي، والفوق السني، والفوق الكردي.
العراق منذ تحريره من الديكتاتورية، انقسم إلى ثلاثة؛ ثلاثة عراقات quot;موحدةquot; على الورق، في عراق واحد مفترض. ولا يزال حبل العراق الباقي من القسمة، على الجرار، إذ يتنازع هؤلاء الثلاثة، على البقية الباقية منه، كما تقول كل الأخبار القادمة من عراك العراق.

لا شك، لهو جميل أن يحلم الكاتب، كغيره من العراقيين الغيورين على عراقهم، بهكذا quot;عراقٍ جميلquot;، قائمٍ على مبدأ quot;المواطنة الحقيقيةquot;، وquot;الإنتماء الحقيقيquot;، وquot;الكفاءة الحقيقيةquot;. ولكن العراق الحقيقة، المتحقق، والذي من لحمٍ ودم؛ quot;عراق ملوك الطوائف وملوك الأحزابquot;، هو في وادٍ، وكاتبنا وهذا العراق المكتوب على الورق، quot;الممكنquot;، والمرتجى، والمأمول فيه، والذي يراد له أن يكون quot;عراقاً وطناً للكلquot;، هما في وادٍ آخر.


العراق الحالم به على الورق، الذي يريد له الكاتب، أن يكون بquot;رئيس إيزيديquot;، وquot;رئيس حكومة مسيحيquot;، وquot;رئيس برلمان صابئيquot;، وquot;وزيرة دفاع عراقية قويةquot;، هو عراقٌ بعيد المنال الآن، ناهيك عن أنه عراق بعيد، قاب قوسين أو أدنى من المستحيل، والأسباب هنا أكثر من كثيرة، يعرفها كل مطلع على أخبار عراك العراق، الذي هو عراك بين ثالوث الفوق العراقي الحاكم، حيث أفادت آخر أخبار هذا العراق، اليوم، بنشوب عراك بين quot;عراق الكردي جلال الطالبانيquot; وquot;عراق الشيعي نوري المالكيquot;.

القرار المهزلة الذي صدر مؤخراً من برلمان عراق هذه الثالوث(الشيعي+الكردي+السني) الحاكم، بخصوص حصة quot;الأقلياتquot;(التي رشحها الكاتب لقيادة كل العراق) في الإنتخابات المحلية القادمة، هو دليلٌ أكيد، على أن العراق الذي يقترح عليه الكاتب quot;آراءه الجميلةquot;، هو عراقٌ داس على الأقليات(كالمسيحيين، والإيزيديين، والكاكائيين، والفيلييين، والهوراميين، والشبك، والتركمان، والآشوريين، وسواهم من الموزاييك العراقي الجميل) وانتهك حقوقها، وquot;أخرجهاquot;، أو quot;طردهاquot; من عراقها، منذ أن أصبح العراق الحالي مزرعةً لثلاثة، مقسوماً على جيوب ثلاثة.

هذا المقال الطوباوي والجميل في آن، دفعني إلى طرح أكثر من سؤال، ووضع أكثر من إشارة استفهام على الجميل المطروح. ولكن السؤال الأهم الذي قفز إلى ذهني واستوقفني أكثر، لدى قراءتي في رؤية الكاتب الزميل واقتراحاته المرفوعة إلى فوق عراق بغداد، هو:
لماذا قفز الكاتب الزميل بquot;رؤيته الجميلةquot; هذه، بخصوص quot;عراق قادمٍ جميلquot;، مفترض، على quot;عراق هوليرquot; الكردي، أي كردستانه المتحققة مثلاً؟
لماذا لم يرفع بذات الإقتراح الجميل(وهو الكردي المثقف)، لأكراده في فوق كردستان، كي يتحول هذا الفوق الفيفتي فيفتي، من فوق احتكاري مقسوم على حزبين فقط، إلى فوقٍ ديمقراطيٍّ عادلٍ لكل الكردستانيين؟


لماذا لم ينوّر الكاتب بquot;رؤيته الديمقراطيةquot;، المفتوحة جداً على حقوق الآخر، الأقلوي، هولير(ه)، لتنتقل أو تتحول كردستان من مرحلة quot;كردستان متقاسمةquot;، أو quot;كردستانينquot; لحزبين، أو عشيرتين حزبيتين، بعاصمتين، إلى quot;كردستان للكلquot;؛ لكل مواطنيها، أكراداً، وتركماناً، وآشوريين، وعرباً، وكلدانيين، ومسيحيين، وإيزيديين، وفيليين، وشبك، وصابئة مندائيين، وكاكائيين، وهوراميين؟
لماذا لم يرشح كاتبنا كردياً إيزيدياً مثلاً لرئاسة كردستان، وفيلي لرئاسة حكومتها، وشبكي لرئاسة برلمانها، وإمرأة كردية لقيادة بيشمركتها؟


ثم هل هناك في كردستان الراهنة، أي بصيص أمل، أو بعض حظٍ، في أن يتبوأ هؤلاء الثلاثة، أو سواهم من أبناء الأقليات الآخرى، منصباً في الفوق الرئاسي، كالذي اقترحه أو أراده الكاتب لهؤلاء في رئاسة وحكومة وبرلمان ودفاع عراق بغداد؟
ترى، لماذا قفز الكاتب على حقوق هذه الأقليات في كردستانه المغيّبة لحقوق الكثير الكثير منها، وحملها على ظهر مقاله ليطالب بها في بغداد، علماً أن أقليات كالإيزيدية والفيلية والكاكائية والهورامية والشبكية، هي أقليات quot;كردية أصيلةquot;، أو quot;أكراد أصلاءquot;، حسب تصريحات كل الفوق الكردي، من الكاك مسعود إلى المام جلال، مروراً بكاك نيجيرفان ومام كوسرت؟
لماذا لم يسأل الكاتب كردستانه، عن سبب إسقاط أكراده لحصة الإيزيديين، في برلمان عراق بغداد، في الإنتخابات البرلمانية الأخيرة، علماً أن هؤلاء صوتوا لأكرادهم في التحالف الكردستاني بحوالي 110 ألف صوت؟

كان من الأولى بالكاتب(وهو المثقف الغيور، والإعلامي quot;الحرquot; في quot;كردستان الحرةquot;) أن يبدأ من قربه القريب جداً(والأقربون أولى بالمعروف)، ويرشح كردياً إيزيدياً لرئاسة كردستانه، في وقتٍ هو الأعلم(وهو المواطن الشنكالي، الخبير في شئون الإيزيديين وشئون شنكالهم، إحدى أكبر معاقل الإيزيديين، حيث يعيش فيها أكثر من 350 ألف نسمة)، بالغياب والتغييب الإيزيديين في كل فوق كردستان، إذ ليس هناك إيزيدي واحد في قيادة الحزبين الحاكمين، رغم أنّ الإيزيديين قدموا الغالي والنفيس، ككل أبناء الأقليات الكردية الأخرى، لكردستان أيام الجبل الصعب، والدم الصعب، والكردياتية الصعبة، بشهادة الغريب قبل القريب؟

كيف يطالب الكاتب بالحقوق الكبيرة لهذه الأقليات في العراق العربي، وهو يسكت عن ذات الحقوق، لا بل حتى عن الحقوق العادية البديهية منها، لذات الأقليات في عراقه الكردي، كردستان؟
ألا يعلم الكاتب أن كل البرلمانيين والبرلمانيات، في برلمان كردستانه، المحسوبين على أقلياتهم، هم ليسوا سوى بيادق معينة ومكلّفة برسم الفوق الحزبي الكردي، ولذر الرماد في العيون؟


ماذا يعني وجود ثلاثة برلمانيين إيزيديين مثلاً(من حارة واحدة)، معطلين، تحت الطلب، في برلمان كردستان، ليس لهم سوى أن يرفعوا أو ينزلو أياديهم مع الأصفر البارتي(الديمقراطي الكردستاني) والأخضر اليكيتي(الإتحاد الوطني)؟
لماذا لم يتساءل الكاتب مثلاً، ترى لماذا كل وزراء quot;الأقلياتquot;(عدا بعض الأقليات المدعومة من الخارج) المساكين، لا يستحقون سوى الصفوف الأخيرة، من كابينة حكومة كردستانه ذات ال42 وزيراً، كquot;وزراء للإقليمquot;، معطّلين، لا شغلة لهم ولا عملة، حيث تزج غالبية وزاراتهم(9 وزارات فقط لا غير للإقليم، تساوي أرقامها من 34 إلى 42)، الخارجة عن كل حقيبة، في طابق أو طابقين من بناية واحدة، مع مكتب لشرب القهوة المرة أو الشاي الحلو فيها، كما هي عادة سوريا البعث مثلاً، التي عودتنا quot;وحدتها وحريتها واشتراكيتهاquot;، على تعيين حلفائها من الشيوعيين والناصريين، وسواهم من الأحزاب والجماعات الهامشية، الطارئة على السياسة، المغنية في سرب quot;الجبهة الوطنية التقدميةquot;، كquot;وزراء دولةquot;، للتجميل فقط، ولعب دور الكورس في جوقة البعث القائد؟!
لماذا لم يسأل الكاتب كردستانه، وفوقها quot;الديمقراطي جداًquot;، ترى لماذا أدار الفيليون( وهم الأكراد الخلص الذين قدموا دماً كثيراً، وشهداء كثيرين، لكردستان الصعبة) ظهرهم للتحالف الكردستاني، وتحالفوا في الإنتخابات العراقية الأخيرة مع أحزاب شيعية، كالمجلس الأعلى للثورة الإسلامية؟


لماذا لم يسأل الكاتب كردستانه، كيف تحول هؤلاء الكرد من quot;أكراد فيليينquot; إلى quot;أكراد شيعةquot;، أو quot;فيليين شيعةquot;؟
لماذا لم يسأل الكاتب quot;فوقquot; كردستانه، عن أسباب ردة quot;الأكراد الأصلاءquot; الأخيرة عن كرديتهم وكردستانهم، خصوصاً بعد تحقيق كردستان quot;المنتظرةquot;، وتسجيلها في كل الدوائر الرسمية، بإسم حزبين محتكرين فقط؟
لماذا لم يتساءل الكاتب، كيف ارتدّ هؤلاء quot;الكرد الأصلاءquot; وتحولوا إما من quot;أكراد في ولكردستانquot; إلى quot;أكراد آخرينquot;، أو quot;أكراد لآخرينquot; يرون قوميتهم في دينهم، أو بالعكس؟


لماذا لم يتساءل الكاتب، عن أسباب عدم وصول أي أحد، للآن، من أبناء الأقليات الكردستانية الأصيلة، لمنصب واحد فقط من الفوق الكردي بكردستان، وهو الذي يبكي على حقوقهم في ذات الفوق بعراق بغداد؟


كيف لا يعرف الكاتب على سبيل المثال لا الحصر، المثقف والمنظر الكبير، والكردي الكبير الذي حمل كردستانه الكبيرة على ظهره، جبلاً جبلاً، الكاكائي فلك الدين، وزير الثقافة المقدّم استقالته راهناً..لماذا لم يفكر الزميل الغيور على حقوق الإيزيديين والفيليين والكاكائيين والأقليات الأخرى، في كردستانه، بأن يرشح، في مقال أو شبيهه مثلاً، فلك الدين الكاكائي، البيشمركة والبارتي القديم، والعضو في مكتبه السياسي، والمترأس لإذاعة صوت كردستان سنة 1975(حين كان عمر رئيسه الحالي نيجيرفان المولود سنة 1966، 11 سنة) رئيساً لحكومة كردستان بدلاً من نيجيرفان البارزاني، وهو يعلم حق المعرفة، بأن الكاكائي كان مع كردستان الجبل الماضي، صديقاً للبارزانيين الأوائل، كالرئيس مسعود البارزاني، وأخيه الراحل إدريس البارزاني، والد نيجيرفان الذي التحق بquot;كردستان المدينةquot; مؤخراً ومتأخراً جداً؟

الكاتب، بقفزه على الحاضر من حقوق أقلياته quot;الحاضرة الغائبةquot;، في كردستانه(عراق هولير)، ومطالبته بالمستقبل الصعب جداً لذات الحقوق في عراق بغداد، ذكّرني بالمثل الشعبي، الكردي والعربي، القائل: quot;عجباً للمؤمن يرى القذى في عين أخية ولا يرى الجذع في عينهquot;.

والحال، إذا كانت مطالبة الكاتب والإعلامي كفاح محمود(فيما لو حصل)، أو أي كاتب كردي آخر، بحق اقلياته في كردستانه في أن يكونوا من فوقها وإليها، كرؤساء للقادم منها، ومن حكوماتها وبرلماناتها وسائر مؤسسات الدولة الأخرى فيها، quot;حقاً أكيداً يراد بها حق مؤكد غير مشكوك فيهquot;، للمواطنين الحقيقيين، وكردستانهم الحقيقية(كردستان quot;الحقيقة الغائبةquot;)، فإنّ مطالبة الزميل، عبر هذا quot;المقال القافزquot; على الذات، بذات الحق في بغداد البعيدة، هي أشبه ما تكون بquot;حقٍ يُراد به أكثر من باطلquot;.

لنبدأ من حيث نكون.
لنبدأ من حيث نستطيع.
لنبدأ بنقد الذات من حيث نحن.
لنبدأ من فوق كردستان، من حيث يخطأ الفوقيون القوّامون عليه.
كفانا هروباً من أخطائنا.
كفانا ركوباً لأخطاء الآخرين.
كفانا كلاماً في الإنشاء الجميل، والحريات الجميلة، والحقوق الجميلة.
كفانا سكوتاً على قبح كردستان، التي ماعادت جميلةً كحلمها الجميل.
كفانا بيعاً للوطنيات البراقات، والديمقراطيات الرنانات الطنانات، في أسواق الأخرين، وسوقنا الكردية، تعيش أكبر من فساد، وأكثر من كساد..

رحم الله الكردي الكبير، الشاعر أحمدي خاني(1651ـ1707)، الذي حمل كردستانه في حروفه، حين شكى من بازار الحرف الكردي، في رائعته quot;مم وزينquot;، منذ أكثر من ثلاثة قرون مضت، قائلاً: quot;ماذا أفعل والبازار كسادٌquot;؟
صدقت أيها الحاضر الغائب، أمير الحرف الكردي الكبير...فماذا نفعل وبازار الفوق الكردي، فسادٌ في كساد، وكسادٌ في فساد؟

هوشنك بروكا


[email protected]